البروفسور غسّان دبيْبو لـ “الآداب”: كلّ ما ينبغي أن تعرفوه عن كورونا وأخواتها
(أجرت الحوار: عُبادة كسر)
أجرت الآداب حوارًا شاملًا مع البروفيسور غسّان دبيبو عن كلّ ما يتعلّق بوباء COVID – 19. دبيبو هو مدير مركز أبحاث الأمراض الجرثوّمية في الجامعة الأميركيّة في بيروت، وهو بروفيسور في قسم الكيمياء البيولوجيّة والعلوم الوراثيّة، ورئيس قسم الأمراض الجرثوميّة، وطبيب أطفال وناشئة، في المركز الطبّيّ التابع للجامعة المذكورة (AUBMC). وفي نهاية الحوار حملنا اليه أسئلة الناس.
* بعد أن اجتاح فايروس كورونا معظمَ دول العالم، هل أصبح لدينا توصيفٌ علميّ أدقّ له؟ هل يمكن أن تعطوه هويّةً جديدةً غيرَ التي عرفناها في البداية؟
– نحن في طور التعلّم اليوميّ عن فايروس الكورورنا. معظمُ الناس سمعوا عنه في هذه الفترة فقط، لكنّنا كأطبّاء وعلماء نعرف عن مثل هذه الفيروسات منذ زمنٍ بعيد.
“المُضِيفُ” الأهمُّ لهذه الفايروسات هو الوطواط. عندما تصيب الكورونا الوطواطَ فإنّها تُسبِّب له التهاباتٍ خفيفةً جدًّا، فينقلها إلى بقيّة الوطاويط، من دون أن يشكّلَ أخطارًا عليها، بل تواصلُ حياتَها الطبيعيّة بتعايشٍ تامّ. خلال القرن الماضي، وبسبب الزيادة السكّانيّة التي تسبّبتْ في احتكاكٍ أكبر بالحيوانات، انتقل بعضُ فايروسات الكورونا (بصيغة الجمع لأنّنا نتحدّث عن “عائلة” الكورونا) إلى الإنسان، وذلك عبر “حيوانٍ وسيط.”
“المُضِيفُ” الأهمُّ لهذه الكورونا هو الوطواط
فلندخلْ في التفاصيل. لقد برمج الفايروسُ ذاتَه كي يُحْدثَ التهابًا عند الوطواط؛ أيْ إنّ كلَّ الآليّة (الميكانيزم) لديه مبرمجةٌ من أجل التكاثر في الوطواط. فلكي تكون لديه القدرةُ على الانتقال إلى حيوانٍ آخر، فإنّ من الضروريّ أن يقومَ بعمليّة تغيّرٍ أو تحوُّلٍ أحيائيّ (mutation) تدريجيّ. وهذه من خصائص الفيروسات بشكلٍ عامّ في العلاقة بين الإنسان والحيوان: هذا مثلًا ما يحدث مع فايروس الإنفلونزا، الذي يعمل بالطريقة نفسها، فيبدأ عند الطير، ثم ينتقل أحيانًا إلى الخنزير، ومن ثم إلى الإنسان. من كلّ مئة فايروس قد يصل إلى الإنسان فايروسٌ واحدٌ؛ ذلك لأنّ الفيروسات تصل إلى نهايةٍ مسدودة (dead end)، فتتوقّف عمليّةُ التغيّر أو التحول (mutation)، ويتوقّف التكاثرُ، وتموت.
تاريخيًّا، نعرف أربعةَ أنواعٍ من فايروسات الكورونا البشريّة (Human Corona Viruses)، التي بدأت عند الوطواط وانتقلتْ إلى الإنسان. والعوارض المشتركة لدى هذه الأنواع الأربعة حين تصيب البشرَ تتمثّل في: رشحٍ، وسعلةٍ، مع ارتفاعٍ طفيفٍ في درجات الحرارة. وأكثرُ مَن يصابون بهذه الأنواع هم الأطفال (وتحديدًا من هم دون السنوات الستّ)، لأنّهم أكثرُ عرضةً للاختلاط في ما بينهم في دُور الحضانة والمدارس، ومن ثمّ ينقلون العدوى إلى الكبار، وإنْ بوتيرةٍ خفيفة. طبيعةُ هذه الفيروسات الأربعة قابلةٌ للتغيير المستمرّ. فالناس لا يستطيعون أن يكتسبوا مناعةً دائمةً ضدّها مدى العمر؛ مثلًا: عندما نُصاب بها في الصغر، تتكوّن لدينا مناعةٌ جزئيّة، وعندما نكبر نبقى معرَّضين لأن نلتقطَها من جديد، ولذلك نتعرّضُ دائمًا للرشح والسعال.
منذ عشرين سنةً، ظهر فايروس الكورونا الخامس وأصاب الإنسانَ، وهو SARS) Severe Acute Respiratory Syndrome). وقد جاء من الوطواط أيضًا، وانتقل إلى الإنسان من خلال حيوانٍ وسيطٍ هوالـcivet cats (قططُ الزَّباد)، وهو يشبه السنجابَ، ويعيش في قارة آسيا، وفي الصين تحديدًا. الـ SARS أصاب حوالي 8000 شخص في كلّ العالم، وكانت نسبةُ الوَفَيَات بسببه بين 10 و15% منهم، ولم يمتلك القدرةَ على الانتقال بشكلٍ أكبر، إذ وصل إلى نهاية مسدودة، واختفى.
