شوقي دلال يتحدث لجريدة العرب ”الإقتصادية” الدولية : عن حملة “الفن في زمن الكورونا”
صدى وادي التيم – أخبار وادي التيم
على أنغام فيروزية استقللت سيارتي ذهابا للقاء الفنان شوقي دلال، رئيس جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون، أمين عام تجمع البيوتات الثقافية في لبنان، الذي أطلق أخيرا حملة “الفن في زمن الكورونا”، وجسد في لوحتين آثار مدينة العلا التاريخية في زمن الكورونا، أقود سيارتي وأدندن تلك الأغاني التي تدخل وجداني، وفي رأسي أسئلة متعددة فنية وأدبية، فمنذ أن قرأت عن حملة “الفن في زمن الكورونا” اشتعلت حيرتي لمعرفة ماهية هذه الحملة وما المقصود منها وكيف تم تنفيذها؟، ولطالما اعتدت على الزخم الثقافي الذي يرافق الفنان، لذلك وصلت وفي داخلي حماس لملاقاته، ترجلت من السيارة ودخلت مكتبه الصغير في حجمه لكنه كبير بقيمته الأدبية والفنية، كتب مرصوفة في مكتبته وشهادات تقدير معلقة على الحائط، التقطت أنفاسي وحضرت أجهزتي استعدادا للحوار، بأحكام مسبقة عن أن الفنان هو عدو التكنولوجيا، لكني فوجئت بعدها بفلسفة شوقي دلال التي توسع من أفق الخيال، بدأت أرتشف قهوتي على نظرياته الفلسفية، فكانت البداية عن حملة “الفن في زمن الكورونا”، شرح لي أن جائحة كورونا ليست كباقي المحطات التي شهدتها البشرية، فهي مختلفة في التأثير الذي أحدثته في جميع دول العالم، دخلت البيوت ووصلت إلى وجدان الناس من خلال صحتهم.
الوجدان الثقافي يتغير
يعد دلال الحدث الوجداني هو الحدث الذي يغير عادات في المجتمع، فهو يعتقد أن الكورونا أتى ليحدث شرخا ما بين الماضي والحاضر، أتى ليغير الوجدان الثقافي، الذي بدوره انعكس على الفن، يسكت برهة ليستذكر بعدها لوحة لبيكاسو تنبأت بالحرب العالمية الثانية، وهي لوحة الفارنيكا المشوهة الأعين، التي أتت – على حد قوله – لتترجم ما حدث في الحرب العالمية الثانية، ويؤكد من خلال هذه اللوحة أن الفن نتيجة صدمة تعرض لها الفنان وتأثر بها، والكورونا كان الصدمة له، وهو الذي دفع به إلى رسم المدن الخالية، المدن التي كانت تعج بالحياة تحولت إلى هياكل وأشباح.
العلا في الكورونا
البداية كانت عن لوحتين لآثار منطقة العلا التاريخية الموجودة في المملكة العربية السعودية، اللتين قام بتقديمهما إلى الدكتور وليد بخاري سفير المملكة العربية السعودية، في لقاء ثقافي تم فيه بحث قضايا ثقافية وفنية تهم الدولتين الشقيقتين، يقول عن هاتين اللوحتين، “رسمت لوحتين لتلك المنطقة التي كانت تعج بالسياح في هذه الفترة من العام، إلا أن الكورونا سرق الحياة منها هذا العام” وكان اللوحتين قد تنبأتا لهذا الحدث العالمي، عبر لنا عن إعجابه بهذه المنطقة التي عندما أطلعه وليد بخاري السفير السعودي في لبنان على صورها اندهش بروعتها، ويضيف “هما لوحتان من ضمن رسالتي في الفن لنشر المحبة والتلاقي بين دولتينا الشقيقتين، وبإذن الله سأكمل هذه الرسالة من خلال رسمي عددا من المواقع الأثرية والتراثية في المملكة”.
مقاربة بين الجبال اللبنانية والصحراء السعودية
لم يكن يحتاج إلى رؤية العلا على أرض الواقع كي يرسمها، فهو رجل متلاصق مع الطبيعة، لديه زيارات متكررة إلى الخليج ويعرف جيدا لون الرمال الذهبية التي تتشابه مع جبال لبنان، يقارب ما بين لون الصحراء الأصفر ولون يباس العشب في بلادنا، يقارب ما بين الصحراء الخليجية والجبال اللبنانية. وجد شوقي دلال أن الكورونا حدث كبير ويجب على الفن أن يواكب هذا الحدث، فأطلق حملة “الفن في زمن الكورونا” ليقول للجميع، إن الفن دون بشر لا قيمة له، والقيمة للإنسان وليست للأبنية. أما اللوحات الأخرى التي رسمت في زمن الكورونا فهي لوحة لمطعم في ساحة لومبارديا في إيطاليا، يقول شوقي دلال، “إن هذا المطعم منذ الحرب العالمية الثانية لم ينقطع عنه الجنس البشري، ليلا ونهارا يعج بالمرتادين، إلا أنه في زمن الكورونا أصبح خاليا”، إضافة الى ذلك رسم مناطق لبنانية وكيف أصبحت خالية من البشر، كما رسم قلعة الفجيرة ومناطق من سورية.
