يموت الشعب… وتحيا الحكومة : بقلم ميشال جبور
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم
عادت المعزوفة نفسها وعادت معها عصابة التسويف والمماحكة وقلة الضمير إزاء ما يتعرض الوطن له من مصائب وما يتعرض الشعب له من معاناة،ففي ظل دولار متخبط ووضع اقتصادي مهترئ،في ظل وباء يتفشى دون حسيب أو رقيب،
عاد الحريري على رأس لمّ الشمل،فبعد غياب سنة عادت العصابة نفسها لكي تحاصص وتتحاصص والبلد على كف عفريت،وكأن الحريري،صاحب “الإنجازات” في تشكيل الحكومات،عاد لنغمته القديمة ومعه لفيف من المعرقلين والمسوفين قليلي الأخلاق وعديمي الحس الوطني لتشكيل حكومة غب الطلب،ليس على مقاس الوطن والحاجات الحياتية للمواطنين بل على شاكلة الطبقة السياسية الفاشلة،
فعادت زيارات الحريري إلى بعبدا،الواحدة تلو الأخرى، دون أية نتائج ملموسة،فقط إستقبل وودع ولا حياة لمن تنادي،تارة يزور الحريري بعبدا فينخفض الدولار وتارة يعود أدراجه من بعبدا خالي الوفاض فيعاود الدولار ارتفاعه،بل أصبح الدولار يتلاعب بنا كما تلك الطبقة الحاكمة منزوعة الضمير التي،على ما يبدو،عادت للمماطلة في تشكيل الحكومة العتيدة،ضاربة بعرض الحائط،كل احتياجات الشعب المالية والصحية،فالمصارف باتت تخنق الليرة مثلها مثل الدولار،والمستشفيات الحكومية وصلت إلى التخمة بقدرتها الإستعابية ولم يعد هنالك من مكان أو سرير في المستشفيات الحكومية لأي مريض بالكورونا وقد نصل إلى زمن عصيب وقاهر يُترك فيه مصاب الكورونا ليموت في منزله،بينما أهل السلطة متكتفي الأيدي منهمكون بمعرفة حجم الحكومة وتفصيلها على مقاس ١٨ أو ٢٠.
تارة تختفي المحروقات وتارة تلتهب أسعار الخضار واللحوم،وإجراءات غير مدروسة وغير فعالة في وجه كورونا الذي يهدد صحة كل مواطن،فالمطاعم مزدحمة فوق قدرتها والأعراس لم تتوقف لكن المآتم والتعازي توقفت،
الأمر الذي يثير العجب في زمن الوباء،حتى يخيل للمرء أن هذه السلطة التي لا إله لها أعجز من أن تتخذ القرار الجريء بإقفال البلد مخافة أن يثور الشعب الجائع في وجهها،وتتعمد في الوقت نفسه ترك الأرواح لبراثن الكورونا وهي تعلم بقرارة نفسها أن أحداً من المواطنين لن يمتثل لها بفعل فشلها على كل الأصعدة،
تخيلوا أن وزير الداخلية أقرّ بلسانه أنه أقفل ملاهٍ ليلية بالشمع الأحمر بعد مخالفتها وحصولها على أكثر من محضر ضبط ليعود ويجد أن القضاء قد أعاد فتحها،وهذه دلالة على الفوضى العارمة والتخبطات التي تعاني منها معظم مؤسسات الدولة ناهيك عن انعدام الثقة بينها وبين الشعب وبين بعضها أيضاً،فنرى مناطق وأماكن مكتظة بالناس مثل صبرا وبرج حمود وسوق الأحد ولا تباعد اجتماعي ولا حتى كمامة فيما تدور القوى الأمنية على سائق إجرة كهل تلصق له ضبط مخالفة،مناطق لا تمتثل لقرارات الدولة ومناطق تحط من شأن الدولة وتتحداها على الملأ.
أموال الناس محجوزة والرواتب باتت في مهب الريح تكاد لا تكفي لشراء حتى الخضار ناهيك عن اللحمة كل ذلك وعصابة المتاجرة بأرواح العباد دون أية استراتيجية لإستنهاض الوضع الإقتصادي المزري ودون أية رؤية صحية،عادت لتتاجر بالوطن لأجل كرسي من هنا وكرسي من هناك، تريد تفصيل الوطن على مقاس حصصها عديمة النفع وكأننا لم نجرب محاصصاتها من قبل ولم نر النتيجة العقيمة، وهي إلى الآن تتشابك في مآربها وتتقاتل،من أفرادها من يريد المداورة ومنهم من يريد التشبث بوزارة ومنهم من هو متعنت ومعرقل يرفع سقفه ليحقق مكاسب على حساب الوطن والمواطن،كل ذلك في غياب ملفت وشبه اختفاء للثورة وجماعات الثورة،فبعد أن ألهبت الساحة اللبنانية وبات كل نائب ووزير ومسؤول في الدولة يضرب الأخماس بالأسداس قبل أن يخرج للشارع أو ينطق بكلمة، إختفت الثورة،تفككت الثورة على ما يبدو ومن كان يديرها انسحب وإرتأى سحبها، وهنا نسأل، لمصلحة من انسحبت الثورة.
عصابة أهل السلطة والحكم تلتف حول الوطن كأفعى تريد خنق طريدتها ومعها يختنق الشعب ويموت إما من الإذلال أمام المصارف وإما من الكورونا،وهي غير مبالية وغير آبهة بانفجار اجتماعي صادم أكثر من انفجار بيروت الذي،وللمفارقة،لم يتم تعويض المتضررين منه الذين لا سقف على رؤوسهم إلى الآن ومع قدوم الأمطار سيزداد الذل ذلاً ويقبع الشعب في زاوية افتراس الكورونا والظروف المعيشية القاهرة ينتظر الموت ببطء، عصابة عادت لنهج المناكفة فقط لكي تعيد كارتيلاتها لموضعهم القديم وفقط لكي تستعيد أمجادها السابقة في نهب المال العام،أما الشعب،يموت وتحيا الحكومة.
ميشال جبور