منذ تسع سنوات، بدأنا نلحظ فيروس كورونا سادسًا، وقد اصطُلِح على تسميته “ميرس كوفيد” (Middle East Respiratory Syndrome). ظهر هذا الفيروس في الخليج، وأصلُه من الوطواط أيضًا، لكنّه انتقل إلى الجَمَل كحيوانٍ وسيط، ومن الجَمل تعرّض إلى تحوّلٍ أحيائيّ (mutation)، وبدأ يعدي الإنسانَ. وكان مَن يحتكّون بالجِمال هم الأكثرُ إصابةً، ومِن هؤلاء انتقلت العدوى إلى المقرَّبين إليهم، ومنهم إلى مَن يحتكّون بهم كالأطبّاء والممرِّضين. وما يزال هذا الفايروس ناشطًا في السعوديّة والإمارات العربيّة ودولِ الخليج عامّةً، وظهرتْ حالاتٌ قليلة خارج هذه المنطقة، ولكنْ بقي انتشارُه محدودًا؛ إذ قامت دولُ الخليج بمسحٍ شاملٍ على كلّ الجِمال والنُّوق، وتخلّصوا من كلّ ما أصيبَ بهذا الفايروس ليحدّوا من انتشاره أو تناسله. وهكذا تمّت السيطرةُ عليه بشكلٍ كبير.
نأتي الآن إلى فايروس الكورونا الجديد، أيْ COVID – 19، وهو من فصيلة SARS من ناحية تسلسل الـDNA الخاصّة به؛ لذا فهو يُشْبهه كثيرًا. كانت أولى حالات هذا الفايروس قد ظهرتْ في أواخر كانون الأوّل (ديسمبر) 2019، إذ تعرّض المصابون به إلى حالات اختناقٍ وصعوباتٍ في التنفّس، ما استَدعى نقلَهم إلى المستشفيات، حيث خضعوا لفحوص الفيروسات المعروفة، فلم يظهرْ أيُّ تطابقٍ معها. لكنْ عندما تزايدت الحالاتُ المشابهة، تنبّه الأطبّاءُ إلى أنّه فايروس جديد. وخلال أسابيع قليلة، اكتشفوا أنّه فايروس كورونا الجديد، واستطاعوا أن يستخرجوا الـsequence الخاصّة به. والـsequence عبارة عن “سلسلة مشفَّرة” من الـ RNA أو الـ DNA. والحقيقة أنّ هذا الفايروس هو فايروس RNA .
* ماذا يعني فايروس RNA ؟
– يعني أنّ هذا النوع غير مستقرّ (unstable)، أيْ لديه خاصّيّةُ التغيير الدائمة. وعواملُ الطبيعة (كالحرارة والبرودة والرطوبة) تؤثّر فيه أكثرَ ممّا تؤثّر في فايروس DNA. وقد أثبتت الأبحاثُ الحاليّةُ على المرضى الذين أصيبوا بـ COVID-19 وجودَ حالاتٍ في منتصف شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 في الصين، وفي المنطقة نفسها، أيْ ووهان. أي إنّ انتشارَه استمرّ شهرًا كاملًا على الأقلّ قبل التنبّه إلى أنّ شيئًا مستجدًّا يحدث في مستشفيات ووهان.
*عندما تقول إنّ أُولى الحالات ظهرتْ في منتصف تشرين الثاني، فذلك يناقض فرضيّةَ أن تكون الولاياتُ المتحدة هي التي أدخلت الفايروسَ إلى الصين!
– فرضيّةُ المؤامرة غيرُ واردة، بل سيُخبرنا الاقتصاديون أنّ أميركا ستكون من أكثر المتضرِّرين اقتصاديًّا من هذا الفايروس. والحقّ أنّنا نستطيع أن ننفي الفرضيّةَ، علميًّا، بسرعة؛ ذلك لأنّ العلماء عرفوا السلسلةَ المشفَّرةَ (sequence) للـ RNA الخاصّة بهذا الفايروس، من الألف إلى الياء، بحيث يستطيعون أن يكتشفوا أيَّ تدخّلٍ في هذه السلسلة إنْ حصل. ماذا يعني أن يُصمَّم سلاحٌ بيولوجيّ؟ يعني أن يُجلب مايكروب (بكتيريا أو فيروس) من الطبيعة، ويُدخَلَ شيءٌ جديدٌ أو غريب على الـ RNA أو الـ DNA الخاصّة به كي يغيّر وظيفتَه ويجعلَه أقوى وأكثرَ ضررًا ممّا هو عليه (بحيث يَقتل أو يَشلّ مثلًا).
هذه الأعمال يمكن فضحُها بسهولة، خصوصًا مع التطوّر التكنولوجيّ، إذ يستطيع أيُّ مركز أبحاثٍ في العالم أن يكتشفها.