الفن منارة وليس مرآة المجتمع
يتحدث عن الفن الذي لا يمكن وصفه بأي تعريف، لأن التعريف يتغير ويتبدل حسب الظروف، هو دائما يقول، “إن الفن يأتي كما هو، لا كما نريد”، ومن هنا الفن بحسب دلال “هو منارة المجتمعات وليس مرآة المجتمعات، لأنه إذا كان الفن مرآة المجتمعات فلا قيمة له، لأنه يصور الواقع في حين إن وظيفة الفن أن ينقلك من الواقع الى ما فوق الواقع”، يؤكد دلال أن الفن يجعلك تسبح في الخيال ويعيدك إلى الواقع، كما فعل في لوحاته، صور الواقع بناء على الضوء والظل، فحركة الضوء والظل هي حركة متبدلة دائما.
الكورونا خير للإنسان
يقول دلال، “إن الكورونا أتى لخير الإنسان، أتى ليغير مفاهيم وعادات عديدة، كانت تلك المفاهيم كسجن للبشر”، واستشهد دلال بعبارة لأدونيس تقول، “أقسى السجون وأمرها تلك التي لا جدران لها”، فهو يعدّ أنا في سجن لا جدار له، هذه السجون كانت بعادات وتقاليد الأفراح والأحزان، وستتغير بعد الكورونا، لذلك نقول، إن هذه الجائحة أتت لخير الإنسان.
فلسفة الأصفر والألوان المائية
يستخدم دلال في لوحاته اللون الأصفر دائما، حتى إن الشاعر سعيد عقل منحه جائزة تحت عنوان “سيمفونية الأصفر”، ولهذا اللون فلسفة خاصة عنده، فهو “لون الموت عند كثير من المجتمعات” على حد قوله، ويعده اللون الأول، فالربيع هو مزيج من الأصفر والأزرق، واليباس أصفر أيضا، لذا هو لون الولادة والموت، فهو يسميه كالشمس الذاهبة إلى الغياب، التي لا يعدها ذاهبة للغياب بل لقطاف فجر جديد، فالأصفر دائما يعلن الفجر الجديد، أما الألوان المائية التي يستخدمها دائما في لوحاته فلها فلسفة خاصة أيضا، فهو يعد كل جزء في الطبيعة في داخله ماء، يقول، “إذا استعملت غير الألوان المائية أشعر أنني أتحايل على الفن، ومن هنا أحاول أن أجسد من خلال رسوماتي الماء في الأشياء”.
ما بين الفن والتكنولوجيا
للفنان شوقي دلال محطة مع التكنولوجيا، لقد رسم لوحة من على جواله باستخدام القلم الإلكتروني، فبقلم الجوال ولدت لوحة فنية، وبعدها قام الدكتور جمال زعيتر بإصدار كتاب يتحدث عن هذه اللوحة ومعانيها وكيف أنها قاربت التطور الرقمي، ككل شيء للتكنولوجيا عند دلال مفهوم خاص، فهو يعتقد أن من أوجد التكنولوجيا هو الفن، فجميع الأدوات التكنولوجية بدأت بتخطيط ورسومات من قبل المخترعين، وهو يعد الذين لم ينفتحوا على التكنولوجيا هم أصحاب الفكر المتقوقع الذين يؤسسون لقطيعة بينهم وبين كل ما هو جديد، وكشف لنا دلال عن مشروع من الممكن أن يبصر النور ككتاب في المستقبل، هو كتابة شذرات على لوحة، لكنه تنهد قليلا ليخبرني بعد ذلك بقلقه وحيرته من هذه الفكرة، “إن الكتابة على اللوحة تواكب التطور، لكن في الوقت نفسه تخفف من خيال الإنسان الذي يشاهد اللوحة، لأن العين تقرأ النص قبل قراءة الرسومات”، ثم يستطرد قائلا “خليها لوقتها”.
كتابه الأول
أصدر شوقي دلال 2018 كتابا تحت عنوان “الشيء بالشيء يذكر”، يحوي هذا الكتاب 125 لوحة من لوحاته وبجانب كل لوحة شذرة، يفسر فيها رؤيته للوحة، وكي لا يحد خيال القارئ في كل شذرة كتبها وضع رؤية مفتوحة فيها، كما في اللون، لا يحب تفسير لوحاته بوضوح، كي يترك لعين المشاهد أن تعيد رسم المشهد من جديد بحسب ما تراه.
بعد هذا العصف الأدبي والفني والثقافي، وجدت نفسي مضطرة لأن أنهي تلك المقابلة، لكني بقيت لفترة أستمتع برسوماته التي يعرضها، وأسمع تفسيراته الفلسفية لكل تفصيل فيها، غادرت المكان أراقب الضوء وأستشعر الأمل من خلاله، أتأمل العشب الأصفر في ذلك السهل، وأتذكر انبثاق فجر جديد مطعم بنكهة أدبية دون أدنى شك.
أميرة حمادة – جريدة العرب ”الإقتصادية” الدولية