ماذا لو أصبح الدولار بعشرة الآف ليرة؟

 

لم يكن ما حصل ليل أمس نسخة منقحة عن إنتفاضة 17 أكتوبر، بل أكثر من ذلك بكثير.

اللبنانيون نزلوا إلى الشوارع، في مختلف المناطق اللبنانية، إحتجاجًا على جنون الدولار، خصوصًا في ظل الكلام عن إمكانية وصوله إلى عتبة العشرة الآف ليرة لبنانية، وهذا يعني أن الفقر سيكون شاملًا الجميع، وسيساوي بين المناطق كافة، لأنه سيطاول بمفاعيله جميع طبقات المجتمع، وسيزيد من فقر الفقراء، وسيجعل ما كان يُسمّى بالطبقة المتوسطة، التي غالبًا ما يعوّل عليها في عملية التوازن الإقتصادي، طبقة فقيرة تنضم إلى أكثرية اللبنانيين، الذين أصبحوا مكشوفين ومن دون غطاء فعلي يقيهم شرّ تفلت الدولار من عقاله، في غياب المبادرات، التي من شأنها أن تحميهم من غدر الزمان، بعدما تحوّلت أموالهم المحجوز عليها في المصارف مجرد أرقام ليس إلاّ.

هذا الخوف على المصير دفع بالآف اللبنانيين إلى النزول إلى الشوارع في ثورة غضب لم نشهد مثل حدّتها حتى في عزّ الإنتفاضة الأولى، وذلك بعد تفشيل تحركهم يوم السبت الماضي، فقُطعت الطرقات وأشُعلت الإطارات المطاطية وأطُلقت الهتافات والإتهامات في كل إتجاه، وصوبت السهام في إتجاهات معينة كتعبير عن حالة غضب عارمة لم يسلم منها أحد من المسؤولين، الذين إتُهموا بالعجز في وضع حدّ لجنون الدولار وفي ملامسة الحلول الممكنة، التي من شأنها أن تضع الأمور في نصابها الطبيعي، وذلك قبل أن تستفحل أكثر مما عليه اليوم، بحيث تصبح الحلول الممكنة اليوم مستحيلة غدًا، وقبل أن يتحكّم الدولار الزاحف سريعًا نحو نهايات حتمية، والذي يأكل رويدًا رويدًا ما تبقّى في الجيوب، وهي قد اصبحت قليلة جدًا ولم تعد تكفي لسدّ رمق.

الحلول العادية لم تعد تنفع، ولم تعد توحي بالثقة، ولم تعد تفي بالغرض، خصوصًا أن الحكومة تتصرّف وكأن البلاد في أفضل أحوالها، وهي لجأت مؤخرًا إلى تعيينات لم تخلُ من المحاصصة، وهي بطبيعة الحال لن تقدّم ولن تؤخرّ، ولن تضع حدًّا لمعاناة اللبنانيين المكتوين بنار الغلاء الفاحش، وقد أثبتت بهذه التعيينات أنها في وادٍ والناس في واد آخر.

ما حصل بالأمس، وهو مشهد مرجّح أن يتكرر يوميًا، لن يُعالج بمزيد من المسكنات وبمزيد من الوعود الفارغة وبمزيد من طمر الرؤوس في الرمال، التي ستصبح متحركة تحت أقدام السلطة، التي أثبت أداؤها أنها خارج الزمن وخارج وجع الناس وأنينهم.

المطلوب اليوم قبل الغد إجراءات إستثنائية وغير عادية لإنتشال البلاد مما تتخبط به، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل خراب البصرة، وقبل الندم حيث لا يعود ينفع هذا الندم.

فهل تكفي إقالة حاكم مصرف لبنان لوضع حدٍ لهذا التفلت الجنوني للدولار، وهل يكفي التلطي وراء جدار لا يحتاج سوى إلى تكرار ما حصل بالأمس حتى ينهار فوق رؤوس الجميع.

المشكلة في الأساس ليست في السراي الحكومي، وليست عند رياض سلامه، وليست في مكان واحد، بل هي جزء من كل، وهي تدخل في الكباش الحاصل بين أميركا و”حزب الله” بالتحديد، الذي حرّك بالأمس شارعه وفرض إيقاعه على النمطية المتبعة.

بإختصار كلي يمكن القول أن تطيير سلامه لن يضع حدًّا للأزمة المتفاقمة ولن تلجم الدولار، لأن المشكلة في مكان آخر، ومن هنا يجب البدء إذا كان ثمة من إرادة للمعالجة.

فهل ضخ المصرف المركزي المزيد من الدولارات في الأسواق سيعيد الوضع إلى طبيعته المقبولة، أم أن السوق السوداء ستكون اقوى من اي إجراء، وهل سيتمكّن الأمن العام من ضبط هذه السوق بما يعيد الثقة المفقودة؟

المصدر: لبنان 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!