بالمناسبة، هناك المئاتُ من فايروسات الكورونا، ولكلّ واحدٍ منها سلسلةٌ مشفَّرة خاصّةٌ به. وعندما نقارنها بعضَها ببعض نستطيع أن نصنِّفَ المجموعاتِ المتشابهة؛ فأيُّ فرقٍ بينها سيُظْهر إذا كان قد جاء من فايروس آخر أو بكتيريا أخرى، أو جرى التدخّلُ في السلسلة المشفَّرة بشكلٍ مفتعل. وقد نبّه علماءُ من عدّة بلدان خلال العقدين الماضيين، ومنهم العالمة الصينية “شي جنغ لي” المعروفة بين زملائها بـ “المرأة الوطواط” لدراستها هذه الفيروسات عند الوطاويط، إلى خطر انتشار فيروسات الكورونا من الوطواط إلى الإنسان.
حذّرتْ شي جنغ لي، “المرأة الوطواط،” من خطر انتشار الكورونا من الوطواط إلى الإنسان
هذا وتنفِّذ منظّمةُ الصحّة العالميّة، منذ أكثر من عشرين سنةً، تدريبًا لكلّ الحكومات استعدادًا لوباءٍ عالميّ (pandemic)، وخصوصًا في الدول النامية، وتحديدًا لوزارات الصحّة فيها، حتى تكونَ جاهزةً للتعامل مع هذه الحالات. وكانت الأولويّةُ للتدريب على مواجهةِ فايروس الإنفلونزا لأنّه ذو “سوابق،” وتحديدًا ذاك الذي يأتي من الطيور لأنّها تصاب بأنواعٍ غريبةٍ منه؛ ولذلك نسمع كلَّ فترة بموجةٍ من إنفلونزا الطيور تجري السيطرةُ عليها وتنتهي. كان ذلك هو النوعَ الأوّل. لكنّ الإيبولا والدينغي وغيرَهما، شأن كورونا، مرشّحةٌ لأن تتحوّل إلى وباءٍ عالميّ لأنّ لديها قدراتٍ عاليةً على نشر العدوى، وتتسبّب في قتل عدد من الناس.
* حبّذا لو عدنا إلى فايروس الكورونا الجديد، COVID – 19.
– هذا النوع يختلف عن SARS بقدرته العالية على الانتقال من شخصٍ إلى آخر بسبب التحوّل الأحيائيّ (mutation).
*دعنا نبسّط الكلام قليلًا. ماذا نعني عمليًّا بـ mutation؟ ماذا يحدث داخل الفايروس؟
– حتى يستطيع الفايروس أن يعدي إنسانًا أو حيوانًا، فإنّ هدفَه الأوّل هو أن يدخلَ إليه أو يلتقطَه. بمعنًى آخر، فإنّ جزئيّاتٍ من الفايروس، وهي على شكلِ تاج، ومكوَّنةٌ من البروتين، بحاجة إلى أن تلتقطَ خليّةً في الإنسان.
(هنا يُظهر د. دبيبو صورةً لكورونا من أجل إظهار التاجيّات الحمراء).
الجزئيّات الحمراء الخارجة من الكورونا تعمل كالمفتاح، وتحتاج خليّةً تلتقطُها لكي تدخلَ إلى قفلها فتَفتحَها
أنظري إلى الجزئيّات الخارجة من الكورونا، وهي في الصورة باللون الأحمر. هذه تعمل كالمفتاح، وهي تحتاج إلى خليّةٍ تلتقطُها لكي تدخلَ إلى القفل فتَفتحَها، وعندها يبدأ التكاثرُ داخل هذه الخليّة. بكلامٍ آخر: لا يستطيع الفايروس أن يتكاثرَ من تلقاء ذاته، بل يحتاج إلى خليّةٍ “تستضيفُه” كي يَدخلَ ويستعملَ كلَّ أدواتها من أجل صنع الـ DNA والـ RNA والبروتين للإنسان كي يُنتج فايروساتٍ أكثر.
عندما أتحدّث عن الـ mutation فإنّني أعني أنّ هذا المفتاح (على شكل تاجيّات) الذي يملكه الفايروس كان مُعَدًّا لأن يفتح الخليّةَ عند الوطواط، وعندما يتغيّر المفتاحُ قليلًا تصبح لديه القدرةُ على أن يفتح خليّةَ حيوانٍ وسيطٍ. هنا، أيْ في الحيوان الوسيط، يتكاثر الفايروس بشكلٍ كبيرٍ جدًّا ويقوم بعمليّة mutation، أيْ يتغير قليلًا الـ RNA الخاصُّ به، ويتغيّر بذلك البروتين، أي المفتاحُ، ليستطيع فتحَ خليّة إنسان. وهذا ما نستطيع أن نسمّيَه “تحوّلًا ذاتيًّا مستمرًّا” لدى الفايروس.
في أغلب الأحيان تقود هذه التحوّلات الدائمة في الفايروس إلى نهايةٍ مسدودة (dead end) وتقضي عليه. ولكنْ عندما تكون للتحوّل نتيجةٌ إيجابيّةٌ، فذلك يؤدّي إلى تكاثره؛ ما يعني أنّه سيمتلك إمكانيّةَ فتح عددٍ أكبرَ من الأقفال.
