١ تموز ١٩٧٨،مئة يوم من الحرب، كرامة وعزة خالدة مع الزمن …بقلم ميشال جبور
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم/
فُرضت علينا في زمنٍ ظالم حربٌ قاسية وُلدت من رحم حرب السنتين، هذه الحرب المزلزلة دُعيت بحرب المئة يوم، حربٌ خضناها ضد من اتهمنا بالإنعزالية فيما هو كان يصبو لإحتلال وتملّك لبنان وفرض سيطرته على القرار الوطني والسيادي.
في مئة يوم واجهت ثكنة الأشرفية بقيادتي آلة التدمير السورية،بعد أن فشلت كل مساعي التهدئة مع السوريين الذين ازدادوا في تعنتهم وتصرفاتهم الإستفزازية.
كنا في ثكنة الأشرفية اتخذنا قراراً بقيادتي بأن ندحر السوري من مناطقنا وبدأنا بالتحضير شهرين مسبقاً وعملنا معمقاً على دراسة الخرائط والأوضاع اللوجستية والنفسية للقوات الخاصة السورية وتأكدنا من خرقنا لمعلوماتهم عبر زرع متعاونين معنا داخل قيادتهم الأم أي عند نايف العاقل ومحسن سلمان آنذاك.كنا نتحضر من الألف للياء بوتيرة سريعة فالإناء قد فاض منهم والأهالي سئموا ووجودهم أصبح لا يطاق. وفي يوم ١ تموز ١٩٧٨،تم توقيف الشيخ بشير على أحد حواجزهم قرب مستشفى كرم وتم اقتياده إلى مبنى حبيس بالقرب من مستشفى رزق، عندها استيقظ تنين نائم بغلطة لا تغتفر منهم فكانت شرارة اندلاع المعارك، فاستنفرنا على أعلى المستويات وما أن تنصل منهم بشير بحنكته المعهودة حتى بدأ إطلاق النار، حرب المئة يوم بدأت، كان يومها الأول وقرارنا كان قاطعاً، القتال حتى دحر السوري وإخراجه.
كانت لنا القوة والقدرة والإستطاعة للتخطيط والتجهز والتسلح، فالرئيس جان ناضر كان يتولى الدعم الأبوي والمادي واللوجستي وعتادنا كله كان من مالية الثكنة وذخائرنا تكفي لأشهر من القتال دون توقف، والأهم وفوق كل ذلك كان الأهالي معنا قلباً وقالباً وأينما حللنا كان مرحبٌ بنا.
خاضت ثكنة الأشرفية المعركة ببسالة بكل أقسامها وصولاً إلى خطوط التماس،شباب الثكنة وكل الأقسام العشرة وخاصة القسم السادس والسابع والعاشر ومركز التيوس ومراكز الكتائب في كرم الزيتون وحي السيدة وفرقة الشليكو بقيادة الشهيد علي الدايخ وشباب القطاع السادس عشر مع ريمون حلو الذين كانوا على مقربة من مستشفى كرم أحد النقاط الأكثر حساسية واستراتيجية كما كانت فرقة الأبونا في محلة سينما الليدو وقوامها من شباب الثكنة من قرى شرقي صيدا، وقد كانوا على قدر المستوى وأكثر،شباب لم يتعدى عددهم المائتي شاب بقلب صافٍ وعناد لا يوصف وقفوا بوجه أعتى وأكثف قصف شهدته منطقة في ذلك الزمن، ستالينغراد لم تكن لتقارن بما حدث في الأشرفية، القذائف كانت تتساقط علينا كالمطر الأسود لكن معنوياتنا كانت مرتفعة وإيماننا كان عميقاً وصلباً فاستبسلنا إلى آخر نفس وكنا قد اخترقنا باستخباراتنا تحركات السوريين عبر عناصر سورية متعاونة معنا من عسكر وضباط وأجهزة التنصت وبالتالي كانت خطط قادة القوات الخاصة السورية النخبوية التي وضعها قادتهم وهم نايف العاقل ومحسن سلمان في بناية حبيس مكشوفة أمامنا، وكان للأحرار والتنظيم وحراس الأرز اليد الصاعقة التي ساعدتنا،فتغلبنا عليهم جميعاً.
قاتلت ثكنة الأشرفية بكل قواها تحت أمرتي، كنا نقاتل تحت لواء الكتائب ولم أكن أتلقى أوامري إلا من بشير، لكن الرئيس شمعون كان الملهم بتضامنه مع كل الشباب وبثه لروح القتال والشرف والصمود بنا فكنا أبداً كأننا من شبابه وعسكره وكنت أجتمع به على مدار اليوم كي أضعه في واقع المستجدات على الأرض والتطورات على الجبهات،كنا نتبادل المشورة وحقاً كان قدوة لنا جميعاً والأهالي انضموا معنا بصمودهم وصبرهم وكنا نجهد في تأمين كل مستلزمات الصمود لهم فلم يعوزهم شيء.
البطش والبأس السوري لم يوقفنا وكنا نقاتل ولا نستكين حتى أنهكنا آلة التدمير السورية إلى حين آخر هجوم كبير شنّه السوريون وفيه استشهد ميشال بارتي الذي أبى إلا أن يقاتل لآخر رمق وقد عاوننا في ذلك اليوم مغاوير المجلس الحربي من ناحية صيدلية بارتي وجوارها وكانت تلك المرة الأولى التي استعانت فيها ثكنة الأشرفية وأقسامها بمساعدة وذلك لأن السوري كان قد ضخّم من هجومه وشعّبه على كل المحاور من بارتي ومستشفى كرم والليدو وكافة المحاور وذلك منذ قرابة الخامسة فجراً،ومع استشهاد ميشال بارتي البطل تقدم معنا مغاوير المجلس الحربي وعدنا وأمسكنا زمام الأمور.
تمكنت ثكنة الأشرفية من دحر السوري بين الأول والثاني من تشرين الأول وانتصرت بقيادتي وكان انتصاراً للأهالي وللقائد بشير ولكل الكتائب والشباب والأحزاب والتنظيمات التي وقفت بجانبنا، ولكن وفوق كل اعتبار، كان انتصاراً للأشرفية التي عجز السوري بكل جبروته وثقله الحربي عن كسرها فاندحر وانسحب مذلولاً وهذا ما لمسته قوات الردع العربية وخاصة القوات السعودية مع دخولها بين السادس والسابع من تشرين الأول، فأبدوا تعجبهم وفخرهم في آنٍ واحد بمدى ارتفاع معنويات شبابنا ورباطة جأشهم في المعارك الأخيرة لهذه الحرب التي كسرت كل هيبة الجيش السوري أمام نظرائه من الدول العربية.
مئة يوم من الحرب كرست السنين والسنين وما زالت خالدة في العزة والكرامة والعنفوان.
قائد ثكنة الأشرفية بكل فخرها وعزتها ميشال جبور