“فيسبازيان” لبنان؟ بقلم سارة ابو حمدان
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم
لا شك أن الشخصيات التاريخية تربطها الكثير من الصفات المتشابهة والمنبثقة من أفكار أو أوهام تحمل في طياتها جنون العظمة والقوة بهدف السيطرة وحكم البلاد بطريقة تتناسب وأحلامهم.
اذا عدنا بالتاريخ وقرأنا ما بين السطور، نجد واقعنا اليوم يتماشى مع افكار سابقة ويفرض علينا انتقاده وعدم التعايش معه. لعل ما سأسرده يوضح الأمور أكثر!
أدّى إنتحار الامبراطور الروماني “نيرون”، وهو الذي حوّل روما من جمهورية الى امبراطورية – من دون أن يخلّف وريثاً – الى صراع بين سياسيي وعسكريي روما لاستغلال الوضع، الى حرب أهلية حكم فيها هؤلاء الرجال الأربعة، كل منهم لفترة قصيرة، وهم بالترتيب: “غالبا”، “أتون”، “فيتليوس” وأخيراً “فيسبازيان”.
لم يكن الامبراطور “فيسبازيان” من سلالة نبيلة وعريقة كباقي الأباطرة. شقّ طريقه في الخدمة العسكرية وارتقى بالمناصب بالاعتماد على كفاءته فقط.
ففي المناسبات والاحتفالات الدينية، على سبيل المثال، كان الامبراطور يشرب من كأس فضية ورثها عن جدته، كما منع إجراء أي تعديلات على بلدته الصغيرة التي تربى فيها.
ولكن بصرف النظر عن تواضعه في بادئ الأمر، كانت لدى الامبراطور مشكلة كبيرة، وهي الخزينة الامبراطورية الفارغة جراء الحرب الأهلية والحياة الباذخة التي عاشها الامبراطور السابق “نيرون”، وقد كان والد الامبراطور جامع ضرائب، لذا يمكننا القول أن الامبراطور امتلك حلاً طبيعياً وبالفطرة للمصائب المالية التي عانت منها روما: والحل هو زيادة الضرائب في جميع أنحاء الامبراطورية.
في البداية، جمع “فيسبازيان” مبالغ مالية ضخمة منهم باستخدام شتى الطرق، متجاهلاً مصدر هذه الأموال، سواء كان مصدرها تافهاً أو مبغوضاً، مقدساً أو مدنساً، من أي مصدر يمكن تأمين المال منه.
لكن لم يف ذلك بالغرض، لذا طرح الامبراطور طريقة جديدة ومبتكرة، وربما غير متوقعة على الإطلاق، في جمع الضرائب. فإحدى الأشياء العجيبة التي قرر الامبراطور فرض ضرائب عليها هي البول البشري الذي يُجمع في المراحيض والحمامات العامة.
لم تنل هذه الطريقة رضى جميع الناس، خاصة الابن البكر للامبراطور، والذي أصبح امبراطوراً فيما بعد، وهو الامبراطور “تيتيوس”، الذي عبّر عن اشمئزازه من هذه الضرائب بشكل علني وصريح.
اشتكى “تيتيوس” لوالده من ضرائب البول، وعندها طلب الوالد “فيسبازيان” من ابنه أن يشمّ رائحة النقود ويخبره إن كانت رائحتها نتنة وعندما أجاب الابن بالنفي، أجاب الوالد: “لكنها قادمة من البول”. وهكذا صيغت هذه العبارة الشهيرة Pecunia non olet، والتي تترجم إلى “الأموال لا تنتن” أي لا تملك رائحة نتنة وفاسدة.
ان هذه الحادثة تحاكي واقعنا اليوم. يجمعون الاموال بشتى الطرق الفاسدة، ورائحتها لا تعنيهم طالما تخدم طمعهم، وتحافظ على مراكزهم، متناسين أن ابناء الوطن هم الضحية ولكن ماذا سيشعرون ان كانت هوايتهم ان يعيشوا دور الجلاد على اجساد فقدت قوتها وارواحها؟
بعد كل ما ورد، وما نعيشه يوميّاً من تجويع للشعب، من مصادرة أموال الناس، من الغلاء المعيشي، من استنزاف المواطنين، من الفقر، الفساد، السلطة، القهر، السيطرة والتسلط، من ارتكاب الجرائم ومحاولات تظليل الحقيقة، من القرارات غير العادلة وغير الشرعية، من التهجم على حرية الصحافة والاعلام، من القضاء غير المستقل… نخاف اليوم على مستقبلنا هنا، على مستقبل اولادنا على أحلامنا وشبابنا، فربما نحن شعب قاسٍ يصمد لكنهم استنزفونا، أحرقونا فجرونا، لوّثوا الهواء والماء.
فهل نشهد “فيسبازيان” جديداً في لبنان؟ هل جنون العظمة سيفتك بما تبقى منا؟
المصدر : mtv