من الذاكرة : توفيق أبو دهن رجل لغير هذا الزمان بقلم سمير علامة.

تنطوي برحيل المربّي والفنان توفيق أبو دهن صفحة مشرقة من تاريخ وادي التيم، واذا شاء باحث ان يؤرّخ لحركة الثقافة في منطقة حاصبيا منذ اربعة عقود، فما عليه الا مطالعة سيرة هذا الفنان ومحطات حياته، فتاريخه هو تاريخ كل ما يتصل بالفنون والثقافة في هذه الديار التي تنأى جنوبا في جغرافية الوطن وينأى عنها الوطن في الرعاية والاهتمام.

منذ اربعين عاما يتنقل الراحل بين النوادي والجمعيات بهدف واضح ووحيد هو تنمية العقل الثقافي في كل ابعاده ومجالاته، واسس منذ نيف وثلاثة عقود مجلة «ورود» التي سكب فيها خواطره الجميلة ورحيق شباب متحفز للتمرد والتغيير، وكان الى جانب عمله كاستاذ للادب العربي في ثانوية حاصبيا الرسمية، التي جعل منبرها واحة للنشاطات الادبية والفنية تنمو على ضفافها اعمال ادبية وفنون لا ينقطع عن رعاية ومتابعة امور الثقافة حتى نضجت تجربته كفنان عندما اسس مجلة «سما حاصبيا» بدعم من مكتب النائب انور الخليل، بحيث غدت مجلة تعكس ما كان يحلم به الشاعر ومرآة لاحوال المنطقة، تصور واقعها بهدف السمو بهذا الواقع الى الارقى والابقى، وبالتوازي اسّس ايضا الكورال الفني وحمل نفس الاسم ويضم عشرات الطلاب الذين شاركوا في استعراضات فنية في مهرجانات بيت الدين وفي الحفلات السنوية في مركز كامل جابر الثقافي في النبطية.

انا لا اكتب عنه من اجل ابراز موهبته او وصف غزارة ما انتج، انما لألقي الضوء على جوانب مميزة في شخصيته حرام ان يطالها النسيان، انه الى كونه علمانيا وجوديا تنجذب الى كل ما هو راق وجميل وهو زاهد في حطام دنياه يمارس عمله بطهارة النساك وزهد المتصوفين، وكان في كل ما كتب نقيا ملتزما بما ينفع الناس منصرفا الى تقصي اي عمل مبدع يرعاه وينميه انه الاديب الحقيقي الذي ينصح ولا يغش كان لاصالة في اعماقه وصدق في سريرته ينصرف عن المضاهر الزائفة كان مسكونا بكل ما هو جوهري بعيدا عن الضجيج والثرثرة.

اننا ازاء ما نحن عليه اليوم وما نتجرّع من كؤوس المرارة في وطن تنهش لحمه وحوش مختلفة يليق بها ان تعيش في الغابات وليس في القصور نردد ما كنت تردد ازيحوا عنا هذا الهواء الثقيل.

اننا نفتقدك وانت ترحل اليوم فنانا راقيا نظيف الفكر واليد واللسان ترحل كسحابة ربيعية عطرت سما حاصبيا ومضت الى مدار آخر بعيدا عن فراغ هذا العالم.

سمير علامة