… وإختفى جبران باسيل

 

المفارقة، أنّ جبران باسيل، مالئ الدنيا وشاغل الناس إختفى فجأةً.. كـ”كائِن مجهري” بات غير مرئيٍّ على المسرحِ السياسي، وقد أحدثَ غيابه فراغًا إن على مستوى “أريحة” المنتقدين التي تحتاج إلى الرفد بإشارات تصلح للبناء في عملية الانتقاد، أو للمطبلين الذين أضحوا بلا وظيفة.. اللهم إلّا عبر مواقع التواصل الاجتماعي!

ربما عثر رئيس التيّار الوطني الحر على ضالته! الحياة في اللقلوق ومشاهدة الطقس من على شرفة منزله أمتع، رغم أن معظم المقربين منه يجدون أن المتعة بالنسبةِ إليه هي العمل 24/7!

الوزير السابق شخص كاره للجلوس، إذاً لا يُمكن فك جينات العمل “البويولوجية” عن “ميثولوجيا” جبران باسيل، الرجل يتكفّل في التنقيب عن “شغلة” حتى ولو كانت نسب إيجادها تقل عن سقف 10%، هذا شغف لا يمكن التنازل عنه بشخطة قلم.. أو “مطلب ثورة”!

بالنسبة إلى النائب “صهر الجنرال” ووريث حالته، الآن بدأ العمل.

إجراءات التسلّم والتسليم بين نموذجه القديم والجديد جرى الإنتهاء منها تقريباً، الآن بدأت عصر “الشغل” تحت طبقة من الضجيج. تبدلٌ تكتيكيٌ سيبعد جبران باسيل عن الضوء لفترةٍ محدودة سيستفيد منها على الأرجح داخلياً وخارجياً وعلى أكثر من مستوى. لكن لن تبقى ملخصات نشاطاته مُستترة، ستتوالى على الظهور تباعاً كُلما دعت الحاجة إلى ذلك، وربما قد نعثر عليه معترضاً على هذا الملف أو ذلك أو مقاتلاً في حربٍ ضَروس على رأس أكبر تكتل برلماني على وجه ساحة النجمة.

ثمة من يعتقد، أن خروج جبران باسيل من قصر بسترس سيُحيله على التقاعد المبكر بعد عملية “التشحيل” التي طالت اطرافه السياسية.. على العكس، حالة من هذا القبيل ستفيد جبران باسيل ولن تضرّه! هو وخلال فترة من الفترات، اُسديت اليه نصائح بالعدول عن فكرة لعب المغامرات الوزارية لمصلحة الأدوار النيابية والحزبية لكنه تجاهلها.

وقد أنذرَ مراراً أن “البيت البرتقالي” المتوارث والذي ينشط اسفله، آخذ بالتداعي، لذا باتت عملية إصلاحه أمراً لا مفرَّ منه بل ضرورياً وسريعاً، لكن رئيس التيار كان يُحيل كل تلك الدعوات إلى قاعة الانتظار إن لاسباب هي رهن بظروف ما أو لطبيعة الملفات الضخمة التي كان يحملها.

الآن ومع حلول “الثورة التشرينية” تبدّلت أولويات “الوزير المعجزة”، باتَ الركون إلى ورشة ترتيب بيته الداخلي في ضوء التصدّعات التي ظهرت امراً غير قابل للنقاش، وقد باتَ الانكباب على “صيانة” حضور التيار ضمن “البيئة المسيحية” مُدرج على قائمة الأولويات، ومشروع “إعادة التأهيل التنظيمي” بعد السقطات والتشوّهات التي تعرض لها على مدى تجاوز عمر “الثورة” بكثير أمراً لا بد منه.

دون أدنى شك، ستشمل الورشة الجاري الإعداد لها معالجة بعض الظواهر المزعجة التي نشأت على كتفِ “التيار”. طبعاً، هذه يجري تحميلها الكثير من السقطات التي منيَ بها “البرتقالي” وأودت به أمام شارعِه والشوارع الاخرى، لكن تبقى العبرة في تفهم الوزير باسيل لها وانتقاء الأشخاص المزعجين وإخراجهم من بين الجيدين، فلا مناصَ من الرماية عشوائياً ابداً.

طبعاً، ورشة من هذا القبيل سيكون مردودها في حال استثمرت كما يجب جيداً، وغالباً، لا يمكن غزل نتائجها عن المسرح الانتخابي، ما يعطي إنطباعاً أن التيار شرعَ بعملية ترتيب صورته إستعداداً للانتخابات النيابية المقبلة، التي وضعته أمامَ التحدي منذ الآن، فأي تراجع كبير يُعد إنكساراً له، وهذا الانكسار ستتجاوز ردود فعله المستوى الداخلي لتطال صورة التيار أمام الحلفاء.

من المنطقي القول، أن تصحيح الصورة منذ الآن إستعداداً للانتخابات النيابية ستجرّ معها نتائج على مستوى الانتخابات الرئاسية، ولو أن كثير يعتقدون أن صورة جبران الرئاسية قد تدمرت بالفعل أو في أحسن الأحوال طالتها أضرار كبيرة.. لكن في لبنان حيث مفاجآت “ربع الساعة الاخيرة” تبقى هي الحكم، لا مجال للجزم!

إذًا، الاولوية هي لإعادة ترتيبِ التيار الوطني الحر ولملمة شارعه بعدما تعرَّضَ لهزاتٍ ارتدت على تركيبتهِ وحضوره السياسي وثقله وصورته أمام الآخرين، وأظهرت الكثير من مكامن الضعفِ التي قد تؤدي إلى سقوطِ البيتِ على رأسِ من فيه!

على هذا النحو سيستفيد التيار الوطني الحر من خروج رئيسه من باب السلطة العريض الذي لن يحيله إلى التقاعد باكراً لأن شخص من طينة جبران ليس من السهل الغاؤه “بعاصفة تشرينية”، بل أن ما يتسرب من هنا وهناك، يثبت أن خروجاً على هذا الوزن سيُتيح اعادة الزخم إلى تبني ملفات داخلية لها عِلاقة بمناطق حضور التيار، وتشديد متابعتها على المستوى النيابي ومنحها هامش اعلى ودرجة أكبر من الاهتمام.

من الطبيعي، أن ينعكس ذلك إيجابًا شرط إتباع رئيس تكتل لبنان القوي الإرشادات المناسبة، ويقرّر سماع من حوله، طبعاً “القوادم” منهم، وأن ينتقل كبادِرة حسن نية إلى تحرير فريق عمله من “السوس” الذي ينخره ويثقل عمه الرئيس وتياره ويطال الحلفاء، وحذاري! فحبل الحلفاء ليس بطويل.. وما على الرسول إلّا البلاغ، وعلى جبران سوى الحذر والتصحيح!

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى