معروف سعد المصري… باكورة قرابين العدالة الاجتماعية

 

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم /

معروف سعد المصري، كما يعرفه الصيداويون، قائدٌ شعبي عشقته أفئدة الناس، ورفعته لرتبة الزعامة، فهو لم يرثها أبداً، بل كانت من جني يديه.

عرفته مدينته القديمة قبل الزلزال، وزاملته مدينته الجديدة التي واكب تطورها ونبضات حراك الناس فيها فأضفى عليها، وهي الغنيّة بالتاريخ، رموز العروبة والعدالة والإستقرار، وكانت سبّاقة في النضال الوطني والاجتماعي.

ولمّا كان الشيء بالشيء يُذكر، والعدمية غير قائمة في الزمن، وفيما الناس تذهب لهمومها في الدواء والخبز، وبما تعنيه الإنسانية، إنّها الوفاء، ولولا الوفاء لما ارتسمت معالمها. وهنا بيت القصيد فيما أعلنه وقام به شبلٌ من أشبال المعروف بنبذ الفتنة وجعل صيدا مفتوحة الأذرع والقلوب لاستقبال الناس، مهما تمايزت واختلفت مواقعهم ومواقفهم وآراؤهم، فهم في صيدا على رحابتها أهلٌ وأعزّاء.

العزيز أسامة حافظ على الأصول العربية واللبنانية، واعتبر أنّ ما جرى الأسبوع الماضي هو سحابة صيف عابرة لم تؤتِ مطراً غزيراً. وعلى الكل، وخاصة أولي الأمر، مراجعتها ونقدها بجرأةٍ وشجاعة. وربما كان الجنوب كما عشناه فترة ما بعد الـ 2000 يوم اندحر العدو الإسرائيلي وزبائنيّته وتطهّرت الأرض من كيدهم وعدوانيّتهم، ملتقى للوئام وتبادل الاحترام، ليس لكافة أبنائه من البحر إلى حرمون، بل ساحة كرامة لكل اللبنانيين والعرب لأنّه الجزء الأحب بالدم الغالي الذي دُفع لتحريره. رحم الله شهداءه.

وعلى سبيل التذكار، سأروي حكاية خاصة عن معروفٍ كبير أسداه إليّ شخصياً ا ل ش ه ي د معروف سعد انطلاقاً حينها من شراكته مع الحزب التقدّمي الإشتراكي، والتي استمرت بتعاونٍ صادق من بندقية 1958، إلى عضوية جبهة النضال الوطني بقيادة المعلّم الشهيد كمال جنبلاط.

ففي سنة 1961، وكنت فائزاً في شهادة البروفيه، ولم يكن في كامل الجنوب ثانوية رسمية واحدة للصبيان إلّا في مدينة صيدا. وشاء القدر أن يعاكسني بالإنتساب إليها في وقت تقديم الطلبات، وإجراء امتحانات الدخول للسنة الأولى الثانوية، لأسبابٍ قاهرة وحزينة صادف وقوعها في ذات الموعد.

وعندما سنحت لي الفرصة بالعودة إلى ذاتي كانت المدة قد انقضت، وعرضتُ الأمر على أحد القادة من ثوار 1958، طالباً المساعدة للتوسط مع القائد الجنوبي الكبير معروف سعد.

وبعدها بيومين كنت على باب المجاهد يافعاً أُنزل من بوسطة شبعا، فيأخذني باكراً أحد مساعديه إليه لأشرح له الأمر، فاستجاب لطلبي مبتسماً متذكراً جهود أبناء حاصبيا والعرقوب في المد بالمساعدات العسكرية لرفاقه ومدينته العزيزة صيدا، وأرسلني مع مرافقه من آل جوهر بسيارته إلى الثانوية بعد مهاتفة مديرها.

وصلتُ الثانوية، وعرضتُ الأمر على مديرها، الأستاذ مصطفى الزعتري، ومعاونَيْه الطيّبَين جداً، حليم مجدلاني ولبيب عبدالساتر، وهو أن مشكلتي هي وفاة أبي في البرازيل وعدم قدرتي على ترك بيتي. لم يتخلَّ المدير عن رصانته وأخلاقه، ودعاني لإجراء امتحانات الدخول إلى السنة الأولى وأنا أقرّر بجهدي الانتساب أو عدمه.
وهكذا كان فأجريت امتحان الدخول، وكنت مع ثلاثة آخرين كانت لهم أسبابهم من الناجحين فيما لم يوفّق بعض الزملاء.

داومتُ في ثانوية صيدا بحمد اللّه، وكنت من المشاركين والمواظبين في برامجها وفي مشاركتها الشعبية في كل المظاهرات التي كان يقودها يومذاك ا ل ش ه ي د معروف سعد، حيث كانت الثورة الجزائرية في خواتيمها، وأسماء بن بللّا ورفاقه تملأ الأفواه طيباً والعقول أملاً، وكانت صيدا الفقراء والشرفاء والعرب الميامين تصدح لعينَيْ معروف، ولابن بللّا ولأصحابه، تغرّد…

شكراً مجدداً للعزيز النائب أسامة سعد، فصراحتك وصدقك يرتقيان بهدفين ساميين اثنين:

الأول، أنّ الخلاف ممنوع في مواجهة العدو الإسرائيلي، وطرق المجابهة وحواشيها تُبحث في الحوار والكتمان والثقة، وليس في الاستقواء على أهل الحكمة والحميّة والعمل، كما وليس بالاستئثار بالعفة والطهارة ورمي المخالفين بأقذع الصفات.

وثانيهما، أنّ صيدا ومحيطها قلعة للعروبة والتسامح والوطنية.

المصدر: وهبي ابو فاعور – الانباء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى