لبنانيون يعرضون أعضاءهم للبيع… “الصحة”: لا يمكن قبول ذلك تحت أي حجة
صدى وادي التيم – طب وصحة
وصل اللبناني إلى مرحلة خطيرة في ضوء تدهور الأوضاع الاقتصادية، والمالية، والنقدية، والمعيشية، حيث وصل إلى مرحلة “عرض أعضاء جسده للبيع”.
هذه الواقعة باتت ظاهرة للعيان، من خلال تجربة أصدقاء ثلاثة، فادي، وخلدون، وحسين، يجلسون في وسط ساحة عبد الحميد كرامي في طرابلس (شمال لبنان)، ليقوموا بطقوس الرثاء لأطلال دولة الرعاية الاجتماعية في لبنان.
تختصر قصة كل واحد من هؤلاء، أصوات كثيرين من أبناء الأحياء الشعبية الفقيرة، حيث ضاقت فسحة الأمل إلى حد بعيد، واختُصر مبتغاهم وطموحهم بـ”بيع كلياتهم لقاء تأشيرة هجرة إلى بلاد الأحلام”، تأشيرة تنتشلهم من واقع الفقر المدقع، لترميهم في مدينة غربية نسجتها مخيلاتهم، وواقع يحترم الحقوق الدنيا للإنسان.
في 20 فبراير (شباط) 2019، بدأت ثورة فادي ابراهيم، عندما نزل إلى الشارع وبدأ الإضراب عن الطعام، طوال 45 يوماً، صمد فادي، وجذب الأنظار إلى معاناة شريحة كبيرة من الشعب اللبناني، كانت ضحية الطائفية والفساد وشكلت انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) أملاً لفادي وأمثاله من المضطهدين في بلادهم، إلا أنه وصل اليوم إلى مرحلة اليأس، ولم يعُد الصراخ كافياً للتعبير عن المشاعر، وإنما انتقل ليفترش الأرض في وسط ساحة النور في طرابلس، ويلف جسده بـ”كفن” منسوج من العلم اللبناني، ليجسد تراجيديا الانهيار اللبناني، وتدهورت قدرات فادي المادية، وهو لم يعد يمتلك شيئاً، حتى “الفيتامينات التي كان يشتريها لتعويض جسده عن الغذاء عند الإضراب عن الطعام، لم يعد باستطاعته الحصول عليها”.
ويعرض فادي كليته للبيع، وقد وثّق عرضه، ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي، وتلقى بعض الردود، وإحدى السيدات دخلت معه بالتفاوض والتحقق من فئة الدم.
ويشترط فادي أن تجرى العملية على “نفقة الشاري”، ويقول لـ”اندبندنت عربية”، “بيع الأعضاء أمر ممنوع في القانون، وأنظمة الأخلاق الطبية”، ويعتبر أن على القانون محاكمة الفاسدين والمرتشين الذين دمروا البلاد والعباد، قبل أن يحاسبوه، وأن له مطلق الحرية للتصرف بجسده.
ينظر الكثير من المارة باستغراب إلى سلوك فادي، فهو أمر غير معهود، يقابله البعض بالتهكم، بينما ينضم آخرون إليه ليعبروا عن معاناتهم، ولا يستغرب فادي اتهامات البعض بعدم الاستقرار النفسي، ففي السابق أرسل أحد نواب طرابلس فريقاً طبياً للتحقق من ذلك، وقد تأكدوا أنه رجل حاذق ورفيع الثقافة.
ولا تختلف معاناة ابن باب التبانة (ضواحي طرابلس) حسين غمراوي كثيراً عن قصة فادي، إلا أنه يتحدث عن تجربة ذاتية مضنية، فهو وقف إلى جانب طرابلس في أحلك المراحل، عندما شارك في المعارك ضد الجيش السوري في ثمانينيات القرن الماضي، وبعد أن قضى سبع سنوات في سجون النظام السوري، خرج ليجد الحياة قد تغيرت.
ويتحسر حسين على ماض مجيد، فقد كان أيضاً بطلاً رياضياً، أما الآن فهو أب لعائلة تفتقد الحاجيات الأساسية، ويصحح حسين عبارة بيع الكلية، ويقول “أنا مستعد للتبرع بالكلية، ولكن لقاء فيزا للسفر إلى دولة أوروبية”، ويتمنى حسين من السفارة الألمانية أن تستجيب لمطالباتهم، فقد سبق لهم أن تظاهروا أمامها للمطالبة بفتح باب الهجرة.
ويجزم حسين أنه يتحدث بلسان كثير من الناس لأن الأبواب كلها موصدة في وجه المواطن اللبناني، وبلغ يأسه مراحل متطورة، ولم يعد هناك إلا الهروب من الواقع، وأدت أزمة الدولار إلى تعميق جروحهم لأنه لم يعد بإمكانهم شراء أي شيء، أو حتى إصلاح أي جهاز في المنزل “فعائلته محرومة من الماء، منذ 21 يوماً لأن الموتور معطل، وليس هناك من قدرة لإصلاحه”.