إذًا، COVID – 19 أصبحتْ لديه القدرةُ على أن يفتح “القفلَ” لدى خلايا الإنسان. والقفل معروف: إنّه عبارة عن بروتين يعمل على موازنة (أو “ركلجة”) ضغط الدم الموجود في خليّة الجهاز التنفسيّ. ومَن يعانون مشاكلَ ضغطٍ وقلبٍ يمتلكون هذا البروتينَ أكثرَ ممّا يمتلكه غيرُهم، لذلك فهم يعانون أكثرَ من غيرهم بسبب هذا الفايروس.
بهذه العمليّة، يدخل الفايروس إلى الخليّة، ويبدأ بالتكاثر. وعندما يصبح العددُ كبيرًا جدًّا، يحدث انفجارٌ في الخليّة، وينتشر الفايروس بمئات الآلاف إلى باقي الخلايا.
* أفهمُ منكَ أنّ كلّ مصابٍ لديه مئاتُ الآلاف من خلايا الفايروس؟
– بل أكثر بكثير. أستطيع الحديث عن المليارات عند كلّ مصاب!
*هذه المليارات موجودة في الجهاز التنفسّيّ فقط؟
– يدخل الفايروس إلى الجسم عادةً عبر الأنف والفم والعينيْن. عندما يدخل إلى الجهاز التنفّسيّ، يبدأ بالأنف والبلعوم، فيتكاثر في خلاياهما، ثم ينتقل إلى القصبات الهوائيّة، ومنها إلى الرئتيْن، فالجهازِ الهضميّ، ثمّ الدم. عندما يدخل إلى الدم يصبح موجودًا في كلّ الجسم. ومع ذلك لا نستطيع القول إنّ الجسم كلَّه قد أصيب، إذ إنّ ما أصيبَ ليس سوى المناطق التي لديها القفلُ (أيْ بروتين الخليّة) الذي يعمل عليه مفتاحُ الفايروس.
* أفهمُ منك أنّ الفايروس وصل إلى دم المصابين؟
– بالتأكيد. إلّا أنّه في أغلب الأحيان لا يمكث في الدم كلَّ الوقت، بل يستمرّ ساعاتٍ ويختفي. ولكنْ في هذه الساعات يستطيع أن يصل إلى المكان المناسب له [وهو الرئتان]. يستطيع جسمُ مريضٍ أن يُنتج كميّاتٍ كبيرةً من فايروسات COVID – 19 وينتشر في دمه؛ في حين لا يُنتج جسمُ مريضٍ آخرَ كمّيّاتٍ كبيرةً، وبالتالي لا ينتشر في الدم.
*ما هو المعيار؟ أيُّ مريضٍ يُنتج كمّيّاتٍ كبيرةً من الفيروسات؟ وأيّ مريض لا ينتج ذلك؟
– حتى اللحظة لم نستطع فهم من؟ وكيف؟ ولماذا؟ أعتقد أنّ ذلك مرتبطٌ بمعايير عدّة. أوّلًا، لا إنسانَ يشبه الآخرَ مئةً في المئة؛ فكما يختلف لونُ العينيْن بين شخصٍ وآخر، يختلف “قفلُ” كلّ خليّةِ إنسانٍ عن آخر. لذا، فإنّ الفايروس يقوم بالدور نفسه، أي التفتيشِ عن الخليّة المناسبة ليفتحَها كما ذكرنا سابقًا، لكنْ مع فوارقَ بسيطةٍ بين شخصٍ وآخر. وهذا الأمر يؤثّر في التقاط الفايروس؛ فهناك أشخاص لا يلتقطون العدوى على الرغم من تعرّضهم للفايروس. وهذا المبدأ موجود عند كلّ الفايروسات، بما فيها COVID – 19 .
الأهمّ من ذلك أنّ مرضى COVID – 19 الذين لديهم عوارضُ تعبٍ شديد ويحتاجون إلى عنايةٍ فائقة، فذلك يكون نتيجةً لردّة فعل عاصفةٍ من قِبل جهاز مناعتهم. فبدلًا من أن يُنتج هذا الجهازُ مضادًّا حيويًّا (antibody) واحدًا ليقتل هذا الفايروس، فإنّه ينتج الكثيرَ من تلك المضادّات، ويروح يعمل وكأنّه يطْلق “قنابلَ ومَدافعَ”؛ وهذا ما يصيب الجسمَ بالأذى. لكنّ ردّة الفعل هذه لا تصيب إلّا نسبةً بسيطةً من المرضى: فهناك صغارٌ تصيبهم ردّةُ الفعل هذه لأنّ جهازَ مناعتهم قادرٌ على إنتاجها؛ وهناك أشخاصٌ تتراكم عليهم المشاكلُ الصحّيّةُ المزمنة (سكّري، مرض قلب، ضغط،…. ) مع العمر، فيكون جهازُ مناعتهم “ملقّمًا” مثلَ المسدّس، وجاهزًا لردة الفعل العاصفة؛ أمّا الشخص الطبيعيّ الذي لا يعاني هذه العوارضَ، فيكون جهازُ مناعته هادئًا.
* ما هي الأعضاء الأكثر تضرّرًا جرّاء هذا التعب؟
– الرئتان، بالدرجة الأولى.
* عندما يدخل الفايروس بالمليارات إلى الرئتيْن، فهل يسبّب تلفًا فيهما؟
– طبعًا.
