لبنان مقبل على أسبوع غضب…

يستعدّ لبنان لأسبوعٍ حافلٍ يكتمل معه النصاب الدستوري لحكومة الرئيس حسان دياب بنيْلها ثقة البرلمان الذي تَمْثُل أمامه الثلاثاء والأربعاء، قبل يومين من موعد الذكرى 15 لاغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري.

وتتقاطَع هاتان المحطتان عند أن حكومة دياب تواجِهُ رزمةَ أزماتٍ متشابكة غير مسبوقة في تاريخ البلاد وتنْطلق من المأزق المالي – المصرفي – النقدي الذي استولد اضطراباتٍ تنذر بتداعيات كارثية على الصعيد المعيشي – الاجتماعي، بعدما شكّل «زلزال» اغتيال الحريري مفترقاً انعطف معه مسار لبنان الذي أُدْخِلَ في «حربٍ باردة» وضعتْه على مدى العقد ونصف عقد الماضييْن في فم توترات تفاوتتْ وتيرتها ولكن لم تعرف «بلاد الأرز» مثيلاً لها منذ أن انتهتْ حرب العام 1975 الأهلية.
وتحرص أوساط واسعة الاطلاع في بيروت على التأكيد عبر «الراي»، أن من غير الممكن فصْل المرحلة الأخطر التي بَلَغَها لبنان حالياً عن لحظة 14 شباط 2005 و«شطْب» الحريري في تَطَوُّرٍ تَجاوَزَ كل الخطوط الحمر الدولية.
وترى هذه الأوساط، أن المفارقة الأكثر تعبيراً التي ستظلّل ذكرى اغتيال الحريري، أنها تحلّ في ظلّ اكتمال مسارٍ ممنْهج من تدجين الوقائع الداخلية والموازين وقضْم التوازنات واتفاق الطائف وصولاً إلى تَحوُّل «وهج» قوةِ الأمر الواقع كافياً لفرْض خياراتٍ توصل إلى إنجازِ «بنك الأهداف» الذي بدا في 2020 أنه تَحَقَّق مع «الإجهاز» النهائي على أي «بارقة» تَوازن داخلي، وهو ما عبّرت عنه حكومة دياب التي جمع فيها «حزب الله» للمرة الأولى منذ 15 عاماً «مجْد» السلطة من طرفيْه التنفيذي بعد التشريعي، هو الذي كان فاز مع حلفائه بالغالبية البرلمانية في 2018 وأنهى معادلةَ إمساك خصومه (ما كان يُعرف بقوى 14 آذار) بـ «سلاح الشرعية الدستورية» (عبر الأكثرية النيابية) مقابل «السلاح خارج الشرعية».
وفي حين ستكرّس جلساتُ الثقة، التي ليس مألوفاً اختصارُها بيومين عوض ثلاثة، بروزَ «اصطفاف» سياسي بين مكوّنات الائتلاف الحاكم (الأكثريتان المسيحية أي فريق رئيس الجمهورية ميشال عون – والشيعية أي ا ل ح ز ب  والرئيس نبيه بري) وبين الأطراف التي بقيت خارج الحكومة (الرئيس سعد الحريري وأحزاب القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي والكتائب اللبنانية) ولكن من خارج أي «تخنْدُق» في حلف واحد يستعيد «ماضي» قوى 14 آذار، فإنّ مشهدية 14 فبراير لن تقلّ رمزية باعتبار أنها المرة الأولى تجد «الحريرية السياسية» نفسها في «أرض غير مألوفة» لا ترتبط فيها مع «الامتداد المسيحي» في ضوء تشظيات مرحلة ما اعتُبر إحراجاً للحريري لإخراجه من الحُكم، في حين أن العلاقة مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط تقوم على قاعدة أكثر من تنسيق وأقل من «جبهة»، لتبقى الروابط مع بري على طريقة «حفْظ خيْط الرجعة» إلى لعبة السلطة بحال استمرّت الموازين على حالها.
وإذ ستكرّس كلمة الحريري في ذكرى اغتيال والده خياراته للمرحلة المقبلة وكيفية تَكيُّفه مع التحولات، فإن جلسات الثقة التي ستبدأ بعدها «مرحلةُ الجَدّ» في التعاطي الداخلي والخارجي مع حكومة دياب، تكتسب أهمية خاصة لجهة مآلاتها وتحديداً هل ستنجح الحكومة في الخروج منها بما «يحفظ ماء وجهها» عبر ثقةٍ لا تقلّ عن التي مُنحت لرئيسها في تكليفه (69 نائباً من 128)، أم أن المزيد من التهشيم سيصيب صورتَها.
ويضغط «ا ل ح ز ب » لضمان عدم خروج الحكومة بثقةٍ هزيلة، وذلك عبر حضّ حلفاء له على منْح الثقة رغم اعتراضاتهم على طريقة تأليف الحكومة أو عدم تلبية شروطهم للمشاركة فيها مثل «الحزب السوري القومي الاجتماعي» الذي عُلم أن «ا ل ح ز ب » سجّل استياءً كبيراً منه على خلفية تعاطيه مع مسار التشكيل (قبل أن يعزف عن المشاركة).
وأمس، أقرت «حكومة مواجهة التحديات»، بيانَها الوزاري في جلسةٍ ترأسها عون وأدخلتْ عليه بعض التعديلات غير الجوهرية، والتي برزت تباينات بين أطرافها حيال مقاربة عناوين أساسية أبرزها كيفية التصدي لمواعيد داهمة بينها سداد استحقاق سندات يوروبوندز بقيمة 1.2 مليار دولار في 9 مارس المقبل أو عدمه، وهو الأمر الذي سيعكس المنحى الذي ستعتمده الحكومة لمعالجة الدين العام الذي «أكل» عشرات مليارات الدولارات من الودائع المصرفية التي باتت موجودة «دفترياً» فقط، إلى جانب عودة ملامح «التمتْرس» بإزاء ملف الكهرباء الذي جاهر بري برفْض التعاطي معه وفق النهج الذي أرساه فريق عون ومعارضة المضيّ بالاستعانة بـ «بواخر الطاقة».

الرأي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!