بدمعة وحرقة يتحدث خلدون عن مصابه، فهو رب أسرة ولديه أربعة أطفال، كما يعيل والدته التي تعاني من مرض مزمن، ويقطن خلدون في منطقة القبة (طرابلس)، في غرفة لا تتسع لقاطنيها، ويروي أن أهل البيت ينامون تباعاً لضيق المكان، واصطحب خلدون أبناءه معه إلى ساحة النور (طرابلس)، ليحملوا لوحة كتب عليها “كلية للبيع”، ويشير خلدون إلى أنه يبحث عن حبل خلاص له ولأبنائه في خارج لبنان، لافتاً إلى أنه “لو كان يملك المال للهروب إلى تركيا، ومن ثم اليونان، فأوروبا، لكان قد فعل”، إلا أن المهربين يطلبون المال، وهو أمر غير مؤمن لهم، ولا يحدد خلدون ثمناً لكليته، إلا أنه يسترجع خطاب المقايضة “الكلية مقابل الفيزا”.
في المقابل، أكد مصدر في وزارة الصحة أنه “لا يمكن قبول مسألة بيع الأعضاء تحت أية حجة، وهي لم تتبلغ بالطرق الرسمية أي عروض للاستغناء والتنازل عن أعضاء من أفراد أو جماعات”. كما أن عملية الوهب يجب أن تنطبق عليها الشروط القانونية، وتمر بمراحل عدة للتحقق بأنها غير ربحية ولا تلحق ضرراً بالطرفين. يلتمس المصدر عذراً لهؤلاء “لأننا وصلنا إلى مرحلة صعبة للغاية، ولم يعد أمام المواطنين أي أمل إلّا بيع أعضائهم. ويؤكد أن المسؤولية جماعية وتقع على عاتق السلطة كلها، وتحاول الوزارة تخفيف وطأة الأزمة والانهيار من خلال إجبار المستشفيات الحكومية على استقبال المرضى وتقديم الدواء. ويعلّق على وفاة أشخاص على أبواب المستشفيات بأن هناك إصراراً على إجراء التحقيقات وصولاً إلى تحميل المسؤولية للمقصّرين.
وتُعارض القوانين والأخلاق الطبية مسألة بيع الأعضاء، ويلفت نقيب الأطباء في لبنان الشمالي سليم أبي صالح إلى أن القوانين الطبية تنظم هذا الموضوع، كما أن لبنان أنشأ الهيئة الوطنية لوهب الأعضاء التي تشترك نقابات الأطباء بعضويتها لتنظيم آليات وهب الأعضاء.
ويقول إن وهب الأعضاء يحصل في لبنان، ولكن على نطاق ضيق، وتتركز العمليات على نقل القرنية، وزرع الكلى، ويتوقف ذلك على وجود واهبين، والمهارات العلمية المتوافرة، وتتم العمليات عادة في المستشفيات الجامعية المزودة بتجهيزات متطورة، ويوضح أبي صالح أن “كل شيء أصبح كارثياً بالنسبة إلى القطاع الطبي، لأنه لا أدوية، ولا خدمات، والآلات التي تخرج عن الخدمة لا يمكن استبدالها.
ويوضح أبي صالح أن على الطبيب التحقق مسبقاً أننا “أمام عملية وهب وليس بيع”، والالتزام بإجراءات التحقق والضوابط التي حددتها الهيئة الوطنية لوهب الأعضاء لمنع بيع الأعضاء، أو خطف الأطفال لهذه الغاية.
في المبدأ، يحظر القانون اللبناني التعاقد على جسد الإنسان، وأعضائه لأنه لا يجوز التعاقد على شيء غير قابل للاتجار والتداول بين الناس، إلا أن أحكام القوانين سمحت بوهب الأنسجة، والأعضاء البشرية من جسم أحد الأحياء لمعالجة مرض، أو جروح شخص آخر، ووضع المشرّع جملة شروط لتحقيق ذلك.
كما يمكن أخذ الأنسجة، والأعضاء البشرية من جسد شخص ميت، أو نُقِل ميتاً إلى مستشفى أو مركز طبي، لمعالجة مرض، أو جروح شخص آخر، أو لغاية علمية، على “أن يكون المتوفى قد أوصى بذلك، بموجب وصية منظمة حسب الأصول أو بأي وثيقة خطية أخرى ثابتة، أو أن “تكون عائلة المتوفى قد وافقت على ذلك”، ويشترط في عمليات نقل وزرع الأنسجة، أو الأعضاء أيضاً وجود موافقة مسبقة خطية من المستفيد من العملية.
في المحصلة، لا يمكن النظر إلى قضية عرض “الكلية للبيع” على أنه موضوع منفصل عن أرض الواقع، ففي لبنان، بلغ الوضع الاقتصادي مرحلة العناية الفائقة، مع ما يرتبه ذلك من عدم استقرار نفسي، وعليه، وبعد انتهاء مرحلة “الادخار”، والانتقال إلى المقايضة، بلغ اللبناني مرحلة بيع أعضائه.
المصدر: بشير مصطفى- اندبندنت عربية