انتخابات فلسطين… الشعب يحدد البوصلة بقلم ميشال جبور
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم/
في سنة ٢٠٠٦ ربما فاجأت حركة ح م ا س الجميع وأخذت بقبضتها الإنتخابات وأصبحت غزة تحت سلطتها، وشبح السلطة المتمثل بإدارة الرئيس محمود عباس ظل يتخبط بين الظهور من عدمه وكأنه فاقد للشرعية، فحركة ف ت ح لم تستسيغ يوماً توسع نفوذ حركة ح م ا س وطيلة الخمسة عشر عاماً التي مرت لم تُجرى الإنتخابات بسبب انعدام الثقة بين هذين الفريقين لأكثر من حجة ويبقى المشهد الطاغي بأن ما تجمعه المصيبة تفرقه المصالح والمكتسبات،
فلا الضفة ولا غزة مرتاحة بسبب الفساد المستشري وضعف بل اضمحلال الخدمات التي تشكل العصب الأساسي لاستمرار الشعب الفلسطيني، فلا بنى تحتية ولا وظائف ولا عيش كريم استطاعت أن تؤمنه لا إدارة عباس ولا حركة ح م ا س بحكمها.
لكن المستجدات التي فاجأت الجميع أيضاً هو الإعلان عن إجراء الإنتخابات الفلسطينية وربما حصل ذلك بدفع من بعض الدول التي وكعادتها تحاول الإمساك بورقة فلسطين وأهمها تركيا وقطر. فقد سارعت كل من تركيا وقطر إلى التدخل بهذا الملف وبسط سيطرتها استحواذاً على القرار الفلسطيني كنقطة قوة إقليمية وعلى ما يبدو أن هاتين الدولتين تضعان ثقلها في توجيه الأطراف المتنازعة على السلطة أي ف ت ح و ح م ا س إلى خوض هذه الإنتخابات بلائحة موحدة وإلا ستقع الخسارة، فالفساد الذي استفحل في الأعوام الأخيرة جعل الشعب يشمئز من طريقة التعاطي معه فلا خدمات ولا ظروف معيشية ولم يتحقق أي من الوعود خاصة وأن الشعب متروك في ظل جائحة كورونا وهو يعاني أصلاً من شح في المداخيل والتأمينات الملزمة لديمومة العيش، وهذا ما فات كل من تدخل في هذا الملف، فالوضع يشبه إلى حد كبير وضع لبنان فكلاهما مزري والمستقبل قاتم، وهذا ما دفع الشعب اللبناني إلى الثورة على النظام الذي ما زال يتخبط ويتمنع عن إجراء انتخابات مبكرة كي لا يفرط بما بقي له من سلطة.
وما فاتهم أن الشعب الفلسطيني يعاني وربما أكثر مثل الشعب اللبناني من قمع للحريات وشح الخدمات والوظائف وهو على قاب قوسين من الإنفجار مجدداً، وبالإنعكاس هذا ما يجعل الحائط مسدوداً بوجه محمود عباس الذي ظهر بمظهر المتردد والمتخبط في أكثر من مرة، وآخرها كان دعم شعبه باللقاحات الذي أتى كمهزلة وأفشى مدى تقاعس إدارة عباس في تأمين صحة الشعب الفلسطيني،ولا يُخفي سعيه لتقويض كلمة الشعب بالترهيب عبر الأمن الوقائي والاستعانة بطريقة بقوى الأمن الإسرائيلي في حملة اعتقالات طالت كل معارض وكل ناشط من مختلف الفصائل ضد هذه السياسات التي انفلشت بزيادة الطين بلّة على كل الشعب كما وأن تنازلاته للمحتل فاقت حدود الإحتمال، وتارة يحاول الترغيب عبر زج إدارته في مفاوضات مع مرشح رئاسي وهو مروان البرغوثي الذي يشكل عقبة بوجه عباس الذي يروج لنفسه لرئاسة أخرى ويعمد إلى ترغيب مروان البرغوثي من أجل ألا يعيق مآربه.
