عند تصبح الكلفة أعلى بكثير من الفاتورة …بقلم ميشال جبور

 

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم/

كم هي هشة ذاكرة بعض اللبنانيين الذين يتناسون التاريخ بشكل فجائي ويستعطفون من كان أساساً سبباً في المشكلة إذ غفل بعض اللبنانيين بشكل متعمد ومدروس أو ربما بشكل عرضي عن أن سوريا كانت قد اتخذت منذ حوالي الأسبوع قراراً بوقف تصدير الأوكسيجين إلى لبنان والكويت والأردن وغيرها من الدول بسبب ارتفاع نسب الإصابة بالكورونا في سوريا التي إلى الآن وللمفارقة لم تعترف بتفشي الكورونا فيها،

فأوقفت التصدير براً ومع تأخر بواخر الأوكسيجين في تفريغ حمولتها انعكس الوضع تأزماً ولكن البعض عكسه تهويلاً مع أن نقيب المستشفيات أوضح أن المخزون في لبنان يكفي لأسبوع على الأقل ريثما تعاود شركة “سوال” انتاجها بالوتيرة السابقة ويتحسن الطقس وحركة الملاحة فتصل الكميات التي يستوردها لبنان بحراً.
طبعاً الدولة السورية مشكورة على استجابتها لكن ما يثير العجب هو هذه العراضة الإعلامية التي كرست سوريا كرئة للبنان فيما وبكل بساطة هذه الهبة المزعومة هي فقط ٧٥ طناً مقسمة على ثلاث دفعات وهي تكفي لبنان فقط لأقل من ٢٤ ساعة.

كم هي هشة ذاكرة بعض اللبنانيين،نسوا التاريخ الذي امتد من أواخر ١٩٧٦ وصولاً إلى ٢٠٠٥ حتى لا نقول أكثر، نسوا أدوار سوريا في تأجيج الصراعات الداخلية، نسوا الأشرفية والقصف الهمجي، نسوا زحلة ومحاولات كسر الإرادة اللبنانية، نسوا كيف أن سوريا استغلت وجود الفلسطينيين في لبنان ولعبت على التناقضات حتى تكرس نفسها وصية على لبنان.

كم هي هشة ذاكرة بعض اللبنانيين الذين يسارعون إلى قرع طبول الشكر، يتناسون الشهداء والدماء،يتناسون القتلى المدفونين في وزارة الدفاع والأسرى في السجون والمعتقلات السورية الذين إلى اليوم لم يُعرف مصيرهم، نسوا ١٣ تشرين ونسوا وضع اليد على القرار السيادي اللبناني، نسوا معابر التهريب ونسوا الشباب التي كانت تُقتل في جنح الظلام على أيدي المخابرات وترمى في الشوارع ونسوا من دخل مع قوات الردع ولم يخرج ونسوا المنظومة الإستخباراتية التي كانت تزج نفسها في كل شاردة وواردة ونسوا التهديدات والوعيد والترهيب وكل عمليات الإغتيال التي لاحت فيها بصمات سوريا النظام العبثي في لبنان.

يكفي أن نتذكر الشهداء كي نعلم أن ما جرى هو مجرد تهريج إعلامي أمام صهاريج المازوت المهربة والبضائع المهربة من أغذية مدعومة وغيرها وصولاً إلى الدولارات التي خرجت من لبنان إلى سوريا بسبب العمالة السورية ونسوا اللبنانيون أعداد النازحين السوريين الذين لفظتهم سوريا وابتلى بهم لبنان حتى أُنهك.

فليفسر لنا أحد كيف يأخذ لبنان حقه من زمن الوصاية السورية وزمن غازي كنعان ورستم غزالي، فليفسر لنا أحد كيف يستطيع لبنان أن يخلص من منظومة أمراء الحرب والفساد الذين كرستهم سوريا في سياساتها منظومة فساد تحكم لبنان فسرقت مقدراته ونهبت خزينته وجوعت الشعب وحرمته من ودائعه وأغرقت لبنان في الديون، فليفسر لنا أحد الجهابذة كيف تم الهدر في الكهرباء بمليارات الدولارات فيما تدعي سوريا تأمين الكهرباء للبنان الغارق بالظلمة في كل حين.

غريب أمر بعض اللبنانيين عندما لا ينتبهوا أن الشقيقة تساعد الشقيق دون تبجح ودون تطبيل إعلامي فيما تبتزه بحدوده وتوقف شاحناته لأيام وتقوض حركة الترانزيت كل ما حلا لها ذلك، غريب كيف ينسى بعض اللبنانيين أن التدخلات السورية لطمس كل تحقيق في اغتيال طال شخصيات سياسية وناشطة لبنانية معارضة لها.

إن ما حصل في اليومين الأخيرين هو محض بروباغندا سياسية يراد منها تعويم سوريا في لبنان التي لم تحترم يوماً لا سيادة لبنان ولا حدوده ولا حتى هؤلاء الذين ينبطحون أمامها عند كل قشة تمننهم بها سوريا فيزدادون غرقاً في محاور لم تنفع لبنان يوماً بل استنفذت طاقاته وحولته إلى مزرعة فاسدة تعيش على الترقيع السوري، وللعجب لم ينتبه بعض اللبنانيين إلى اليوم أن الكلفة لإنبطاحهم كانت أكثر بكثير من الفاتورة التي يتوجب عليهم دفعها، هذا إن سلمنا جدلاً، مقابل المساعدة السورية.

ميشال جبور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى