“ما حدا بيعبي مطرحك بقلبي”… لماذا لا ننسى الحب الأول؟
“نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى، ما الحب إلا للحبيب الأول…” (أبو تمام)
تمرّ السنوات وتصادفون وجوهاً جديدة وتعيشون قصص حب لذيذة، فتعتقدون أنكم شفيتم تماماً من حبكم الأول، ولكن فجأة، وعند سماع أغنية رومانسية معيّنة، أو عندما تقصدون مكاناً ما أو تشمون رائحة عطر معيّنة، تعود إلى أذهانكم صورة الحبيب الأول، بحيث تتذكرون جميع التفاصيل الجميلة واللحظات المميزة بوضوح كما لو حدثت بالأمس، فتتسارع دقات قلبكم وأنفاسكم، وعندها تلاحظون أن الحب الأول لا يزال يحتل حيّزاً مهماً من عقلكم وقلبكم، رغم مرور كل هذه السنوات.
واللافت أنه حتى إن صادفتم شخصاً مميزاً اجتاح حياتكم وقلبها رأساً على عقب، بعدما تولدت بينكما مشاعر جميلة وعاطفة جياشة، إلا أنه يبقى للحب الأول نكهة خاصة ونوستاليجا تعزف على وتر قلبكم إلى الأبد.
ما الذي يجعل المرء غير قادر على الشفاء من الحب الأول؟
فوز الحب الأول
“بعد مرور سنوات على طيّ صفحة أول علاقة حب عشتها، قمت بمواعدة العديد من الرجال، إلا أن هذه العلاقات العاطفية كانت تنتهي دوماً بخيبات أمل… والمشكلة لا تكمن في الرجال الذين تعرفت عليهم، بل المشكلة متعلقة بي، إذ لطالما كان هناك شيء في داخلي يعيدني إلى حبي الأول، الأمر الذي لم يسمح لي أن أقدّر قيمة الرجال الذين صادفتهم في حياتي”.
هذا ما قالته نيبال (اسم مستعار) البالغة من العمر 27 عاماً، لرصيف22، والتي أضافت: “في كل مرة كنت أحاول فيها أن أعطي فرصة لشريكي الجديد، كان عقلي يعيدني إلى الذكريات القديمة واللحظات المثيرة التي أمضيتها مع حبيبي الأول، فأقوم وعن غير قصد بمقارنة الحبيبين ويميل قلبي فوراً إلى الحب الأول”.
تعرفت هذه الشابة على معنى الحب حين كانت لا تزال على مقاعد الدراسة، فاحتل وليد (اسم مستعار) جزءاً كبيراً من قلبها، أما علاقتهما فكانت مليئة بالتشويق، وفق ما قالته: “في البداية كان يرافقني يومياً بعد المدرسة لحين وصولي إلى المنزل، حيث يطبع على فمي قبلة سريعة ويغادر مسرعاً قبل أن يراه أحد، أما في المدرسة فكنّا نتبادل الرسائل الغرامية والتي كنت أحتفظ بها في علبة صغيرة في خزانتي… كانت علاقتنا سرية وفيها الكثير من الـsuspence (الإثارة) والغموض، وبالفعل تمكنا من إخفاء حبنا عن الجميع وتظاهرنا بأننا مجرد زملاء دراسة”.
غير أن هذه العلاقة لم تستمر لفترة طويلة، بحسب ما تكشفه: “بعد التخرج من المدرسة قرر أن يلتحق بإحدى الجامعات في لندن، ظننا أن حبنا سيتخطى العوائق الجغرافية إلا أن الاتصال سرعان ما انقطع بيننا… لم يبق سوى الذكريات الجميلة، وأكثر ما أخشاه ألا يتمكن أحد من سدّ الفراغ العاطفي الذي خلّفه”.
حال نيبال يشبه حال الكثير من الأشخاص الذين يخشون ألا يكون بوسعهم أن يعرفوا مذاق الحب من جديد، فالحب الأول يبقى متأصلاً في أدمغتهم وقد يمنعهم من تسليم قلبهم لشخص جديد.
يعتبر الكثير من علماء النفس أن الحب الأول يبقى مترسخاً في العقل والقلب لدرجة أنه يكون من الصعب التغلب عليه أو التخلص من تأثيره، ويقارن العلماء الحب الأول بالشخص الذي يقوم لأول مرة بالقفز الحر بالمظلة، مع ما يحمله ذلك من مشاعر وأحاسيس قوية ومشوقة يختبرها المرء لأول مرة، هذا ويمكن للحب الأول أن يكون وقعه قوياً نتيجة المواد الكيميائية التي تغمر الدماغ للمرة الأولى، مثل السيروتونين، النورإيبينيفرين والدوبامين، والتي تجعل المرء يشعر بحالة من “النشوة” مع الطرف الآخر.
يقارن العلماء الحب الأول بالشخص الذي يقوم لأول مرة بالقفز الحر بالمظلة، مع ما يحمله ذلك من مشاعر وأحاسيس قوية ومشوقة
أشار موقع narcity إلى أن الحب الأول قد يفتح باب المقارنة بسبب التأثير الكبير الذي يحدثه، بحيث يقول البعض مثلاً: “إنه لطيف لكنه ليس مايكل (اسم الحبيب الأول)”، “إنها جميلة ولكن لا أحد مثل كاري (اسم الحبيبة الأولى)”، وأضاف الموقع أنه مع التقدم في العمر، يقع الحب الأول في ما يطلق عليه العلماء مصطلح “ضربة الذاكرة memory bump” وهي الحقبة الذهبية التي يمر بها الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و26 سنة، حيث يتذكرون أعز الذكريات على قلبهم.