*هل يستمرّ التلف بعد الشفاء من الكورونا؟
– الدراسات حتى الآن تقول إنّ مَن يشفى سيعاني التلفَ في الرئتيْن. لكنْ هل سيكون ذلك أبديًّا أمْ تمكن معالجتُه؟ لا نعرف الجوابَ حتى اللحظة لأنّ الإصابات وحالاتِ الشفاء ما زالت حديثةً.
لكن انتبهي: الغالبيّة العظمى (80%) تتعافى من دون أيّ علاج أو مستشفًى أو مصل. الجسم في حدّ ذاته يقضي على الفايروس، وقد تساعده بعضُ الأمصال لتزويده بالسوائل وبمخفِّض الحرارة.
* هل لحظ الطبُّ في تاريخه وجودَ بعض الفايروسات المعدَّلة بيولوجيًّا؟ هل تدخّل البشرُ في وظيفتها لتصبح أشدَّ فتكًا؟
– في الأدبيّات لا توثيق لحالاتٍ كهذه. لكنّ ذلك لا ينفي أن يكون قد جرى التدخّلُ في تعديلٍ بيولوجيٍّ لفايروسٍ معيّن، والآنتراكس خيرُ دليل. وكما قلتُ لكِ منذ قليل، فإنّ التلاعب في هذا الموضوع ينكشف بسرعة، وقد أخبرتُكِ عن الآليّة.
* أين أصبحنا من اكتشاف علاج لـ COVID – 19؟
– كثير من الأدوية تتمّ دراستُها في ما يخصّ هذا الوباء. حتى اللحظة لا نستطيع القولَ إنّ العلاج أصبح جاهزًا. مراكز الأبحاث تقوم بجهودٍ كبيرة. فمثلًا عندما تحدّدتْ عوارضُ الـCOVID – 19 دخل العلماءُ والباحثون إلى أرشيف الأدوية، فوجدوا أكثرَ من دواء، أحدُها كان يحضَّر لعلاج فايروس آخر، فاستعملوه لعلاج أوّل إصابةٍ بوباء COVID – 19 في أميركا، ووجدوا أنّه فعّال لأنّه استطاع أن يوقف تسلسلَ تناسُل هذا الفايروس. وما زالوا يستعملونه، والنتائجُ جيّدة، لكنّ كمّيّتَه نفدتْ، والشركاتُ بصدد تصنيعه للبيع.
الدواء الآخر يُستعمل لعلاج مرض الإيدز (HIV). بعضُ نتائج استخدامه لعلاج COVID – 19 يوحي بأنّه جيّد، وهذا الدواء موجودٌ في لبنان بكمّيّات محدودة.
وثمّة دواء ثالث يابانيّ، موجود منذ التسعينيّات، ومخصّص لعلاج الإنفلونزا، أثبت فاعليّةً جيّدةً، وهم بصدد تطويره.
دواء الملاريا يُستعمل هو الآخر لعلاج COVID – 19، لكنّه يعمل بطريقة اعتباطيّة للحدّ من تكاثر الفايروس، وقد استُخدم في الصين وأميركا، ويقال إنّ النتائج جيّدة. وقد أحدث هذا الدواءُ مؤخّرًا ضجّةً كبيرةً في الإعلام الفرنسيّ والأميركيّ، بل سوّقه ترامب شخصيًّا، وكان نتيجةً لدراسة فرنسيّة صغيرة جدًّا ومشوبةٍ بالكثير من الأخطاء، ما جعل أغلبَ الأخصّائيين في هذا الحقل يأخذون موقفًا حذرًا جدًّا. فمثلًا، أحدُ الأخطاء الفاقعة أنّ الباحثين الفرنسيين استثنوْا من التحليل والتقويم في دراستهم ثلاثة مصابين نُقلوا إلى العناية الفائقة، أحدُهم توفّي، مع أنّهم كانوا يتلقّون العلاج! إذًا، هنا يجب أن ننبّه المواطنين إلى عدم تناول هذه الأدوية من دون استشارة أخصّائيّ في الموضوع بسبب العوارض الجانبيّة الخطيرة التي قد تتسبّب بها هذه الأدويةُ، مثل فقدان السمع وعدم انتظام دقّات القلب، ما قد يؤدّي إلى الموت المفاجئ في بعض الحالات.
ثم إنّ ذلك سيطرح الكثيرَ من الأسئلة عن هذه الأدوية، ومنها: متى نستطيع أن نستعملَها؟ أفي بداية الحالة المرَضيَّة، أمْ عند تقدّمها؟ ما الوقت المثاليّ لاستخدامها؟ هذه الأسئلة لا نملك الإجابةَ عنها. أغلبُ الظنّ أنّه كلّما بكّرْنا في أعطاء المريض الدواءَ، كانت النتائجُ أفضل. على أنّ ذلك سيكون علاجًا آنيًّا لا يحدّ من انتشار الفايروس، إذ إنّ اللقاح وحده هو ما سيسيطر على هذا الانتشار.
* نعم، هذا ما كنتُ أودّ أن نتعمّق فيه.
