وداع الوفرة.. نساء العوز والفقر الجنوبيات عاملاتٌ منزليات

صدى وادي التيم – لبنانيات

لم يخطرببال شادية أن يأتي يوم يضطرها للعمل في تنظيف منزل جارتها وقريبتها في القرية الجنوبية مقابل أجر مدفوع.

الشغل مش عيب

لكن اشتداد الأزمة المعيشية الخانق، أجبرها على إخبار قريبتها والمؤتمنة على أسرارها، عن استعدادها للعمل اليومي في أي منزل، من دون شعورها بحواجز اجتماعية أو نفسية حيال ذلك. لقد أصبح الأمر ملحاً وضروريا لشادية، بعدما فقد زوجها نصف راتبه الذي لا يتعدى 800 ألف ليرة، وحاجته لشراء أدويته المزمنة.

وهكذا صارت شادية تتنقل في أيام الأسبوع من منزل إلى آخر، سواء في قريتها أو في القرى القريبة المجاورة. فتمضي في تلك البيوت ساعات في الكنس والشطف وغسل الثياب وجلي الصحون والأواني، مقابل بدل يومي أدناه 30 ألف ليرة لبنانية، كافية لإطعام أولادها الثلاثة، فلا تمد يدها إلى من يمنّنها، كلما وجد إلى ذلك سبيلاً.

وشادية التي لا تزال في مقتبل العمر، لم تر حرجاً في عملها خادمة منزلية. فهذا ما تجيده، هي التي لم تكمل تعليمها، ولم تتعلم أي مهنة، بعد زواجها المبكر. وها هي تردد المثل الدارج قائلة: الشغل مش عيب.

انقلاب الأحوال
وشادية ليست حالة فريدة في القرى الجنوبية، التي كثرة منها كانت تشّغل عاملات منزليات أجنبيات، في أيام الوفرة المنقضية والراحلة. هي واحدة من كثيرات حللن محل العاملات الأجنبيات اللواتي أجر الواحدة منهن الشهري لا يقل عن 150 دولاراً. أي حوالى مليون و400 ألف ليرة لبنانية، من دون كلفة عقود الاستقدام والتأمينات. وهكذا صارت كلفة العاملة المنزلية الشهرية تساوي أكثر من نصف رواتب موظفين كثيرين في الدوائر الرسمية، ولا سيما السلك العسكري أو التعليم الأساسي، والذين كانوا يستخدمون عاملات أجنبيات، وأنهوا عقودهن مؤخراً.

واللبنانيات اللواتي دخلن هذا النوع من العمل المنزلي بعد اشتداد الازمة الحياتية، بعضهن تخلين عن مخدوماتهن الأجنبيات، مودعات زمن وفرة الدولار وثبات سعره على ألف و500 ليرة، ومستقبلات زمن الشحّ والحاجة والفقر.

وهذه حسناء، وهي زوجة جندي متقاعد، تخلت قبل شهرين عن خادمتها، متأقلمة مستسلمة إلى الواقع المعيشي المستجد، وفقدان راتب زوجها أكثر من سبعين في المئة من قيمته، نتيجة تراجع الليرة مقابل الدولار الأميركي، والغلاء المستشري في سوق السلع والخدمات الأساسية بلبنان المنكوب.

ولأن حسناء “أم بلال” تعاني من أوجاع في الظهر، اضطرت إلى الاستعانة مرة في الأسبوع بجارتها اللبنانية، مقابل بدل يومي قدره 40 ألف ليرة لبنانية، كي تساعدها في أشغالها المنزلية. وجارتها، مثل شادية، تؤكد أن العمل في المنازل ليس عيباً على الإطلاق. وجارتها حسناء تؤكد بدورها أنها تعامل الجارة العاملة في بيتها كأنها “من أصحاب البيت، لأننا أهل وجيران، ويوماً ما سيغدر بنا الزمن، كما غدر بكثيرات بتن اليوم يأكلن من تعبهن”.

تكافل اجتماعي بدل المكاتب
مكاتب استقدام العاملات الأجنبيات في الخدمة المنزلية في صور ومنطقتها، تدنى الطلب على خدماتها إلى مستويات لم تشهدها من قبل، وبعضها أقفل أبوابه.

والمكاتب التي ما تزال تعمل، لا تلجأ إليها اللبنانيات المحتاجات إلى العمل في الخدمة المنزلية. فما من لبنانية سجلت بعد في مثل هذه المكاتب طلباً للعمل. والنساء اللواتي شرعن حديثاً في العمل المنزلي، لا تزلن تتدبرن أمورهن من طريق شبكات العلاقات الأهلية والمحلية. وهناك بعض النساء في مدينة صور وبلدات جنوبية، بدأن على نحو فردي يؤمنون عاملات لبنانيات للمنازل بطريقة غير منظمة، لكنها لم تتخذ شكلاً تجارياً لقاء أجور وسمسرات، بل هي تندرج في غالب الأحيان  تحت عنوان الخدمة الاجتماعية التكافلية.

في هذا السياق تؤكد سعاد أبو صالح، وهي من أصحاب مؤسسات استقدام العاملات الأجنبيات للخدمة المنزلية، أنها لم تستقبل أي لبنانية تطلب العمل في المنازل. وتضيف أن غالبية المكاتب توقفت حالياً عن استقدام العاملات، نتيجة وباء كورونا والكلفة الباهظة المستجدة للعاملة الأجنبية. وأعمال المكاتب كلها تراجع حتى العشرة في المئة، جراء تردي الأوضاع الاقتصادية وتدهور قيمة الليرة اللبنانية.

وتجدر الإشارة إلى أن  قانون العمل اللبناني ما يزال يستثني “العمل المنزلي” للبنانيات، رغم الحاجة إلى ضرورة تنظيم عملهن، نظراً لاندفاعهن إلى هذا العمل، بسبب الحاجة والفقر المتزايد يوماً بعد يوم.

حسين سعد – المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!