الصندوق والكنز..بقلم لينا صياغة
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم/
أنجب العم عارف أربعة أبناء ، علّمهم الأصول وأنشأهم على حب الخير و عمل المعروف . و في منتصف عمره قرّر أن يورثهم ما لديه من ممتلكات، إذ كان رجلاً ميسوراً ، ذو فطنة و حكمة .
سألته زوجته : ” أليس باكراً أن تورثهم ما جنيته” ؟؟….
أجابها : ” سوف أنصفهم و أختبرهم لمعرفة قدراتهم على تحمّل الحياة و مواجهتها .”
استدعاهم جميعاً و قدّم لكل منهم بيتاً مع حديقة و صندوق خشب صغير ، ثم طلب منهم المغادرة دون فتح الصناديق إلا في منازلهم . خرج أبناؤه مغتبطين وأسرعوا لمعرفة ما بداخل الصندوق .
هنا تبدأ الحكاية فتح الولد الأكبر صندوقه فاندهش بما رآه من بذور داخله ، و حزن وقال : ” أهذا ما يوُرثني إياه أبي ” ؟…!!أمّا الولد الثاني نظر في داخل صندوقه فلم يكترث بما رآه ، فتركه مركوناً جانباً حتى اليوم . على عكس الولد الثالث الذي حمد ربه وشكر ابيه للهدية الثمينة عندما نظر لتلك البذور …أما الولد الرابع سخر من والده ، و قذف صندوقه خارجاً ، فتبعثرت البذور في حديقته واختفت تحت التراب وبين الصخور ، وكأنّها خافت من سخطه …
راحت الأيام والسنون تتوالى ، كل ظلّ على حاله غير آبه بما أخذ ، إلاّ الولد الثالث كان يغرس البذور المتنوّعة بكلّ محبّة ، فنمت و أصبحت أشجاراً مثمرة ، يعجب الناظر لجمال حديقته ، إذ كان الخير يدفق عليه من كلّ صوب . أمّا إخوته راحوا يندبون حظهم و يحسدونه ظناً بأنه أخذ الأفضل و الأثمن .
كان والدهم يراقب ابنائه من بعيد ولاحظ الفرق في حدائقهم منها المباركة التي تضجّ بالخير والجمال . و منها القاحلة التي تستجدي الزرع والماء ، ومنها التي انبتت بذوراً خجولة لأنها مهملة و متروكة للزمن فمصيرها الفناء لأنها لا تلقى رعاية و اهتمام . استدعاهم والدهم بعد فترة و سألهم عن احوالهم . منهم من شكر ومنهم من تذمّر ، و منهم من أتهمه بالإجحاف والتمييز . عندها وضّح لهم بأنه انصفهم لأنه يحبهم بالتساوي ولأنهم اولاده اذ لا يستطيع التفرقة بينهم .
و قال لهم :”. انما أعمالكم تُردّ اليكم ، من جدّ وجد ومن زرع حصد. لقد أورثتكم بالتساوي فماذا فعلتم ؟.. كان عليكم معرفة قيمة ذلك الصندوق وتلك البذور التي منها نعيش ونزتزق ونعمل ونتعلّم . هذه البذور تكافح لتنبت وتثمر ، إذ بفضلها نستمر و نعيش ، و هي كنز لمن اعتبر. كان عليكم معرفة وتقدير ذلك الصندوق لما فيه من نعمٍ ، والتعامل معه كما فعل شقيقكم ، لا أن تختلقوا الأعذار والأوهام لتبرير سوء أعمالكم بالأسوء منها .
وهذه الحكاية تنطبق علينا كأشخاص لقد أنعم علينا الباري سبحانه بوجودنا ، و خلقنا بأحسن تكوين، فمنهم من يعمل على تطوير نفسه و يرى النعّم بما كسب ، فيوازي بين دينه و دنياه . و منهم من يندب حظّه و يستكثر خير غيره ، ينتظر أن تسقط عليه الأنعام دون كد و جهد ، و آخرين يأتون الي الدنيا و يرحلون كأنهم غير موجودين ……
فمن أنت بينهم ؟؟ هل سترمي الصندوق ؟؟؟ أم ستزرع البذور لتعود عليك بنعمها .
لينا صياغة