صفحة مضيئة من أيام الزمن الجميل ..يوم كان المحافظ فعلًا “صاحب السعادة”
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم/
في تاريخ طرابلس المعاصر مرّ العديد من المحافظين من قاسم العماد إلى عبد العزيز أبو حيدر إلى اسكندر غبريل إلى خليل الهندي إلى رياض قاوقجي إلى نصيف قالوش .
كان موقع “المحافظ” أيام الحرب اللبنانية وفي عهد المحافظ الراحل اسكندر غبريل الآتي من حاصبيا موقعا جامعا ، وموئلا محلّ تقدير واحترام من الجميع في الثمانينات من القرن الماضي ، رغم انتشار السلاح وكثرة الميليشيات والأحزاب ، إلا أن طرابلس شهدت له أنه كان رجل دولة وإدارة ومؤسسات ، في زمن التخوين المجاني لمن ينتمي إلى الدولة آنذاك أو يمتّ إلى المؤسسات الرسمية بصلة .
لم يعِبْ عليه أهل طرابلس الفيحاء أنه من خارج طرابلس ولا أنه مغاير لدينِ غالب أهلها المسلمين ، لأنه احترم مشاعرهم ورجالاتهم وأخلص للمدينة ؛ كان بيته في طرابلس لا مكتبه فقط غرفةَ عمليات للتفاعل مع جمعياتها وهيئاتها وفاعلياتها ومفكريها وسياسييها ، كان يُشعرهم بصدق أنه مؤتمن على مصالحهم من الطحين والرغيف إلى الشارع والرصيف ، ومن تأمين الماء والكهرباء والمحروقات إلى بسط الأمن في الأسواق والطرقات ، ومن زيارة السجون والسهر على رعايتها إلى ما يلزم الجامعة اللبنانية إبان فتوتها .
كان حاضرا في أحزانهم وما أكثرها وأفراحهم ومناسباتهم الاجتماعية والثقافية ، لم يكن تابعا لحزب يستبيح كرامتهم أو ينكّل بحقوقهم الدستورية والإدارية ولا لميليشيات تقنّعت بأقنعة رسمية .
كان على تواصل دائم مع المرجعية السياسية لطرابلس بل لأغلبية المسلمين في لبنان آنذاك الرئيس الشهيد رشيد كرامي ، ورئيس بلدية طرابلس الأسبق المرحوم عشير الداية المتفاني في خدمة مدينته ، ورئيس غرفة التجارة والصناعة المرحوم نجيب المنلا ثم نجله الدكتور حسن منلا المشهور بجرأته وعلاقاته ، ورئيس المستشفى الإسلامي النقيب المرحوم عدنان الجسر الذي تحمّل مسؤوليات إنسانية لا نظير لها في مرحلته ، ورجل الإصلاح الاستثنائي مؤسس جامعة طرابلس الشيخ محمد رشيد الميقاتي المعروف بصدقه وإخلاصه وثباته وبناء المؤسسات ، ورئيس الرابطة الثقافية المخضرم رشيد الجمالي ومفتي طرابلس بالتكليف آنذاك الخطيب المفوّه الشيخ طه الصابوني رحمهم الله أجمعين وذلك بالتوازي مع الراحلين مطران الروم الكاثوليك الياس نجمة ومطران الروم الأرثوذكس الياس قربان والعديد من القامات الكبيرة التي غادرت هذه الدنيا الفانية ، والتي لقيتها وجالستها بصحبة والدي الحبيب رحمه الله .
لم يُعرف عن المحافظ غبريل أنه كان شريكا لسياسي ولا لموظف رسمي ولا لرئيس بلدية ولا مستغلا لاتحاد بلديات ولا مستغلا منصبه لإثراء غير مشروع ، ولا ممارسا الانتقائية في قراءة النصوص القانونية وتنفيذها ، ولا مرتادا لنوادي القمار ، ولا فاتحا للشانبانيا في مكتبه الرسمي ليحتفل بوصول مسؤوله الحزبي والسياسي إلى سدة المسؤولية والذي صنّف فيه ضميرُ لبنان الرئيس سليم الحص كتابه عهد القرار والهوى : تجارب الحكم في عهد الانقسام !!
لم يقصّر اسكندر غبريل في حماية الدوائر الحكومية والمحاكم العدلية والشرعية والمباني البلدية والدوائر المالية والعقارية في أحلك الظروف ، فلم تُحرق ولم تسرق في عهده !!
لم يعرف عن المحافظ غبريل إلا أنه صاحب “السعادة” ببدلته البيضاء وابتسامته العريضة الممزوجة بحزم هيبة الدولة ، ولم يرَ منه أهل طرابلس والشمال إهانة لإعلامي أو استهزاء بسياسي أو تحديا لمجلس بلدي أو احتقارا لشرطي أو استخفافا بشعور ديني !! بل على العكس تماما كان يقدّر الجميع ويقدرونه ويحب طرابلس وتحبه ، وهو الذي شارك يوما عميد الإعلاميين الحاج نعيم عصافيري فرحة تقديم نسخة من القرآن الكريم لوالده في حفل كبير بمناسبة ما اصطلح على تسميته بعيد الأب .
كان يستقبل كبار زواره عند باب داره ومكتبه ، وكان ساعده الأيمن رئيس مصلحة الاقتصاد تلك الشخصية الطرابلسية النظيفة والنزيهة والنبيلة محمد السويسي ؛ ويستعين بشهامة ومروءة وجيه الضنية وحكيمها الدكتور جميل الصياح رحمه الله
واليوم نقول الحمد لله أن جمع فيحاءنا الجريحة “طرابلس ” بعلمائها ووجهائها وسياسييها وشبابها ومثقفيها وثورتها ونظامها على رفض الإساءة والتعسف في استعمال السلطة الإدارية ، وبخاصة في زمن النكبات ..وآن الأوان لاستعادة السعادة لطرابلس الفيحاء بمن يكون جديرا بحمل هذا الأمانة التي هي يوم القيامة حسرة وندامة إلا من أخذها بحقها وحسابه على الله .
بقلم :
الأستاذ الدكتور
رأفت محمد رشيد الميقاتي
رئيس جامعة طرابلس لبنان