لا تقدموا أطفالكم قرابين في عالم الرياضة.. وثائقي يكشف الاعتداءات على لاعبات الجمباز
عندما نستعيد أفكارنا المسبقة عن ممارسة الرياضة، خاصة في الصغر، نجدها غالبا أفكار محفزة وممتعة. نشجع الأطفال دائما على ممارسة الرياضة، بوصفها نشاطا له نتائج إيجابية على العقل والجسد والعلاقات الاجتماعية، لكن ربما قد تتلاشى كل تلك الأفكار الإيجابية عند مشاهدة الفيلم الوثائقي الأميركي “اللاعبة أ” (Athlete A) الذي عرض لأول مرة على منصة نتفلكس في 24 يونيو/حزيران 2020.
يعتبر الفيلم أحد أهم الأفلام الوثائقية التي توضح كيف يمكن أن يصبح الوثائقي تسجيلا أمينا للتاريخ، بعيدا عن وجهات النظر المحرفة.
يدور الفيلم حول قصة الطبيب الأميركي “لاري نصار” الذي كان مسؤولا عن فريق الجمباز الأميركي النسائي لما يقرب من 20 عاما، استغل خلالها مهنته كطبيب معالج للفريق، للتحرش بأكثر من 260 طفلة ومراهقة من عضوات فرق الجمباز.
يشير عنوان الوثائقي إلى اللاعبة ماغي نيكولز، التي أبلغت السلطات عن إساءاته الجسدية لها، عام 2015 فتم إسقاطها من الفريق الأولمبي عام 2016 عقابا لها على شكواها في حق لاري نصار.
بدأ تتبع الحكاية عن طريق الصحفية الاستقصائية كاريسا كوياتكوفسكي في جريدة “إنديانا بولس ستار”، التي كانت تبحث في قضايا اعتداء جنسي في المدارس، واقترح أحد مصادرها أن تبحث في قضايا الاعتداء الجنسي لفرق الجمباز الأميركية الأولمبية.
لم تستكشف كوياتكوفسكي خلال الفيلم قضايا الاعتداء الجنسي فقط، لكنها استكشفت ممارسات عنيفة وغير أخلاقية تمارس ضد فتيات فرق الجمباز منذ الصغر. حيث يستعمل المدربون العنف والإساءات الجسدية والعاطفية أثناء التدريب، مما يتسبب في ارتباك وقلق للاعبات، ويضعهن تحت تأثير الابتزاز العاطفي والنفسي طوال الوقت، لإرضاء مدربيهن. نتيجة صغر سنهن وحلمهن الكبير بتحقيق مراكز أولمبية متقدمة، لا يمكنهن التفريق بين التدريب والإساءة.
اللاعبات أم الإعلانات
يركز الفيلم أيضا على انعدام مهنية “ستيف بيني” رئيس اتحاد الجمباز الأميركي، الذي ظل يتجاهل شكاوى الفتيات، ويجبرهن على التزام الصمت، ويستبعد الشاكيات من الفريق الرئيسي والأولمبياد. كان المكسب المالي هو المحرك الأول لبيني بحسب الوثائقي، فقد تستر على لاري نصار، ليس حبا فيه، لكن لأن العلامات التجارية المربحة التي تتعامل مع فرق الجمباز، لن تفضل التعامل مع فريق يثير المشاكل.
لم يكن بيني هو الوحيد الذي يتجاهل شكاوى الفتيات بحسب شهاداتهن، فالمدربان “بيلا ومارتا كارولي” كانا ينتهجان معهن نهجا أوروبيا شرقيا قاسيا، ويستعملان معهن أساليب قاسية لا ترحم، فكانوا ضمن فريق كامل من البالغين المتواطئين ضد الفتيات.
كان نصار يحاول أن يكون الجانب المحب في حياة فتيات الجمباز القاسية، يحضر لهن الحلوى، ويعاملهن بلطف بالغ، عكس المدربين، ليمثل دور البالغ الوحيد الودود في حياتهن المقيدة الصارمة.
اللاعبات قرابين للسلطة
استخدم مخرجو الفيلم قصص الناجيات وما أصبحت عليه حياتهن، كعمود فقري للفيلم، حيث تؤدي معاناة الضحايا، ومن ثم شجاعتهن في الاعتراف بما حدث إلى كشف تجاوزات أكثر لنصار، وكسرت الحواجز التي مكنته من الإفلات من العقاب طوال عقدين كاملين.
كانت العيون مغلقة عن شكاوى الفتيات، والتواطؤ ضدهن في كل مكان، لكن في نهاية الأمر أدت الفضيحة العامة إلى إدانة نصار، ليقضي ما تبقى من حياته داخل السجن.
يطرح الفيلم تساؤلات عن الثمن الذي تقدمه الفتيات مقابل الفوز والميداليات، حتى أنه يمثل أفكارا مرعبة لكل أب وأم يقدمون أبناءهم قرابين في عالم الرياضة، ويحذرهم من التعامل بحسن نية مفرطة مع المدربين، أو أعضاء الفريق، كما يجعل المتفرج يتساءل هل السلطة والثقة التي تُمنح للأطباء والمدربين هي التي تدفعهم للفساد، أم أن الفاسدين يسعون إلى مزيد من السلطة والسيطرة، مما يمكنهم من إشباع رغباتهم أكثر، وحماية بعضهم البعض مهما كانت الأثمان الباهظة التي يدفعها ضحاياهم.
وكالات