الصفيحة إلى 360 ألفاً: سلامة يقطع الدولارات عن البنزين بتواطؤ ضمني مع الحكومة؟ !
صدى وادي التيم- إقتصاد/
في دردشة على هامش اجتماعات المجلس المركزي أمس، أبلغ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أعضاء مجلسه المركزي نيّته وقف تمويل استيراد البنزين بدولارات مصرف لبنان. وبالتوازي قرّرت وزارة الطاقة تسعير دولار البنزين بـ 20350 ليرة لكل دولار، ما أدّى إلى زيادة سعر الصفيحة إلى 302700 ليرة مقارنة مع 206400 ليرة في نهاية أيلول الماضي. هذا الأمر سيشكل عامل ضغط كبيراً على سعر الدولار ويضع أعباء كبيرة على ميزانيات الأسر والمؤسسات. «الأمور تنتقل من السيئ إلى الأسوأ» يقول كمال حمدان
علمت مصادر في المجلس المركزي لمصرف لبنان، أنّ حاكم المصرف رياض سلامة أبلغهم على هامش اجتماع المجلس أنه ينوي «التوقّف عن بيع الدولارات لمستوردي المحروقات، على أن يصدر القرار عن المجلس المركزي بذلك في غضون أسبوعين بالحدّ الأقصى». وزارة الطاقة تناغمت مع نوايا سلامة فأصدرت جدول تركيب للأسعار يتضمن تسعيراً جديداً لصفيحة البنزين على أساس سعر للدولار يبلغ 20350 ليرة، أي بسعر صرف يكاد يوازي ما هو متداول في السوق الحرّة. هذا التناغم «كان مقصوداً» بحسب المصادر، لأنه «يمهّد لقرار مصرف لبنان، ويدفع المستهلكين نحو الاعتياد على السعر الأعلى
بتواطؤ ضمني بين الحكومة وسلامة، انطلقت عملية رفع الدعم منذ ما قبل صدور مرسوم تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. جرى تحرير المازوت أولاً وجرى تسعيره بالدولار النقدي فيما توقف مصرف لبنان عن تمويل استيراده من الاحتياطات الإلزامية بالدولار التي يحملها في محفظته، وباتت الشركات تسحب يومياً نحو 8 ملايين دولار نقداً من السوق الحرّة لتمويل استيراد شحنات المازوت، وباتت تبيعه بالدولار النقدي أيضاً. الآن حان دور البنزين. الأسلوب نفسه استعمل، أي أن رفع السعر الداخلي لدولار البنزين ووقف تمويله بدولارات مصرف لبنان يتم تمريره بشكل موارب. فعلى هامش اجتماعات المجلس المركزي لمصرف لبنان، أُبلغ الأعضاء في دردشة مع الحاكم أنه ينوي التوقف عن تمويل الاستيراد بالدولارات. وبالتوازي أيضاً أصدرت وزارة الطاقة جدول تركيب لأسعار المحروقات يتضمن زيادة في سعر صفيحة البنزين مبنية على ارتفاع سعر المحروقات عالمياً، وتسعير دولار البنزين بقيمة 20350 ليرة بدلاً من 18000 ليرة سابقاً. أدّى ذلك إلى ارتفاع سعر صفيحة البنزين بنسبة 24.7 في المئة مقارنة مع أسعار الأسبوع الماضي ليبلغ سعر صفيحة الـ«98 أوكتان» 312700 ليرة، وصفيحة الـ«95 أوكتان»، سعر 302700 ليرة. ويتوقع عاملون في مجال الاستيراد أن تسجّل الأسعار مزيداً من الارتفاع في الأسابيع الأربعة المقبلة بسبب ارتفاع سعر طن البنزين وفق نشرة البلاتس بقيمة 22 دولاراً، وبالتالي سيزداد سعر صفيحة البنزين بنحو 60 ألف ليرة أو بمعدل 15 ألف ليرة أسبوعياً، هذا إن بقي سعر الدولار على حاله وإن بقي سعر برميل النفط على حاله…
بهذا القرار يكون مصرف لبنان قد «حرّر» نفسه من ملف الدعم. ويكون أيضاً قد استكمل تدمير ما تبقى من ميزانيات الأسر والمؤسّسات. فهو يدرك جيداً أن لجوء المستوردين إلى السوق الحرّة للحصول على دولارات لتمويل المازوت أدى إلى إشعال الطلب على الدولار وزيادة في سعره بمعدل 1700 ليرة أسبوعياً لأن التجار يسحبون أسبوعياً من السوق نحو 230 مليون دولار. وإذا تكرّر الأمر مع البنزين، فإن الضغط سيزداد أكثر على سعر الصرف، بالتالي تزداد الضغوط التضخمية على الأسر والمؤسسات.
