أمير البيان، شكيب أرسلان، قامة عربيَّة مِن الموحِّدين الدروز.
صدى وادي التيم – متفرقات /
لم يتجرأ مؤرخو العرب قديماً وحديثاً على القول أنَّ مسلمي الأمصار من بلاد فارس وبلاد بني عُثمان انضووا في الإسلام لأسباب لا تمُتُّ للعقيدة، بل اعتنقوا هذا الدين لسبب واحد وهو أنْ يُمسكوا في بلاد العرب ويحكموا السيطرة على شعوبها، ومجريات التاريخ تجعلك لا تستغرب ما يجري الأن في البلاد العربيَّة إذ عادت تركيا وإيران من الباب العريض وإسرائيل من الباب الواسع حتى يبسطون السيطرة على الرقاب والعِباد، تارة بإسم الدين الإسلامي وطوراً طبقاً لمعاهدات السلام واتفاقيات ترسيم الحدود البحرية والبرية.
ولأن التاريخ دائماً يُعيد نفسه.
أُعيد التذكير بما قاله المؤرِّخ المقرِّي عن مِحنَّة الإمبراطوريَّة الإسلاميَّة العربيَّة أثناء سقوط الأندلس والتي يُمكن تعميمها على الدول العربيَّة الأن وهي تنعم بالربيع العربي الدائم والمستمر.
وبينما كان السلطان محمد الحادي عشر ( أبو عبدالله ) منصرف عن عاصمته غرناطة يوم ٢ كانون الثاني من العام ١٤٩٢م. حانت منه التفاتة أخيرة إلى مُلكه، فتأوَّه
وجرت عبراته ودمعت عيناه، فنهرته أمُّه وقالت :
يحق لك أن تبكي كالنساء مُلكاً لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال .
في المُدونَّة :
في ٣٠ أيلول من العام ١٩١٨م. رفع سلطان الأطرش العلم العربي فوق دار الحكومة في دمشق، وهو أول علم عربي يُرفرف في سماء العرب بعد إحتلال دام ٤٠٠ سنة ونيف من إمبراطورية عُثْمَانية بغيضة عاهرة وبائدة.
لم ترُّف أعين من سرق هذه الثورة العربيَّة الكبرى بقيادة ذلك الغضنفر الموحِّد الدرزي السوري لأنَّ مؤرخي شهود المصطبة تعمَّدوا صياغة قِصَّص نيل الإستقلال من أكاذيب حارات دمشق القديمة على وقع أصوات القباقيب وألوان الطرابيش والسراويل والقمابيز والشالات العريضة والسفسطة الحكواتية حتى تخدع عقول الجيل العربي الجديد الذي لا يقرأ، بدلاً من تذكيرهم سنوياً برفع العلم الذي كان شعاره :
( الدين لله والوطن للجميع ) عوضاً عن تلك الرسومات المُبكيَّة والمُحزنة والمُضحكة على الاعلام العربيَّة من أرزةٍ ذابلةٍ دامعةٍ، إلى سيفٍ في غِمده مدسوس، إلى تاجٍ في خزانةٍ مصفوف، إلى نجومٍ فوق أكتافٍ مرصوص، إلى هلالٍ في ليل مفقود وغيرها من ترَّهات وشعارات وطنجيَّة لا في العير ولا في النفير يُحسب لها حساب.
عندما استأذن بنجامين فرانكلين وزير خارجية الثورة الأميركيَّة المجيدة الجنرال البطل ( قائد الثورة جورج واشنطن ) لزيارة مكتبة الاستانة ( استانبول ) استغرب طلبه، ولكن كاتب وثيقة الاستقلال توماس جفرسون تدَّخل وقال : دعه يزور المكتبة ليطلِّع على الفرمانات الهمايونية التي أحكمت بموجبها الإمبراطوريَّة العثمانيَّة السيطرة على بلاد العرب.
والأكثر كرامةً عربيةً، والأشد غيرةً وطنيَّة تحلَّى بها جمهرة مِن قامات رافقت ذلك الغضنفر سلطان الأطرش، يأتيك موحِّد درزي أخر هو الأمير شكيب أرسلان بعد سقوط الإمبراطوريَّة العُثمانيَّة البغيضة يدعو إلى الوحدَة العربيَّة قبل أي إنسان عربي، وذلك من أجل الحفاظ على استقلال العرب من أطماع الغرب.
أين نحن الأن مِن رجالات عظام تقبل …
الفرس شرقاً ينهشون الكرامة العربيَّة.
والاتراك غرباً يقضمون ما تبقَّى مِن عزَّة عربيَّة.