في هذا الصدد، أكد غاري كارانتزاس، أستاذ علم النفس في جامعة ديكين، أن معظم الناس لديهم ذكريات حيّة عن علاقاتهم العاطفية الأولى، نتيجة “مقدار الانفعال الذي تم اختباره أثناء خلق هذه الذاكرة”، مضيفاً: “عندما نفكر في أول حب ونفكر في العاطفة والفيضانات العاطفية التي اختبرناها، كذلك الألم الذي عانينا منه بعدما تحطم القلب لأول مرة، فإن هذه الأشياء تميل لكي تصبح جزءاً لا يتجزأ من ذاكرتنا”.
الحب الأول… لا يموت
في الحياة هناك دوماً “أول مرة” لكل شيء، فالإنسان يمرّ بعدة تجارب، بعضها يظل راسخاً في ذهنه إلى الأبد، كالحب الأول واللحظات الجميلة التي قضاها برفقة الحبيب، فمهما مر الزمن وطال قد لا تستطيع الأيام أن تمحي من الذاكرة أول لمسة يد، أول عناق، أول قبلة وأول كلمة “أحبك”، بين العشاق…
لا شك أن الشعور بالحب هو دائماً شيء مميز، إلا أن الحب الأول يبقى مختلفاً، فعندما نفكر في حبنا الأول هناك مشاعر تجتاحنا ويصعب تفسيرها، مشاعر لم يسبق أن شعرنا بها من قبل، وعلى الرغم من أن هذه العلاقة قد تكون قصيرة ولا تتكلل بالنجاح، إلا أن الحب الأول يبقى جزءاً رئيسياً من حياة المرء حتى مماته.
فما هي الأسباب التي تجعل الحب الأول “خالداً”؟
لا شك أن هناك العديد من العوامل التي تجعل الحب الأول أقوى من غيره:
اختبار أحاسيس جديدة: أوضح موقع mensxp أن الحب الأول يبقى مترسخاً في الأذهان، لأنه يجسّد المرة الأولى التي تشعرون فيها بهذه الأحاسيس القوية، والمرة الأولى التي تنظرون فيها إلى شخص ما وتشعرون بأن قلبكم يدق بسرعة، والمرة الأولى التي تكتشفون فيها حالة الهذيان التي تجعلكم تبحرون في عالم خيالي، والمرة الأولى التي تختبرون فيها الجنون الداخلي والإثارة التي لا يمكن السيطرة عليها، فبمعزل عن عدد الشركاء الذين قد تقابلونهم في وقت لاحق، إلا أنه لا يمكنكم أن تنسوا أن أول قبلة حقيقية كانت مع هذا الشخص الذي وقعتم بحبه بشكل جنوني.
البراءة الضائعة: الحب الأول بسيط، مجنون وجامح، إنه أشبه بشعور الطائر الذي يكتشف لأول مرة أنه قادر على التحليق، فالشخص الذي يقع في الحب لأول مرة يغامر من دون خوف، لا يخطط للوقوع في الحب وليس بإمكانه السيطرة على مشاعره أو أن يرغم نفسه على أي شيء، فيكتفي بإغماض عينيه والاستسلام للحظة، ومع الأيام يتم فقدان تلك “البراءة” التي كانت تكلل الحب الأول، بحيث لن يتمكن المرء من أن يحب مجدداً دون خوف، فيصبح حذراً في رحلة بحثه عن حب جديد، أما في أعماق قلبه فيتوق إلى الحرية والعفوية والجنون التي طبعت حبه الأول.
التغيير: إنها المرة الأولى التي ينكسر فيها قلبكم، وكأنكم استيقظتم فجأة من حلم جميل، وبالتالي فإنكم لن تعودوا الشخص الذي كنتم عليه، فعلى الأرجح ستتخلون عن عفويتكم، وتبدؤون بوضع حسابات لكل شيء وتحليل كل شخص، والتفكير مئة مرة قبل أن تقولوا “أحبك” للطرف الآخر، فالحب الأول يجعلكم أكثر حذراً ويخلّف في داخلكم فراغاً من الصعب سدّه.
تجربة جديدة: من المحتمل أن يكون حبيبكم الأول قد شجعكم على تجربة أشياء جديدة ومواجهة تحديات معينة، وكان مسؤولاً بشكل جزئي عن نموكم الشخصي، وفي بعض الحالات يكون الحب الأول مرتبطاً ببعض التغيرات الجسدية وردود الأفعال العاطفية والكيميائية التي تصاحبها، سواء كانت القبلة الأولى أو فقدان العذرية، وغيرها من المسائل التي تشكل ذكريات حيّة ترافقكم طوال حياتكم.
هناك دوماً “أول مرة” لكل شيء، فالإنسان يمرّ بعدة تجارب، بعضها يظل راسخاً في ذهنه إلى الأبد، كالحب الأول واللحظات الجميلة التي قضاها برفقة الحبيب، فمهما مر الزمن قد لا تستطيع الأيام أن تمحي من الذاكرة أول لمسة يد، أول عناق، أول قبلة وأول كلمة “أحبك”…
في الختام لا يأتي مصطلح “الحب الأول” عن عبث، فنحن لا نسمع أبداً عن الحب الثاني أو الثالث أو العاشر… هذا لا يعني بأن الحب يطرق باب القلب مرة واحدة فقط، ولكن مهما مرّت السنوات وتعددت العلاقات فإنه لا يمكننا أن نقع في حب مشابه للحب الأول، إذ إن المشاعر التي اختبرناها أثناء الحب الأول لن تتكرر مطلقاً، كما أنه سيبقى للحبيب الأول مكانة في قلبنا لا يمكن لأحد أن يحتلها مجدداً، وعليه فإننا لن نتمكن يوماً من الشفاء من الحب الأول، بل سوف تعلمنا الأيام كيف نمضي قدماً في دروب حياتنا.