كتبت هبة قطيش عن كتاب ذاكرة هافانا لعبد الحليم حمود

صدى وادي التيم-رأي حر بأقلامكم/

 

يدعوك عبد الحليم حمود بروايته (ذاكرة هافانا)، الصادرة عن دار (زمكان) من خلال صفحاتها ال ١٧٣، لحضور فيلم سينمائي أوله ابيض و أسود، كأفلام فاتن حمامة، ومنتصفه حقبة تلوثت بأنانية البشر، بخاتمة قد ترميك على حافة الهذيان.
تأتي بكامل أناقتك تحمل بيدك رقم مقعدك مستدلا إليه بترقب، ثم تجلس في ذلك الكرسي الخلفي كي تشاهد عن كثب شاشة يدور شريط ذكرياتها إلى الوراء، إلى زمن ولى بكل كبريائه ولم يترك لنا سوى صورا فوتوغرافية الأسود فيها يمتزج بالأبيض دون تعكير صفوه.
يأتيك صوت (مارسيل خليفة) يصدح في مقهى بيروتي قديم ورثه الابن عن أبيه كي يورثه لأولاده، كاميرا غير مرئية تلتقط قبلة لعاشقين لا ندري الا إنهما إفترقا.
ثم يكر الشريط السينمائي بسرعة تدور بكرته برشاقة دون إكتراث لنظراتك.
تبدأ (غزل) برتق حكايتها، قصة بعد قصة، خبرية تلو خبرية، ذكرى من هنا تمحو حاضرا، وشريطا صوتيا مهملا يرمم بموسيقاه عظاما عاثت الديدان فيها نخرا،
تدون بقلمها الأرجواني سيرة حياة رجل مناضل إعتنق حب الوطن، معتزلا خيانة زوجته، وأنجب (ميما) تغمر بلاطة قبره لكن بعد فوات الاوان.
تتقمص غزل تلك الفتاة المشاكسة دور المحقق السري في قضية مشبوهة، تخترق مساحات الأخرين دون إكتراث لخصوصياتهم من أجل إحياء شاعر حتى دواوينه غافلته و أختبأت في رفوف مكتبته .
تلتقط بأناملها بطاقتا حضور لمسرحية (ميس الريم)، تنفض عنهما غبار سنون ولت لتقرأ بتمعن وذهول تاريخا ناضل لأجل سرد تفاصيل طمروها بين جدران منزلهم.
الزمان: الثلاثاء ١٨آذار ١٩٧٥.
المكان: مسرح “قصر البيكاديللي”.

تاريخا كاد أن يوارى الثرى دون لسان يلهج بذكره لكنه كافح بثبات رغم ضباب سنوات أحكمت قبضتها عليه، حتى بزغ في سطور رواية دونتها غزل بفضول قارئة ونهم متتبعة شغوفة لمعرفة خواص الأمور قبل رميها في سلة النسيان.
تجترح بروايتها أفئدة، متقفية أثار الرفيق (ماو) ليستيقظ من سباته مذعورا من هول طرقات يد الماضي على باب ذاكرته الموصدة بقفل حديدي قد نسي مخبئه، ثم يرميك بين أحضان عشاق إفترقوا وأعادتهم سيرة (سليمان الريس) إلى كنف سرير حميمي.
لكاتبنا حبكة لن تستطيع فك وثاقها الا بأمر كلماته، تحسب نفسك ذكيا، متمرسا، في تكهن اللامتوقع، لكنه يلوح لك أن: إتبعني مازال أمامك درب طويل كي تكتشف الوجوه الحقيقية لأبطال روايتي.
مذهولا، مندهشا، أمام ما تراه عيناك.
في المشهد الأخير يرقصان عاريين رقصة الرومبا، وفي قعر النبيذ مشاهد ثملة ستطفو يوما في ذهن السكارى دون أمل في كشف تفاصيلها.
ليكتب لك حمود بدهائه المعتاد “النهاية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى