“سماحة السيد” ما زال التصفيق يُسمع في كنيسة الآباء الكبوشيين …بقلم ميشال جبور

 

صدى وادب التيم – رأي حر بأقلامكم

 

من الجنوب، من وادي التيم في جبل عامل، من موارنة الجنوب وكل لبنان، من إخوة تعايشوا معكم يا إخوتنا في الوطن،ترعرعنا وكبرنا معاً على مقاعد الدراسة في مدارسنا وإرسالياتنا، فكانت ثقافتنا لبنانية واحدة بإمتياز،ونحن نشعر اليوم أن ثقافتكم تبدلت ومن هنا، يأتي العتاب على قدر المحبة ويأتي النقد البّناء على قدر عمق العلاقة الإنسانية.
“سماحة السيد”، لم تعبر كلمة “المحرومين” يوماً عن حقيقة الواقع، كلنا كنا محرومين في زمنٍ ما، كنا محرومون من بعضنا البعض،لكن الشيعة لم يُحرموا يوماً من العقل الراجح والعلم وقوة الساعد، والموارنة لطالما كانوا القاسم المشترك بين الجميع ينتشرون على امتداد لبنان بين الشيعة والسّنة والدروز، وأنتم شيعة الطيبة واللياقة والبساطة وحسن التعامل كنتم خير أخوة وشركاء في الوطن ولطالما أخذتم دوركم العظيم وساهمتم في بناء هذا الوطن وحميتم جبل عامل وكل زاوية فيه.

لم يكن هنالك لا استكبار ولا تعالٍ على أحد، كنا كلنا فقراء وبسطاء نقف في وجه العدو من أي ناحية أتى، فمنذ سنة ١٩٨٢ بتنظيم قيادات ا ل ح ز ب  كنتم صمام أمان في وجه العدو الصهيوني، ومع التحرير سنة ٢٠٠٠ أثبتم للعالم أن لبنان لم يعد لقمة سائغة لأحد، لم تخطئوا بحق أحد وعند تحرير المناطق لم تُسمع ضربة كف واحدة، فأدهشتم الجميع بدماثة تصرفكم،

وسنة ٢٠٠٦ عشنا معكم لحظات الإنتصار والفخر والإعتزاز وأصبح للبنان مرحلة جديدة وقيمة مضافة في المجتمع العربي والدولي، فصفق لكم الشباب والشيب وأصبحنا ننتظر أمام الشاشات، ننتظر وعدكم الصادق.

لكن، “سماحة السيد” ، تغيرت اللهجة وعلت أصوات الإستكبار والتعالي ووصلت إلى حد الإزدراء بالآخر، هذا ليس من شيمكم، نحن نحبكم ولا نرضى لكم بذلك،ويسوع المسيح قال:”الأولون هم الآخرون، والآخرون هم الأولون”، نطلب منكم العودة إلى تواضع جدودكم، إلى محبة سماحة الإمام موسى الصدر أعاده الله،

فلا منّة لأحد على الآخر في قتال العدو الصهيوني، الجيش اللبناني قد قاتله وقاتل كل عدو تربص في السلم الأهلي والعيش المشترك،وصمودكم بوجه العدو والإرهابيين ينبع من عمق صمودنا ودعمنا المعنوي قلباً وقالباً لكم،فكل إنجاز لكم أتى من صلب الإيمان بقتالكم للعدو والتضامن الذي لا مثيل من كل لبناني على إختلاف مذهبه وطائفته،

أما اليوم، هنالك من لم يعد يريد أن يسمع لكم وكأن كلامكم عن الشموخ الذي عشناه معكم في تموز ٢٠٠٦ انمحى،ففي تلك الحرب استقبلت مناطقنا كل إخوتنا الشيعة وفُتحت مدارسنا وأبواب بيوتنا على مصراعيها لتكون الحضن والملجأ من القصف الإسرائيلي الأرعن، يومها أوعزت بكركي وأمر البطريرك صفير بتأمين كل مستلزمات الدعم والصمود والإستمرار، فأمنّت الكنائس كل مساعدات ممكنة آنذاك واحتضنت العائلات التي اضطرت لمغادرة منازلها ومناطقها بسبب شدة القصف واعتبرتهم من أبنائها،

أما بعد ٧ أيار واستعمال السلاح في الداخل شيء فُقد وصورة العيش المشترك انكسرت، فالسلاح زينة الرجال كما قال الإمام موسى الصدر، لكنه عنى بذلك السلاح بوجه اسرائيل، فنحن لا نرضى بضعفكم ولكن نريدكم كتفاً للكتف، شركاء الند للند، نحن مع سلاحكم بكل عتاده وعديده بوجه الصهيوني ونحن معكم بقدر ما أنتم معنا، فلا تبتعدوا عن بوصلة الإمام موسى الصدر وتواضعه، لا تبتعدوا عن محبة وفهم الآخر، وإذا كان السلاح ثمن افتداء لبنان فليكن، فلكم ضمائرنا وتضامننا معكم خير مقاتل بوجه الأعداء، فلا تظنن أننا نرضى أن تُمس كرامتكم،كرامتنا من بعض، فنحن مقهورون وحزينون عليكم لأن الفرقة والجفاء تزدادان مع كل موقف متصلب منكم، فلو إحتليتم العالم وأسقطتم كل الطغاة ولم يرتاح لكم الشعب والداخل اللبناني لن تستطيعوا أن تثبتوا في نضالكم أمام اللبنانيين ولن يكون لإنتصاراتكم أي طعم.

“سماحة السيد”، وكل قيادات ا ل ح ز ب ، أين أنتم اليوم من ضياء وجه الإمام الصدر، الذي تصدّر المساجد والكنائس بدعوة المحبة والإلتقاء والإرتقاء، أين أنتم اليوم من ملفات الفساد والوحدة الوطنية لبناء الوطن ودحر تجار الهيكل، أعداء كل زمن، فخطابكم تغير علينا وكأننا جميعاً بتنا في ضفة وأنتم على غيرها.

أنا الكتائبي الذي حارب إلى جانب الرئيس بشير الجميل يوم شعرنا أننا مدفوعين إلى الإنعزال،قاتلنا ببسالة من أجل البقاء وبقاء الصيغة، صيغة العيش المشترك التي لم نبتعد عنها يوماً حتى يوم وصلنا لذروة الجبروت، لأن الرئيس بشير الجميل علم أن لبنان لن يهنأ بالعيش المشترك إن لم تكن قلوب وعقول اللبنانيين كلها معه والمسلم قبل المسيحي، فرفض اتفاقية سلام مبتورة في نهاريا ورفض التوقيع إلا بعد الرجوع إلى كل أبناء وشرائح الوطن، فرسالته كانت رسالة بناء الدولة بكل أطيافها وكل طوائفها ومذاهبها، فاقتصت منه اسرائيل بأيادٍ دنيئة فسقط شهيداً بطلاً وذهب معه حلم بناء دولة القانون والمؤسسات، لأنه رفض أن يتفرد بقرار الوطن بل أراد أن تكون قوة قراره بإرادة وطنية جامعة، فدفع فاتورة إيمانه بلبنان لكل أبنائه استشهاداً فكان رئيساً بطلاً وشهيداً للوطن.

عودوا للمحبة المسيحية الإسلامية الخلوقة والعابرة للطوائف، والجموا كل من يتطاول اليوم على البطريرك الراعي وبكركي لأن في ذلك مسّ بكرامة الموارنة والمسيحيين، أوقفوا كل من يحاول خدش احترام المقامات، فما لم نرتضيه لكم لن نرتضيه لأنفسنا، عودوا للشراكة الحقيقية وتبادل الثقافات والإنصات لهواجس الشريك في الوطن.
“سماحة السيد”، وكل قيادات ا ل ح ز ب ، ما زالت أصوات التصفيق تصدح في كنيسة الآباء الكبوشيين لكلام الإمام موسى الصدر إلى اليوم.

ميشال جبور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى