سعر الصرف قد يصل إلى مستويات غير متوقّعة.. لماذا انهارت الليرة والى أين نتجّه؟

صدى وادي التيم – إقتصاد

 

 

منذ عام 1997، ثبت سعر صرف الدولار مقابل الليرة، رسمياً، عند 1500 – 1515 ليرة للدولار. وتدخّل مصرف لبنان إما شارياً أو بائعاً للمحافظة عليه… إلى ما قبل نحو سنة، عندما بدأ الصرّافون بتداول الدولار بسعر أعلى من سعره الرسمي، وذلك لعدم قدرة المصارف على تلبية كل طلبات الزبائن من العملات الأجنبية، إلى أن قفز أخيراً فوق حاجز الـ4000 ليرة للدولار.

الاقتصاد اللبناني ريعي ويعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الاستهلاكية. وقد بلغت واردات لبنان عام 2018 نحو 19,98 مليار دولار مقابل 2,952 مليار دولار للصادرات، ما شكّل عجزاً في الميزان التجاري بقيمة 17,028 مليار دولار (بارتفاع 1,73% عن عام 2017 و 5,49% عن عام 2016 بحسب أرقام البنك الدولي).
وقد عمدت الدولة اللبنانية إلى تمويل عجز الموازنة المتراكم من خلال الاستدانة، حتى وصلت قيمة الدين العام اللبناني إلى 91 مليار دولار معظمها بمثابة سندات. وبلغت قيمة السندات المصدّرة بالدولار (يوروبوندز) نحو 32,5 مليار دولار. وجاء أول تخلف للدولة عن دفع مستحقات هذه السندات (1,2 مليار دولار) في آذار الماضي، بهدف إعادة هيكلتها بالاتفاق مع الدائنين. علماً أنها كانت قد دفعت استحقاق كانون الأول 2019 مستعملة احتياطي مصرف لبنان الذي بلغ نهاية كانون الثاني الماضي حوالى 30,96 مليار دولار، وذلك بعد تنزيل قيمة محفظته من اليوروبوندز والبالغة 5.7 مليارات دولار.
استثمرت المصارف جزءاً كبيراً من أصولها في سندات الخزينة بدل استثمارها في مشاريع منتجة، ما أدى إلى تأثرها بتعثر الدولة اللبنانية. وبسبب النقص الحاد في السيولة بالعملات الأجبية فرضت المصارف قيوداً على سحب أموال المودعين، وقاربت سحوبات العملات الأجنبية الصفر بعد إعلان التعبئة العامة بسبب «كورونا». انعكس ذلك كله تراجعاً في الثقة بالنظام المصرفي ودفع المودعين إلى سحب ما تيسّر من إيداعاتهم. وقُدرت الأموال المخزّنة في المنازل بين 5 و6 مليارات دولار. فيما حوّل النافذون أموالهم إلى الخارج ما أثّر سلباً على قيمة الليرة بسبب خروج هذ الأموال من المنظومة الاقتصادية.

تعاميم «المركزي» تزيد الطلب على الدولار والضغط على الليرة

تُعتبر تحويلات المغتربين أهم مصدر للعملات الأجنبية، إذ بلغت سنة 2018 حوالى 6,94 مليارات دولار (نحو 12,7% من الناتج المحلي) بانحفاض 0,12 مليار دولار عن عام 2017 و 0,66 مليار دولار عن عام 2016. ويُتوقع أن تتراجع التحويلات العام الجاري بسبب تراجع الثقة بالنظام المصرفي اللبناني. كما أثّر انخفاض أسعار النفط سلباً على دخل اللبنانيين العاملين في دول الخليج وبالتالي على تحويلاتهم، وعلى الاستثمار الخليجي في الدول كافة ومنها لبنان.
ويلعب القطاع السياحي دوراً مهماً في استقطاب العملات الأجنبية. فقد دخل إلى البلد ما يقارب 8,694 مليارات دولار في عام 2018، لكن عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، إضافة إلى انتشار فيروس كورونا عالمياً، وإغلاق معظم مطارات العالم، أدت إلى شبه انعدام في واردات هذا القطاع.

عوامل مساعدة
أصدر مصرف لبنان أوراقاً نقدية جديدة تزن 9 أطنان من فئتي العشرين ألف ليرة والخمسين ألفاً، قُدرت بحوالى 19,000 مليار ليرة. وأصدر مصرف لبنان تعاميم (13215 و13216 و13221) سمحت لأصحاب الودائع بالعملات الأجنبية بسحبها بالليرة اللبنانية وحسب سعر السوق. كما وضع آلية لسحب حسابات الليرة التي تقلّ عن 5 ملايين ليرة بقيمة أكبر. وستزيد هذه الإصدارات والتعاميم من الطلب على الدولار وبالتالي الضغط على الليرة وخفض قيمتها.

إلى أين يتجه سعر الصرف؟
إذا أخدنا تأثير كل هذه العوامل مجتمعة، وبالتغاضي عن الدين العام وخدمته وعن العوامل الداخلية، يصبح أهم مصدر للتدفّقات المالية الخارجة هو الواردات، والبالغة قيمتها 19,98 مليار دولار في عام 2018، وأهم مصادر التدفّقات النقدية الداخلة للعام نفسه هي الصادرات، وتحويلات المغتربين، والسياحة بقيمة إجمالية 18,586 مليار دولار، أي برصيد سالب قيمته 1,394 مليار دولار. خفض هذا الرقم مستقبلاً يساعد على استعادة الليرة لقيمتها في السوق. أما زيادته فستزيد من الضغوط على الليرة وتدهور قيمتها.
وإذا عدنا بالتاريخ إلى عام 1988 حيث كان سعر الصرف 380 ليرة للدولار، وارتفع خلال أربع سنوات إلى 2880 ليرة في آب 1992 مشكلاً انخفاضاً في قيمة الليرة بنسبة 658%. علماً بأن قيمة الدين العام وقتها كانت حوالى 3 مليارات دولار أغلبها بالليرة اللبنانية. حالياً، الرافعة المالية أكبر بكثير والكتلة النقدية في السوق أضخم، وبالتالي الطلب على العملات الأجنبية أكبر مع شحّ في مواردها ما يزيد الفجوة بين الداخل والخارج من التدفقات النقدية بالعملات الأجنبية إلى البلد، ويرفع الضغوط على الليرة لانخفاض قيمتها. وقد يصل سعر الصرف إلى مستويات غير متوقّعة، إذا لم يتم العمل على إجراء تقويم لما سلف ذكره من عوامل، في ظل الأزمات المالية والاقتصادية والسياسية الراهنة.

 

المصدر: الأخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!