واليهود وسطنا يهرولون ويتوعدون.
والأُخوة في الدين الواحد بيننا يثأرون ويفتُّون ويحللون وما زالوا يتذكرون، ويصيحون الله أكبر عند القتل والتدمير.
والحُكَّام وسطنا ينهبون ويسرقون ولا يُبالون، خاصة في مغارة علي بابا لبنان 🇱🇧.
للَّه … ما هذا الذِّل والهوان والخنوع الذي نشهده في بلادنا العربيَّة.
بالله عليك اسمع ندائي يا غضنفر العرب أنت وصحبك.
وأقرأ صرختي يا أمير البيان.
يا شكيب أرسلان.
أقول عنك لقُرائي …
أنتَ :
مِنْ الشخصيات العربيَّة المُثيرة للجدَل.
مِنْ الشخصيات العربيَّة الغزيرة في الانتاج.
مِنْ الشخصيات العربيَّة التي استحقَّت إمارة الحسَّب، وإمارة اللُّغَة.
مِنْ الشخصيات العربيَّة التي تنقلَّت بين الدول كإبن بطوطَّة.
أنت شكيب أرسلان، ذلك المُوَحِّد الدرزي الذي سبح في بحر من الأديان المليئ بأسماك القرش والحيتان، مُتنقِلاً من شاطئ إلى شاطئ، بعد أن أنهكته أقلام التحريف والافتراء.
شكيب أرسلان :
هو أمير البيان بسبب كونه أديباً وشاعراً عربياً.
هو أمير مِن عائلة أرسلان الدرزيَّة المقيمة في لبنان.
هو سياسي يُجيد إلقاء التصاريح الجريئة.
هو أول من نادى بالوحدَة العربيَّة قبل أي إنسان، واتهموه أنَّه يؤيد بني عثمان، في بلادٍ يجيدون التحريف والكذب، لأنَّه قال يوم حرب البلقان ضد بني عثمان أنَّه يقف مع السلطان العثماني، فاتهموه بأنَّه عثماني، أمَّا لَمَّا انتقد الأتراك بعد اتجاههم للعلمانية إثر سقوط إمبراطوريتهم، صرَّح يومها بالوحدة العربيَّة حفاظاً على الأُمة، بديلاً عن السلطنة العُثمانيَّة البائدة.
أسقطوا هذا التصريح عنه، لأنَّه جاء من مُوحِّد درزي، وأبقوا على أنَّه يؤيد الإمبراطوريَّة العُثمانيَّة البائدة.
هذا هو حال أقلام بعض مؤرخي العرب في التحريف والكذب والتلفيق حتى استحقوا عن جدارة، لقب جماعة حزب الملامَة والندامَة.
عند هذه الاقلام الرخيصة والضعيفة، إذا قُلت يوماً أنَّ بني عثمان سبقوا العرب إلى إحتلال القسطنطينية، يعتبروك عُثمانياً مؤيداً لهذه السلطنَّة.
وإذا اعترفت بأنَّ الفرس حافظوا على تُراث بابل ونقلوه إلينا، يتهموك بأنك مجوسياً.
تعريف للأمير شكيب أرسلان ..
تاريخ ميلاده : ٢٥ كانون اول ١٨٦٩ م.
تاريخ وفاته : ٩ كانون اول ١٩٤٦م.
لقبه : أمير البيان.
من بلدة الشويفات، تقع جنوب عاصمة لبنان بيروت.
أساتذته وأصدقائه :
جمال الدين الأفغاني. أحمد شوقي. الشيخ عبد الله البستاني الذي علَّمه في مدرسة الحكمة. الإمام محمد عبده. محمود سامي البارودي. عبد الله فكري. محمد رشيد رضا، الشيخ إبراهيم اليازجي، إسماعيل صبري
وغيرهم من أعلام الفكر والأدب والشعر في عصره.
أشهر مؤلفاته ..
الحلل السندسية.
لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم.
الارتسامات اللطاف.
تاريخ غزوات العرب.
عروة الاتحاد.
حاضر العالم الإسلامي.
استحق لقب أمير البيان لغزارة كتاباته، ويعتبر واحداً من كبار المفكرين ودعاة الوحدة العربيَّة.
شكيب أرسلان والوحدَّة العربية ..
لمَّا وجد شكيب أرسلان الوطن العربي والإسلامي فريسة للمستعمرين والغزاة المحتلين بعد سقوط تلك الإمبراطورية العُثمانيَّة البائدة، صرَّح وأبدى وعياً قوياً وبُعْد نظر ثاقب بضرورة الوحدة العربيَّة وأهميتها في مواجهة أطماع المستعمرين ومؤامرات الغزاة لإضعاف الأمة العربيَّة وتفتيتها إلى دول حتى يسهل لهم السيطرة عليها.
أعطى شكيب أرسلان مسألة الوحدة العربيَّة كل وقته، وكل اهتمامه وأوقف عليها حياته.
كَرَّس شكيب أرسلان مقالاته إلى قيام الوحدة العربيَّة الكبرى، التي كان يرى فيها الخلاص من حالة الضعف والاستكانة التي سادت الأقطار العربيَّة، وجعلتهم فريسة للمستعمر الأجنبي.
كما سبق وأشرت، تعرَّض شكيب أرسلان بسبب مواقفه الوطنية للكثير من الاضطهاد من المستعمرين، وحيكت ضده المؤامرات العديدة من الاستعمار، ومن أذنابهم الاقلام العربيَّة الرخيصة، الذين يدَّعون انتسابهم إلى العروبة والذين يجيدون التشويه والافتراءات والأكاذيب.
أمَّا ما قام به المُفوَّض السامي الفرنسي بتشويه صورة شكيب أرسلان، هو أمر مألوف من ممثل دولة مُستعمِرة، أمَّا ما قام به ويقوم به بعض أقلام العرب الوضيعة هو مرفوض وغير مقبول.
يُعتبر شكيب أرسلان من أوائل الدعاة إلى إنشاء الجامعة العربيَّة، إن لم يكن أوَّلهم على الإطلاق، ففي
أعقاب الحرب العالميَّة الأولى مباشرة دعا شكيب أرسلان إلى إنشاء جامعة عربيَّة، ولمَّا تألفت الجامعة العربيَّة كان سرور شكيب أرسلان لها عظيماً، وكان يرى فيها الملاذ للأمة العربيَّة من التشرذم والانقسامات، والسبيل إلى نهضة عربيَّة شاملة في جميع المجالات العلمية والفكرية والاقتصادية.
كان شكيب أرسلان مولعاً بتمجيد العرب والعروبة، كما كان يضيق بالشعوبية وأهلها، ويراها حركة تخريب لمدنية العرب وإضعافاً لعزائمهم وجموداً لأفضالهم.
كان يقول :
إنَّ لكل عصر شعوبية، وشعوبية هذا العصر هم أولئك الأدباء والكُتَّاب الذين يهاجمون العرب والعروبة.
وبلغ من حرصه على هويته وقوميته العربيَّة أنَّه كان يخطب دائماً باللغة العربيَّة في رحلاته إلى أمريكا وأوروبا، مع تمكُّنه وإجادته للإنجليزية والفرنسية والتركية وإلمامه بالألمانية.
كان شكيب أرسلان من أوائل الذين تصدُّوا لخطر الوجود اليهودي في فلسطين، وسعى مخلصاً إلى دعوة العرب إلى جمع الشمل والتصدي لتلك المؤامرة، وحذَّر أبناء فلسطين من الخلاف والشقاق، لأنَّ في ذلك تقوية لآمال الإنجليز واليهود ويزيدهم طمعاً في فلسطين، ولم يقل يوماً أنَّه لو بقيَّت السلطنة العُثمانيَّة كان العرب تجنَّبوا نكبة فلسطين، بل كان من دُعاة الوحدة العربيَّة، كما سبق وذكرت ..
عاش شكيب أرسلان نحو ثمانين عاماً، قضى معظمها في القراءة والكتابة والخطابة والتأليف ونظم الشعر.
كتب في عشرات الدوريَّات والمجلات والصحف في مختلف أنحاء الوطن العربي والإسلامي. وبلغت بحوثه ومقالاته المئات، فضلاً عن آلاف الرسائل ومئات الخطب.
كان شكيب أرسلان فصيحاً وقويًّا في البيان ومُتمكِّناً وجالساً على أريكة فخمة على ناصية اللغة العربيَّة، يُدير ببراعة فائقة فن الإتقان اللغوي بالتعبير والوصف والتصوير حتى استحق عن جدارة لقب ” أمير البيان “.
للأمير شكيب أرسلان العديد من المخطوطات والمؤلَّفات تجاوزت الـ ٢٤.
هذا هو أمير من الموحِّدين الدروز ..
هذا هو أمير في بلاط اللغة العربيَّة ..
هذا هو أمير في القافية ..
هذا هو أمير في المواقف ..
هذا هو الأمير شكيب أرسلان ..
فيصل المصري