المغتربون وعيد الأضحى لجموا الدولار: أربطوا الأحزمة بعد أسبوع
هادئ هو سعر صرف الدولار. بدأ هذا الهدوء قبل أسبوع من عيد الأضحى. تقهقر سعر الصرف من حدود الـ10 آلاف ليرة قبل أسابيع، إلى 7000 تقريباً في الساعات الأخيرة، وذلك بخلاف المنطق السياسي والاقتصادي والمالي في البلاد. فالوزير الفرنسي ترك وراءه أجواءً تشير إلى انعدام فرص مساعدة لبنان، كذلك بدأت تتراجع نافذة الضوء الأميركية لقطر وغيرها من الدول العربية لمساعدة لبنان.
فكيف لم يتأثر سعر الصرف بتعليق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي؟ ولا بردّ “ا ل ح ز ب ” في مزارع شبعا على اغتيال عنصر له في سوريا؟ ولا حتى بالتصريحات المُحبطة التي أطلقها جان إيف لو دريان؟ ولا حتّى بالردّ الأرعن الذي اقترفه رئيس الحكومة حسان دياب بحق دولة تستميت لمساعدة اللبنانيين في التغلّب على عناد زعمائهم وغرائزهم؟ كلّ هذه المحطات لم يرها سعر الصرف إطلاقاً، وآثر السُبات والانخفاض مئة ليرة وراء مئة ليرة.
هذا السُبات لم يكن مصادفة على الإطلاق، وإنما فرضته “ظروف السوق” التي تقاطعت مع مصلحة الصرّافين وكانت أقوى من تلك السياسية. مصدر صيرفي كشف لـ”أساس” أنّ ثبات سعر الصرف مردّه، في الدرجة الأولى، إلى عطلة عيد الأضحى المبارك. قبل العيد يميل الناس إلى صرف الأموال على التحضيرات.
ومعروف أنّ فتح المطار أدخل مغتربين وعائدين من الخارج، حيث كانوا محتجزين بسبب إقفال المطارات حول العالم، ومغتربين ميسورين قرّروا المجيء إلى لبنان لتمضية شهري تموز آب، كالعادة، مع الأهل. وهؤلاء يحمل بعضهم آلاف الدولارات، ما يعني دخول ملايين وربما عشرات ملايين الدولارات إلى لبنان. ومن مصلحة الصرّافين أن يخفّضوا سعر الصرف ليشتروا الدولارات هذه بأسعار منخفضة.
والعيد أيضاً يعني القيام بواجبات، مثل شراء المأكولات والحلويات، ودفع العيديات، والتخطيط للنزهات، وريادة المقاهي والمطاعم (التي أقفلت هذا الويك أند). وتلك عادات يصعب التخلّي عنها كلياً في مناسبة كهذه، برغم الأزمة الاقتصادية وبرغم تدابير التعبئة العامة التي فرضتها الحكومة. أموال هذه الواجبات هي غالباً، إما مخزّنة في البيوت أو مُقبلة بواسطة المغتربين واللبنانيين العائدين إلى لبنان لقضاء عطلة العيد أو عطلة الصيف. للصرّافين مصلحة عظيمة في “لمّ” هذه الدولارات من السوق بأبخس الأثمان. ولهذا يضغط “كبار القوم” بينهم من أجل تخفيض سعر الصرف قبل نحو أسبوع، لأنّ ثبات السعر يخلق حالة من الطمأنينة لدى الزبائن ويجعلهم ميّالين أكثر إلى عدم الخوف أو التردّد في صرف دولاراتهم. مع العلم أنّ هذا المنحى التنازلي لسعر الصرف استؤنف منذ فتح المطار وإطلاق “السلّة الغذائية” التي نقلت عملية تمويل مستورديها بالدولارات من يد الصرّافين إلى المصارف. هذا كله زاد في منسوب عرض الدولار على حساب الطلب، وهو ما أسهم بشكل كبير في فرض الاستقرار في “السوق السوداء” ولو موقتاً.
مصدر صيرفي كشف عن سبب إضافي آخر يساهم، غالباً، في لجم سعر الصرف خلال أيام محدّدة من كل شهر، تقاطع مع عطلة عيد الأضحى هذه السنة. إذ ينخفض سعر صرف الدولار خلال الأيام الممتدة من نهاية كلّ شهر إلى أوائل الشهر الذي يليه. مصلحة الصرّافين تقتضي أيضاً خلال هذه الأيام بخفض السعر لجني دولارات الموظفين الذين يعملون مع جهات خارجية ويتقاضون رواتبهم “فريش موني” من المصارف، ويضاف إلى هؤلاء عناصر “ا ل ح ز ب ” الذين يتقاضون الدولارات الـ”كاش” أيضاً، وبعض الاستحقاقات أوّل كلّ شهر التي تضطرّ مدّخري الدولارات إلى صرف بعضها بالليرة اللبنانية لدفعها.
هؤلاء، مثل اللبنانيين كلّهم، يقصدون مطلع كلّ شهر المحلات التجارية والمولات للتبضّع وسدّ حاجيات منازلهم من مأكل ومشرب. هم بحاجة إلى الليرة اللبنانية من أجل إتمام هذه العملية، وبالتالي لا إمكانية إلى ذلك إلا من خلال صرف هذه الدولارات مباشرة لدى الصرّافين، لأنهم بخلاف المصارف، أصحاب التسعيرة الأعلى في “السوق الموازية”.
وعليه، فإن كلّ ما سبق ذكره يؤكد بلا شكّ أنّ لعبة صرف الدولار ممسوكة من الصرّافين، أقله في هذه المرحلة. ولم يعد سرّاً أنّ “السوق السوداء” لا تتخطّى هامش الـ10% من قيمة السوق، مثلما حاول أكثر من مرة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شرح ذلك وتأكيده. لكن في المقابل هذه السوق هي التي تحدّد مصير اللبنانيين اليوم، ومرشّحة لأن تحكم قبضتها أكثر فأكثر مع الإشارات التي ترد بالتواتر عن “وقف الدعم” ولو بالتدريج، بسبب عدم قدرة مصرف لبنان على استنزاف احتياطاته إلى ما لا نهاية.
المصادر الصيرفية تؤكد لـ”أساس” أنّ سعر صرف الدولار بعد عطلة عيد الأضحى بنحو أسبوع، أو ربما أسبوعين على الأكثر، لن يبقى كما هو وسيشهد ارتفاعات جديدة… فلنربط الأحزمة.
عماد الشدياق – “أساس ميديا”