أما عن الوحدة في لائحة بين حماس وفتح وما يثير الريبة هو أن الكثير من قيادات الطرفين يرفض هذه اللائحة الموحدة نظراً لتاريخ من النزاع والكثير يرفض الامتثال لهكذا تدخلات من تركيا وقطر.لكن الشعب ومهما اشتدت وطأة الاعتقالات، ومهما حاول عباس الالتفاف على ذلك عبر مراسيم تهدف إلى تعزيز الحريات، يعرف جيداً أن اعتقال الشباب بشكل جائر إنما الغاية منه القمع والتخويف وتقويض حرياته، هذا الشعب الذي يرغب أكثر من أي وقت مضى بالتغيير ويتوق لنهج سياسي واجتماعي جديد يريح كل الطبقات ويرسم له معالم وطن أفضل ومعيشة أكرم ويعيد التألق لتضحياته بعد أن ذهبت كل تضحياته متاجرة بالدماء والقضية وصُرفت على المصالح الشخصية إن كان لقيادات عباس أو حماس. وهنا تبرز حماسة الشعب للتغيير الجذري والناجع الذي يمثله تيار الفتح الإصلاحي الذي وعنوانه الأول تحرير القضية الفلسطينية من قيود الإستغلال دون الإرتهان لمصالح أحد بل بتوجه وشورى عربية والبحث عن الحياة بثمن يستحق.
فالتيار الإصلاحي بقيادة محمد دحلان ومعه القيادات الشبابية التي سئمت من انحدار مستوى التعاطي مع القضية المركزية يُقدم رؤية جديدة للشعب الفلسطيني المنهك، فمحمود عباس وحركة حماس تحكمهم التباينات أكثر بكثير مما يمكن أن تجمعه تركيا وقطر، واللجوء إلى القمع والشيطنة لكل طرف يتحداهم في الإنتخابات سينعكس إصراراً عند كل الفئات على الإختلاف البنّاء وصناديق الإقتراع ستشهد على ذلك، فماذا قدمت إدارة عباس أو حركة حماس للشعب، بينما التيار الإصلاحي يُظهر هامشاً كبيراً من القدرة على التحرك والتنفيذ إن كان من ناحية التقديمات الصحية في مواجهة كورونا والإجتماعية والمعيشية، فمحمد دحلان يعمل مع طاقمه لإعادة الزخم للقضية الفلسطينية والاتجاه للحل العربي واضعاً نصب عينيه مصلحة هذا الشعب العظيم بتضحياته الجزال، والشعب بدوره يشعر بذلك وواثق من صدق القيادات الإصلاحية وهذا ما يجعل التمايز بين التيار الإصلاحي وغيره يبرز إلى حيز الوجود ويوحد الشباب الفلسطيني بوجه محمود عباس وح م ا س ويعيد للشعب إحساسه العالي بصلابة الرئيس ياسر عرفات الرمز وتضحياته من أجل شعبه، ببندقية وغصن زيتون وقلب كبير لمواجهة التقلبات الإقليمية والدولية فيما ما زال محمود عباس بإدارته وح م ا س مستمرين بترقيم خلافاتهما والشعب يعلم يقيناً أنهم حتى ولو توحدوا في انتخابات لن يلبثوا أن يعيدوا النزاع إلى الساحة ويزيدون من التشرذم وبرأيي الشخصي التغيير آتٍ وهذا ما يخيف الكل والانتخابات ستؤكد ليس فقط اكتساح التيار الإصلاحي في حركة فتح لصناديق الإقتراع بل اكتساحه لمحبة الفلسطينيين الذين يتوقون للإصلاح والإنتفاضة المتجددة الناجعة التي ستجعل من فلسطين بلداً عربياً يتألق على الخريطة العربية والدولية.
الشعب الفلسطيني يستحق الأفضل وهو الذي عانى مثله مثل الشعب اللبناني من إزدراء بحقوقه وهواجسه وحريته وكرامته،ولديه الآن فرصة كبيرة لتمهيد الطريق نحو مستقبل مشرق وهذه الفرصة تأتي بعد خمسة عشر عاماً من الإنتظار والشعب سيقول كلمته ويحدد بوصلة فلسطين.
المحلل الخبير في الشؤون الفلسطينية ميشال جبور