– عند انتشار SARS لأوّل مرة، اشتغلتْ أكثرُ من شركة على إنتاج لقاحٍ له لأنّ التوقّعات راجت أنّه سيتحوّل إلى وباءٍ عالميّ. غير أنّه اختفى. وعندما اكتشف العلماءُ الـ RNA الخاصّة بـ COVID – 19، حضّروا اللقاحَ استنادًا إلى الداتا والتقنيّات السابقة الخاصّة بـSARS. ومنذ أيّام قليلة بدأتْ دراسةُ هذا اللقاح!
لكنّ هذه الدراسة ستستغرق وقتًا طويلًا (ليس أقلّ من سنة) لأنها تمرّ بمراحل كثيرة. ففي البداية، يراقب العلماءُ إنْ كان اللقاحُ الذي حُقن به المتطوّعون غيرَ مؤذٍ، ثم يجري اختبارُه على فئاتٍ عمريّةٍ مختلفة، ويقاس مدى فعّاليّته (بحسب استدامته في الجسم، وردودِ الفعل الناجمة عنه، والعوارض الجانبيّة، واستجابة جهاز المناعة،…). لكنّ الشيء الذي لا نعرفه بعدُ هو: ما الذي نريد أن نقيسَه في جهاز المناعة كي نحسمَ إنْ كان اللقاحُ فعّالًا أو غيرَ فعّال؟ أمّا المرحلة الثالثة فيخضع فيها متطوّعون للحقن بهذا اللقاح، ويَخضع متطوّعون آخرون للقاحٍ آخر (مثلًا لقاح للإنفلونزا)، وتقارَن النتائجُ بين نسبة الإصابة لدى الفريقيْن. فإذا جاءت النتائجُ لصالح اللقاح الجديد، أُعلِنَ عن ترخيصه للفئة العمريّة المحدَّدة التي أخضعتْ للاختبار. ثم يُجرى الاختبارُ على فئةٍ عمريّةٍ أخرى، وتُطبَّق الخطواتُ نفسُها، وهكذا دواليْك.
لقد خَلق COVID – 19 تحدّيًا حقيقيًّا للعلم. فقد جرت العادةُ أن يُنتَجَ لقاحٌ لفئاتٍ حديثة السنّ، بينما هذا الفايروس يفتك بالفئات الكبيرة السنّ. وعلى العلم أن يأخذ ذلك في الاعتبار.
من الضروريّ أن يُنتَج لقاحٌ لهذا الفايروس، لأنّ هذا الأخير – نظريًّا – لن يتوقّف عن الانتشار حتى يصاب 70% أو 80% من سكّان الأرض، إلى حين تصبح لديهم “مناعةُ القطيع” (herd immunity). بمعنًى آخر: إذا أصاب الفايروس شخصًا، وكان كلُّ مَن حوله يتمتّع بالمناعة، فإنّ هذا الفايروس لن يستطيع أن ينتقل إلى أناسٍٍ آخرين، فيبقى عند المصاب نفسه، ويموت (أي الفايروس).
إذا أصاب الفايروس شخصًا، وكلُّ مَن حوله يتمتّع بالمناعة، فلن يستطيع أن ينتقل إلى آخرين، ويموت
*ما هي توقّعاتُكَ للعلاج، دكتور؟ متى يظهر الدخانُ الأبيض؟
– ذكرتُ لكِ سابقًا أنّ اللقاح الذي كان مُعدًّا لـSARS سوف يكون واعدًا لـCOVID – 19. ولكنّ السؤال يُطرح حول احتكار تصنيعه وتسويقه. كذلك بالنسبة إلى الأدوية التي ذكرناها سابقًا.
*ننتقل الآن إلى أسئلة الناس الذين حمّلونا إيّاها قبل إجراء هذه المقابلة: ما هو حجم الفايروس؟
– يُعتبر كبيرًا نسبةً إلى الفايروسات الأخرى. لكنّنا لا نستطيع رؤيتَه إلّا بالمايكروسكوب الإلكترونيّ.
* هل يمكن أن يتكاثر على أسطح كالخشب، والطرُق، والزجاج؟
– كلّا. إنّه يحتاج إلى خليّةٍ كي يتكاثر. وقد شرحتُ سابقًا آليّة تكاثره بيولوجيًّا.
* هل ينتشر بالهواء؟
– هذه الفرضيّة مُبالَغ فيها، وأعتقد أنّها غير دقيقة لأنّها انبنت على دراساتٍ نُشرتْ هذا الأسبوع نتيجةً لتقنيّات غير طبيعيّة على ما سأشرح قريبًا. كي نُثْبت هذا الأمر، المطلوب أن نؤكّد أنّ الفايروس انتقل عبر السعال والرذاذ من شخصٍ ما، ثمّ طار في الهواء (airborne)، ليلتقطَه شخصٌ آخر. هذا الأمر موجود فعلًا في بعض الفايروسات كالحصبة وجدريّ الماء، أو في بعض البكتيريات نفسها كالباكتيريا المسبِّبة لمرض السّلّ. لكنّ COVID – 19 ليست لديه القدرةُ التي تتمتّع بها الحصبةُ والجدريُّ على العدوى. الدراسة التي جرت لم تقل حرفيًّا إنّ الفايروس يطير في الهواء، بل قالت إنّه يطير في الرذاذ، وهذا الرذاذ يمكن أن يستمرَّ ساعتين في الهواء، ويسقطَ على أسطحٍ معيّنة (كالخشب أو الزجاج أو النحاس). ثمّ قاس العلماءُ دوامَه على كلّ سطح، فاتّضح لهم أنّ هذا الدوام يختلف بين سطحٍ وآخر. وقد أتت النتيجة بعد وضع الفايروس في ماكنةٍ للبخار (Nebulizer) تشتغل على الكهرباء حتى تُنتج البخار؛ ومن ثمّ فإنّ العمليّة مصطنعة، وسيتصاعد الفايروس بالتأكيد مع البخار – – وهذا يُشكّ في أن يحصل في الحياة الطبيعيّة!
