يا كرم “الشمالي”…عنقودك لنا!!بقلم “مايا نهرا”

صدى وادي التيم-رأي حر بأقلامكم/
يا كرم “الشمالي”…عنقودك لنا!!
كنت في طريقي الى قريتي عندما صادفت هذه الفتاة الشقراء الجميلة راكبة على الترك truck قرب والدها، عدت حينها طفلة اترجى والدي ان يوقظني فجرا لأرافقه الى كرم الشمالي. لم يكن أبي يلبّي طلبي بمرافقته دائما اذ غالبا ما كان يتحجّج بانه “فيقتك بس انت ما فقتي!”
كم تمنّيت لو ان أحدا أخذ صورة لنا: والدي بكوفيته السوداء يقود الترك وانا طفلة أجلس فوق الدولاب، تكاد أصابعي تلامس الحديد الصدئ وأكاد أسمع هدير المحرّك. حتى تلك العصا الطويلة التي يسمونها “الفيتاس” يفوح منها رائحة زيت التشحيم ويدخل أنفي، بل ان هواء أبل البارد يصفع وجنتيّ الآن…
منذ أربعة عشر عاما غادر أبو خالد الوعر والكرم والحارة والبيت، كنت حتى الأمس القريب أعتقد انه وبعد خسارته لأعماله التجارية، وخسارته لأسنانه وخسارته لحرّيته وخسارته لأمواله في المصرف نتيجة انتمائه السياسي المقاوم، قد اعتزل الحياة وسئم النضال وصمت عن كل من أذاه او تفرّج…
لسنوات طوال اعتقدت ان وعر الشمالي الذي تحوّل بستانا متدرّجا الى ضفاف نهر الحاصباني هو البدل عن ضائع في وعر النضال نحو وطن حرّ وشعب سعيد!
ولكن لا، لم يكن من شيء اسمه الصدفة، حتى الإهمال الذي اتهمته به مرارا ليس الا سترا لوقار المرحلة… تتجمّع الخيوط تباعا فأفهم ولو بعد حين ان ربطات الخبز التي كان ينزل بها للكرم لم تكن لتطعم سمك النهر… ليست كل الدعسات التي كان يتفقّدها بتأنّ هي دعسات لحيوانات برية… كل الجدل معه على ان ما من حيوان يأكل العنب حبة حبة كان في محلّه!
تيرموس القهوة لم ينساه تحت العريشة، وشهية والدي لم تكن بحجم لفافات اللبنة الكثيرة… كنت اسبقه لأتفقّد العرائش النائمة تحت مطاعيم الزيتون، لكنني لم أستطع ان اسبقه لإطعام سمك النهر!
بعد أعوام طوال، فهمت لماذا لم يتم اصلاح حنفية الحاووز المكسورة، ونظرية النحل بدو يشرب مي صحيحة بس مين هني النحلات!!
بعد أعوام طوال فهمت اين ذهبت براغي سكة الحديد المتروكة تحت السنديان..
فهمت لماذا كان مدخل البيت وجلسة المساء من ناحية الغرب… باردة ونديّة مساءات القرية من الغرب، وضوء المنزل من جهة الشرق فهمت الان لماذا كان في آخر الحاكورة…
لم تكن رمّانتنا المتروكة على زاوية البيت يوما شهية، كانت أشواكها تعيق تسلّقنا الى الزنزلختي لتأمين مونة النقّيفة، كثيرا طالبنا بإزالتها من الوجود ولم يقنعنا يوما جوابه ان رمانها لذيذ مع أقراص الكبة…
راحوا العنزات وبقيوا التبنات وبقي البيت العتيق على حاله، ما تزبّط وما تكركع، ضللوا التبنات للتحرير!
قطع كثير وقت يا بيي لاعرف انه طريق النحل بتمرق من حد البيت، وانه السمك السارح بمجاري الجنوب كان في مين يطعميه، وانه العريشة بالكرم بتمدّ وبتفيّي وبتحلّلي.., وبتخبّي
أخدتني كتير لأفهم انه شوك الرمّانة بيحمي مش بس بيجرح!
والضو بالحاكورة بيضوّي مش بعزقة!
الردّادة لازم تزيزق وما تتزيّت، صوتها بيوعّي!
السكة مش متروكة للصدأ، فعلت فعلها وفلحت دروب التحرير!
بحياتك ما كان في شي
مايا نهرا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى