هل بات لبنان ملزمًا باللجوء إلى صندوق النقد الدولي؟

أزمة غير مسبوقة تلك التي نعيش تداعياتها الإقتصادية والمالية، لا نعرف معها إذا كانت الدولة في إفلاس غير معلن أم على شفير الإفلاس، كل ما نعلمه أنّ المصارف انقلبت على ما تغنّت به من ميزات، وباتت تمارس كابيتال كونترول غير مقونن، ليس على الودائع فحسب بل أيضًا على رواتب الموظّفين. أمام هذه الحال بدأ الحديث عن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، فهل استنفدنا كل الحلول الأخرى ولم يعد أمامنا سوى قروض صندوق النقد الدولي ؟ ماذا عن شروطه القاسية؟

الدكتور روك – انطوان مهنا، خبير مالي واقتصادي، يفصل في حديث لـ “لبنان 24” بين اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لطلب المساعدة التقنية وبين الإلتزام ببرنامج الصندوق، ويعتبر أنّه يمكن للدولة اللبنانية في حالتها هذه أن تتواصل مع صندوق النقد الدولي لطلب استشارة تقنية، وهي تتخذ شكل إرشادات من قبل الصندوق يقدّمها للدولة اللبنانية لكيفية الخروج من الأزمة، لتعمل الدولة على تنفيذ الرؤية أو الإستشارة. في هذه الحال دور صندوق النقد إشرافي. وأضاف مهنا أنّ التفاوض مع صندوق النقد الدولي لا يعني أنّ لبنان أصبح خاضعًا له، معتبرًا أنّه يجب في البداية التواصل مع الصندوق لمعرفة رؤيتهم للخروج من الأزمة.

هل اللجوء إلى صندوق النقد الدولي هو الحل الوحيد أمام لبنان ؟ يجب مهنا،”يجب العمل على خطين متوازيين، الأول أساسي ويكمن بتأليف حكومة ذات مصداقية تشكّل مفتاح حل الأزمة، تُحصر مهمتها بمعالجة الوضعين المالي والإقتصادي، وألا يتم وضع العراقيل أمامها لتفشيلها، ومن دون حكومة قادرة توحي بالثقة للداخل وللمجتمع الدولي سيشهد الوضع مزيدًا من التأزّم. والإنطلاق بعدها نحو إقرار موازنة إصلاحية تختلف عن سابقاتها، وتتضمن رؤية وإصلاحات حقيقية، كإقفال الصناديق الفرعية وتصويب ملف الأملاك البحرية وتخفيض فاتورة الإدارات العامة وإيجار المباني الحكومية ووقف نزيف الكهرباء. والثاني أن يجلس المعنيون في السلطة مع صندوق النقد الدولي ويطلبوا تقديم رؤية استشارية لتخطي الأزمة، وكذلك اللجوء إلى طلب قروض مدعومة من صندوق النقد الدولي هو مسألة خاضعة للتفاوض، ولكن لا بدّ من معرفة شروطهم قبل أن نستبق الأمر ونعتبرها تعجيزية، خصوصا أنّ الوصفة الجاهزة لصندوق النقد الدولي كانت سائدة في السابق” . ويعتبر مهنا أنّ هذا المسار ضروري لاسيّما إذا تأخر المسار السياسي أو أراد البعض أن يناور ويتموضع في صفوف المعارضة لعرقلة لتأليف أو الإمتناع عن منح الثقة الحكومة العتيدة.

جدولة الدين

 حلول أخرى يجب طرحها وفق مقاربة مهنا، تكمن في جدولة الدين العام المستحق في شهر آذار المقبل بقيمة مليار ومئتي مليون، وليس إعادة هيكلة الدين العام.  ولفت مهنا في هذا السياق إلى أنّ الجزء الأكبر من ديون لبنان داخلي، من هنا لا تترتب على جدولته آثار سلبية، لاسيما أنّ الضغط المالي في 2020 يكمن في خدمة وفائدة الدين العام. بالتوازي يجب أن يعمل مصرف لبنان على تخفيض الفوائد على شهادات الإيداع للمصارف التجارية، وأن تعمل المصارف في الوقت نفسه على تخفيض الفائدة المرجعية بأسرع وقت. وأشار مهنا في هذا السياق إلى أنّ المصارف تترك حاليًا هامشًا لأرباحها يقدّر بـ 7% بعد تعميم مصرف لبنان بتخفيض الفوائد، في حين أنّه لا يجب أن يتجاوز الهامش 3.5 % بين فائدة الودائع وفائدة التسليفات، معتبرًا أنّ ترك المصارف لهذا الهامش يطرح تساؤلًا عما إذا كانت ترفع رأسال المال المطلوب منها وفق تعميم مصرف لبنان قبل آخر السنة بنسبة 10 % والعام المقبل 10 % من الأرباح، في حين أنّ زيادة المصارف لرأس المال لا يجب أن يكون خيارًا أمامها تعمل على التهرب منه، بل يجب أن يكون إلزاميًا وليس من أموال المودعين والمساهمين. وأوضح مهنا أنّ ما يحصل حاليًا هو ترك المصارف هامش أرباحها عاليًا كأنها تعمد إلى تمويل وتأمين السيولة التي طلبها منها مصرف لبنان بزيادة رأس المال من الأرباح . وهنا لا بد من أن يأخذ مصرف لبنان موقفًا حازمًا من المصارف، وأن يعمد بدوره إلى تخفيض الفوائد على شهادات الإيداع  كي لا نصل إلى مراحل أخطر .

 بالمحصلة الأزمة تتفاقم وتنذر بالأسوأ، أمّا المعالجات التي يطرحها أهل الإقتصاد والعلم والتي ما زالت ممكنة اليوم قد تصبح مستحيلة غدًا، في المقابل لا يبدو أنّ المسؤولين يرون سوى أزمة واحدة تستحق جهودهم ، هي أزمة وجودهم داخل الحكومة، ولمعالجتها يبتكرون كل أشكال المناورة ولو على أنقاض بلد.

المصدر: لبنان 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!