أطمئنُ الناس إلى أنّ COVID – 19 لا يطير في الهواء. بل إنّ الحديث عن أنّه ينتقل في تمديدات مكيِّفات الهواء، من طابقٍ إلى طابق، عارٍ من الصحة، ولا توجد إثباتاتٌ عليه. لقد أثبتت الإصاباتُ في الصين وإيطاليا أنّها تكون عبر قُطيْرة (droplet) ناتجةٍ من سعال شخصٍ ما، ووصول رذاذ الرِّيق إلى شخصٍ آخر، بشكلٍ مباشرٍ أو عبر الأسطح إذا جرى لمسُها. لذلك نشدِّد على تعقيم اليدين.
* هل يمكن أن ينتقل بالماء؟
– كلّا. وأُطمئن الناس إلى أنّ الصابون يقتل الفايروس، وكذلك تفعل الكحول. لنفترضْ أنّ أحد المصابين بـ COVID – 19 سعل داخل المياه، فإنّ المياه لن تنقلَ هذا الفايروس لأنْ لا قدرةَ له على الاستمرار فيها. فهذا النوع من الفيروسات (RNA Viruses) لديه حساسيّةٌ مفرطة للعوامل الطبيعيّة، كالرطوبة والحرارة والخمائر.
* هل صحيح أنّ هذا الفايروس يموت على درجة حرارة معيّنة؟
– الفايروسات الباردة (cold viruses) تفضِّل درجاتِ حرارةٍ منخفضةً لكي تتكاثر. صحيح أنّها تتكاثر داخل جسم الإنسان على درجة حرارته الطبيعيّة؛ لكنّها خارج هذا الجسم، حيث لا حاضنةَ لها. والحرارةُ التي تفوق 30 درجةً لا تساعدها على البقاء، فتموتُ تدريجيًّا.
* يقال إنّ حدّة هذا الفايروس ستخفّ في فصل الصيف. أهذا صحيح؟
– هذا تمنٍّ، لكنْ لا أحد يعرف! صحيح أنّ هذه الفايروسات تأتي في موسم الشتاء، لكنّ آخر وباء عالميّ جاء في منتصف آب (أغسطس). وصحيح أنّ COVID – 19 حسّاس لدرجات الحرارة والرطوبة، إلّا أنّ لديه القدرةَ على التأقلم. ولمّا كانت العدوى تنتقل من شخصٍ إلى شخص، فإنّ درجة حرارة الطقس، أكانت مرتفعةً أمْ منخفضة، لن تؤثّر ما دام الفايروس داخل الحاضنة المناسبة له، أيْ جسم الإنسان. لذلك فإنّ الفعّاليّة القصوى للقضاء عليه هي في تفريق الناس بعضِهم عن بعض (social distancing).
* هل ينتقل بالصرف الصحّيّ؟
– كلّا.
* هل تنصح بأن نحافظ على الحيوانات الأليفة في منازلنا في مثل هذا الظرف؟
– توثّقتْ حالاتٌ عديدة عن إصابة الحيوانات الأليفة بعد إصابة أحد أفراد الاسرة. لقد تخطّينا مرحلةَ نقل الحيوان المرضَ إلى الانسان. آخرُ نظريّة تتحدّث عن حيوانٍ يسمَى “آكل النمل الحرشفيّ” (البانغولين)، يوجد في الصين وأنحاءٍ أخرى، بحجمٍ صغير (وزنُه حوالى٣ كيلوغرامات)، ويأكله البعضُ هناك. بعض الدراسات يرجّح أنّ هذا الحيوان كان الوسيطَ بين الوطواط والإنسان.
