التعليم عن بُعد… كالبُعد عن هدف التربية والتعليم. بقلم : البروفسورة جيهان جبور طوق
لطالما كان لبنان السبّاق في تطوير قدراته وامكاناته التعليمية والتربوية ورفدها بكل الوسائل المستحدثة والتنموية للوصول إلى أرقى مراتب العلم والتطور العلمي، لذلك لا يختلف إثنان على مستوى التعليم في لبنان في كل جامعاته ومدارسه، والتقدم العلمي يبرز إلى حيّز الوجود في التقدم الجامعي والدراسي والطبي والهندسي والقانوني وهذا ينعكس في الكثير من المجالات الإجتماعية والعلمية والصناعية والإقتصادية.
غير أننا اليوم نجد أنفسنا تحت وطأة خطر فيروسي داهم قد أركع كبرى دول العالم وشتت أركانها وأذرفها الكثير من الدموع، فيروس الكورونا المستفحل عالمياً والذي تهديده يكبر ويتضاعف بين دقيقة وأخرى،ففي ذلك العالم الشاسع بلدٌ صغيرٌ اسمه لبنان وهو ليس بمنأى عن هذا الفيروس الذي ضربه شأنه شأن كل الدول ولكن العناية الآلهية شائت أن تجنبنا إلى الآن المواجع الكبيرة، ويقبع اللبنانيون في منازلهم تحت حجر صحي، ملتزمون بأغبليتهم لدرء خطر الكورونا عنهم وعن أولادهم ولكسر سلسة تفشي هذا الفيروس القاتل.
إننا نعيش زمناً يشبه زمن الحرب، والعدو واحد وعلينا أن نواجهه جميعاً باتباع الإرشادات التوعوية والوقائية التي تطلقها وزارة الصحة والأطباء المختصون والتي تساهم الوسائل الإعلامية كافة في نشرها لتوعية الناس والمواطنين، ولذلك أضطر تلامذة لبنان أن يلزموا منازلهم مع أهلهم وأن لا يغادروها إلا عند الضرورة القصوى، تماماً كأيام الحرب،التي عشناها على مضض وانتظرتنا مقاعد الدراسة إلى أن عدنا واستكملنا تحصيلنا العلمي وها نحن نخوض الحياة من جديد… وكأننا اليوم نخوض لحظات الحرب والملاجئ من جديد.
نحن في زمن يتطلب الشجاعة والتضحية والتضامن والتكافل في العائلة الواحدة، المطلوب اليوم هو دعم المستشفيات الحكومية والخاصة والوقوف عند حاجاتها الطبية وحاجات طواقمها، هؤلاء الجنود البواسل، الممرضين والممرضات والأطباء والعلماء والباحثين والمتطوعين للخدمة الإنسانية وعلى رأسهم الصليب الأحمر وكل المنظمات الإنسانية والموظفين الإستشفائيين،المطلوب اليوم رفع قدراتهم الطبية والمعنوية بكل الوسائل المتوفرة من دعم مادي من الدولة وتبرعات المخيرين ودعم معنوي فائق الحدود من قبل كل الجهات، من حكومة وجهات دولية والشعب اللبناني، لأن هؤلاء ينظرون للموت في عينه ويقولون له سنواجهك بأرواحنا لكي نمنعك من اختطاف أرواح بريئة، نعم، إنهم يقفون على خط النار وخط التماس مع أعتى عدو، عدو صامت يتسلل بشكل غادر ومميت، القذائف كنا نسمع صوتها، أما معه، لا نسمع سوى صوت الرحيل، صوت البكاء والفقدان.
المطلوب اليوم نوعٌ جديد من التربية، التربية العائلية والتلاحم بين الأهل في البيت الواحد، تجديد أواصر العائلة بين الأب والأم والأولاد، اليوم وأكثر من أي يوم، المطلوب التقارب العائلي المتجدد والصلاة والتمتع بجلسات عائلية مميزة، المطلوب هو تربية تقوم على مقاومة ومواجهة الكورونا بالتعرف والوعي ومعرفة أبعاد ذلك الفيروس القاتل.
أكثر ما هو مطلوب اليوم هو التصدي للكورونا عبر تعليم أولادنا وتطويرهم أخلاقياً واجتماعياً،وليس أن نخلق لهم عالماً افتراضياً بحيث أنهم ينفصلون عن الواقع وعما يجري في البلد ويتابعون دروسهم عبر خاصية أل “أونلاين” أو ما يعرف بالتدريس عن بُعد، وكأننا نقول لهم، لا تقلقوا ولا تكترثوا لما يجري في دول العالم كلها، ولا تتقاربوا من بعض في البيت الواحد لكي نتبادل الواجبات والأحاديث، بل اذهبوا إلى شاشات الكومبيوتر وادخلوا عالماً دراسياً افتراضياً، وكأن المطلوب هو تحويل التلميذ في زمنٍ استثنائي إلى ماكينة واحدة مع الكومبيوتر وزيادة الأعباء على أهله بكلفة الإنترنت وعزله عما يجري من أحداث في وطنه، ونحن لسنا في موضع الإزدراء بالتعليم التقني عن بُعد، فتلك خاصية مهمة على وزارة التربية تطويرها لكي يستحصل الطالب على تعليمه من الخارج دون الإضطرار للسفر وأيضاً وبالمثل، للطالب من أصل لبناني ويريد الإستحصال على تعليمه وشهادته اللبنانية دون الإضطرار أيضاً للسفر كثيراً.
ما هو هذا الهمّ الكبير إن تأخر العام الدراسي شهرين أو حتى أكثر، قضينا سنين في الملاجئ ولم يتأخر تحصيلنا الدراسي، وما الفائدة اليوم من تحميل الأهل اعباءً إضافية مثل تأمين الإنترنت المتواصل وشراء المعدات اللازمة فقط لكي ينعزل الطالب في منزله أمام شاشته ويكون التعليم جافاً وليس فيه أي تواصل إنساني يقربه من الإنسان ومن الأهداف السامية للتربية الإنسانية والتقارب البشري.
لنتحد من أجل تربية أفضل، لنتحد ونخصص كل جهودنا لتوعية بعضنا وللتقارب العائلي ضمن العائلة الواحدة في البيت،
لنطلق التربية الإجتماعية والإنسانية فالتربية التعليمية ستعود آجلاً أم عاجلاً، فلنستغل وجودنا في البيت لكي نزيد التواصل مع بعض وليس مع الشاشات والهواتف الذكية، وأخيراً فلنضع كل جهودنا ومقدراتنا بيد كل عالمٍ وباحثٍ وطبيب وممرض وصيدلاني ومتطوع في الصليب الأحمر وكل منظمة انسانية لأنهم هم من بحاجة اليوم إلى كل وسيلة دعم مادية كانت أم بشرية أم معنوية ولنعلّم أولادنا على ثقافة التحام العائلة ولنبتعد قدر الإمكان عن الإنعزال الإفتراضي ولنخفف وطأة الأيام على الأهالي في هذا الزمن العصيب.
البروفسورة جيهان جبور طوق