سيزداد سعر صفيحة البنزين بنحو 60 ألف ليرة خلال الأسابيع الأربعة المقبلة
في المقابل، تحاول وزارة الطاقة تخفيف حدّة الأمر من خلال الإشارة إلى وجود مفاوضات مع سلامة حتى «يستمر مصرف لبنان في بيع الدولارات للشركات وفق سعر الـ20 ألفاً». هنا تصبح المفارقة مرتبطة بأمر آخر: من أين يأتي مصرف لبنان بالدولارات؟ إذا كان يسحبها من السوق عبر منصّة «صيرفة» بسعر يقلّ عن سعر السوق الحرّة، فلم يكن يجدر بوزارة الطاقة أن تسعّر دولار صفيحة البنزين بنحو 20350 ليرة، وعلى مصرف لبنان أن يبيع الدولارات بأقلّ من سعر السوق الحرّة، أي أقل من 20 ألف ليرة، أما إذا كان يسحبها من السوق الحرّة عبر طرف ثالث مثل الصرافين، أي من دون أن يظهر علناً، فإن النتيجة ستكون مماثلة لجهة زيادة الضغوط على سعر الصرف.
النتيجة التلقائية لهذا السلوك المتهوّر من قوى السلطة في مواجهة تداعيات الأزمة تكمن في «الانتقال من السيئ إلى الأسوأ» بحسب مدير مؤسسة البحوث والاستشارات، كمال حمدان. فمن تبذير الاحتياطات على آلية دعم تصبّ في مصلحة رأس المال واستمرارية المنظومة المنهارة، إلى قنص الفقراء عبر منعهم من الانتقال إلى العمل. يقول حمدان إنّ «سعر البنزين أصبح 100 في المئة غير مدعوم، وسيتأرجح في المستقبل، انخفاضاً أو صعوداً، نتيجة سببين: تغيّر الأسعار عالمياً، وتبدّل سعر الصرف». هذه «مأساة»، وفق وصف حمدان، تحلّ على السكان «من دون سياسات حماية اجتماعية». دعم الاستيراد الذي عُمل به منذ أيلول 2019، «بُني على أسس عوجاء، ولكن من غير المنطقي إنهاؤه بطريقة مفاجئة وليس بالتدرج. كان يُفترض أن يترافق رفع الدعم مع مشروع حماية، يبدأ من تصحيح الأجور، ليطال كل القطاعات الأخرى، وإقرار البطاقة التمويلية». تُركت الأمور لسلطة رأس المال والسياسيين المُمسكين بمفاتيح الدولة، «هذا مسار ستكون له آثار على المستوى النقدي، أي سعر الصرف، وسترتفع كلفة المعيشة (التضخم)».
الواقع أن قرار رفع الدعم عن البنزين اتخذ من دون سياسة حماية اجتماعية ومن دون أي إجراء يتعلق بتنفيذ خطّة نقل مشترك يكون بديلاً من استخدام السيارة. بل يمكن القول إن السلطتين السياسية والنقدية تآمرتا على الناس فيما تقف الحكومة متفرّجة. فبحسب مصادر وزارة الطاقة يتم التسعير على أساس السعر العالمي، ولكن «ندرس حالياً التخفيف من نسب أرباح الشركات المستوردة، لتخفيف السعر على المُستهلك. وسيُعقد اجتماع في الأيام المقبلة لرسم دور الحكومة في ما خصّ تأمين الدولارات. أبعد من ذلك، لا يبدو أنّ أحداً يملك استراتيجية».
مجدداً يتصرّف سلامة بوصفه «الآمر الناهي». اتّخذ وحيداً قرار الدعم على استيراد المحروقات والدواء والقمح، قبل أن يُقرّر وحيداً التوقّف عن توفير الدولارات. هو يُقرّر أي دواء يجب أن يشتري الناس، ومتى يحصلون على البنزين والمازوت، وماذا يأكلون، وفي أي مدارس يتعلمون… مستفيداً من تغييب السلطة السياسية لنفسها عن دائرة القرار، وتعاملها مع أمن السكان الطاقوي والصحي والغذائي والحياتي بوصفه من خارج نطاق صلاحياتها. لا استراتيجية حماية اجتماعية، لا دعم اجتماعياً لتأمين الاحتياجات الرئيسية، لا وسائل نقل عام، وعلى رغم ذلك يؤخذ القرار برفع الدعم نهائياً عن البنزين، كمن يُطلق النار على رؤوس الفقراء.
ليا القزي ومحمد وهبة- جويدة الأخبار