بعض الدراسات ترجّح أنّ حيوان البانغولين “آكل النمل” كان الوسيطَ بين الوطواط والإنسان
* هل عوارضُ الكورونا عند الأطفال تختلف عن العوارض عند الكبار؟
– ينتقل الفايروس إلى الأطفال بالطريقة التي ينتقل فيها إلى الكبار. ألفتُ نظرَكِ إلى أنّ الأطفال لديهم قدرةٌ رهيبةٌ على نقل الفايروسات؛ ففي دُور الحضانة والمدارس يتبادلون أغراضَ بعضهم بعضًا ويلعبون بعضُهم مع بعض، وهذا ما لا تمْكن السيطرةُ عليه، ما يعرِّضهم للإصابة أكثر من غيرهم. لذلك أتى قرارُ إقفال المدارس ودُور الحضانة [في لبنان] سليمًا. الأطفال هم البيئة الحاضنة لكلّ الفايروسات، وهم ينقلون العدوى إلى أفراد أُسَرهم وإلى أطبّائهم، لكونهم (أي الأطفال) لا يلتزمون معاييرَ التنظيف والتعقيم عادةً. الأطفال فوق السنة في الصين وغيرها (وهذه معلومة جديدة) أصيبوا بالمرض بشكلٍ خفيفٍ جدًّا، باستثناء حالة وفاةٍ واحدةٍ لطفلٍ يبلغ العاشرة، وكان على الأرجح يعاني مشاكلَ صحّيّة. إضافةً إلى حوالي 750 إصابةً في صفوف الأطفال، لكنْ تبيّن أنّ الفيروس لديهم يتكاثر بشكلٍ أكبر ممّا يتكاثر لدى الكبار، غير أنّهم لا يمرضون.
* لماذا؟
– النظرية المرجّحة هي أنّ لدى الأطفال مناعةً جزئيّةً إزاء COVID – 19، وأنّ جزءًا من هذه المناعة يخفِّف عوارضَ هذا الفايروس.
* هل المسنّون الذين لديهم جهازُ مناعةٍ قويّ يتعرّضون للعوارض التي تصيب المسنّين الذين يعانون أمراضًا مزمنةً؟
– المطلوب حمايةُ المسنّين، لأنّنا لن نتوقّع أن نميّز بين مَن سيتعرّض منهم لردّة فعلٍ قويّةٍ فيعاني مضاعفاتٍ، ومَن سيلتقط الفايروس ولا يتأثر إلّا قليلًا. في الصين، تبيّن أنّ نسبة الوَفَيَات ترتفع مع تقدّم العمر: فالفئة العمريّة الواقعة بين 60 و70 سنة كانت نسبةُ الوفَيات لديها 5٪ فقط؛ أمّا الفئة الواقعة بين 70 و80 سنة فقد كانت نسبةُ الوفيات لديه بين 7 و10٪ ؛ وأمّا الفئة التي تخطّت 80 سنة فقد كانت نسبةُ الوفيات فيها بين 15 و20٪ – – وهذا له علاقةٌ بتراجع دور الأعضاء.
* ما هو جهاز المناعة؟
– جهاز المناعة جهازٌ معقّد. هناك خلايا متخصّصة بالمناعة. كُريات الدم البيضاء عدّةُ أنواع، وكل نوعٍ له اختصاص. مثلاً، هناك نوعٌ مخصّص لمحاربة البكتيريا؛ ونوعٌ آخر يقوم بردّ فعل مباشر على أيّ هجومٍ ميكروبيّ؛ ونوعٌ ثالث عبارة عن خلايا تنفرد بمحاربة فايروس الحصبة مثلًا. وهذه الأخيرة خلايا مكتسبة من اللقاحات أو من إصابات سابقة بشتّى أنواع الجراثيم؛ فإنْ سبق للمريض أن أصيب في صغره بالحصبة، وعاد فأصيبَ بها بعد سنوات، فستتحرّك الخلايا لمحاربة الحصبة لأنّ جهاز المناعة “حفظ” الخليّةَ المانعةَ لهذا المرض – – وهذا ما نسمّيه “خلايا الذاكرة” (memory cells). في المقابل، هناك خلايا تصنع المضادّاتِ الحيويّةَ للحصبة. عند المسنّين تصبح خلايا الذاكرة كأيّ شيءٍ آخر في جسمهم، فتضعف مثله.
* وكيف نقوّي جهازَ المناعة؟
– بالتوازن في الغذاء. ليس مطلوبًا أن نقوم بإضافاتٍ لتقوية المناعة. زيادة الفيتامينات لن تقوّي المناعةَ. لكنْ إذا كان لدى الشخص نقصٌ ما، فمن المفضَّل أن يتناولها. وأنصحُ بفيتامين D لمن لا يتعرّض للشمس بشكلٍ كافٍ. النوم الجيّد والرياضة مهمّان أيضًا لانتظام جهاز المناعة.
* هل المرأة الحامل المصابة بـ COVID – 19 تنقل المرضَ إلى جنينها؟
– كلّا. حتى اللحظة، لم يتبيّن من كل الإصابات في الصين أنّ الفيروس انتقل إلى الجنين من أمّه. ألفتُ النظرَ إلى أنّ جهاز مناعة الحوامل أكثرُ تعرّضًا لردّة فعلٍ قويّة إنْ أُصِبْن.
* وماذا عن مرضى السرطان؟
– طبعًا نخاف على مرضى السرطان. لكنْ ليس كلُّ مرضى السرطان يعانون الضعفَ نفسَه في المناعة. ومع ذلك، وبشكل عامّ، فإنّ مناعتَهم ضعيفة. لذا علينا حمايتُهم من خلال حماية محيطهم.
* ما هي المعقِّمات التي تنصح بها؟
– الماء والصابون، الكحول ٧٠٪، ديتول، كلوركس.
* هل أكلُ الديليفاري (الواصل إلى البيت) ينقل العدوى؟
– أنصح بإعادة تسخينه بالفرن أو المايكروييف، لأنّ الكورونا سيموت عندها.
بيروت