الثورة إلى الخطة “ب”… “مفاجآت” تُقلق السلطة والفاسدين
شكّل فتح الطرق يوم أمس الحدث الأبرز، حيث اعتبره البعض إنكساراً في وجه السلطة، فيما رأى البعض الآخر أنه إستراحة “ثورة”، خصوصاً أن قسماً كبيراً من الثوّار كانوا يميلون إلى فتح الطرق والإنتقال إلى الخطة “ب”.
يؤكّد عدد كبير من الثوّار أن من يراهن على أن الثورة دُفنت هو مخطئ جداً، فالثورات في كل بلدان العالم لا تُحصّل المكاسب بين ليلة وضحاها، بل إنها مسيرة مستمرّة وطويلة ودرب محفوف بالمواجهات والنضالات.
والذي يشاهد ساحات العراق، يكتشف جدياً أن ما يحصل في لبنان هو نار تحت الرماد، فإن همدت نار الإنتفاضة الشعبية لأيام إلا أنها ستندلع في أي وقت كان، خصوصاً أن القوى الحاكمة لا تتحرّك أو تُقدم على أي خطوة تستجيب لمطالب الشعب.
ومن جهة أخرى، فإن كثرة المطالب التي خرجت في الأيام الأولى من الثورة بدأت تنتظم بشكل عملي، وقد وُصفت المطالب الأولية بأنها عالية السقف وغير قابلة للتحقيق حالياً، ومنها إسقاط النظام، وإستقالة رئيس الجمهوريّة والحكومة وحلّ البرلمان، لكن الهمّ الإقتصادي والإجتماعي كان أقوى من المطالب السياسية، حيث أن الوقت الآن هو لإنقاذ الوضع وليس للنظر بالدستور.
وبعد أيام من التظاهرات الصاخبة، باتت المطالب الشعبية تتلخّص بالآتي: تأليف حكومة تكنوقراط، المباشرة الفوريّة بالإصلاحات على الصعد كافة ومعالجة الأزمة الإقتصاديّة والإجتماعية، والضغط من أجل إسترداد الأموال المنهوبة منذ 30 عاماً تقريباً.
وحتى الساعة لا توجد قيادة موحّدة للثورة وهذا يُعتبر من أهم نقاط الغموض التي تساهم في حمايتها من بطش قوى السلطة، وقد ظهر جلياً أن النظام اللبناني أقوى من كل الأنظمة العربية نتيجة إستعماله الورقة الطائفية والمذهبيّة واحتماء كل رئيس نظام طائفي بطائفته وإتحاد هؤلاء الرؤساء عندما يشعرون أن الخطر يهدّدهم.
لكن بعد أن أصبح سلاح قطع الطرقات غير ذي فائدة، بل بدأ يرتدّ سلباً على الثورة، يدرس الجميع الإنتقال إلى الخطة “ب” والتي تُعتبر ورقة ضغط إضافية على أحزاب السلطة التي لا تزال تبحث عن تقاسم المغانم وكأن الشعب الذي نزل إلى الطرق والساحات غير موجود.
وتعتمد السلطات للقضاء على الثورة أساليب عدّة أبرزها القمع العسكري، وعلى رغم بعض المشاهد العنيفة التي ظهرت في الزوق إلا أن الجيش اللبناني والقوى الأمنية يبتعدان عن الإصطدام بالشعب قدر الإمكان.
وتحاول السلطات أيضاً إستعمال التهدئة والإستجابة لمطالب الثوار بما يناسبها، وهذا ما ظهر من خلال إستقالة الرئيس سعد الحريري، لكن هذا الأمر لم يُهدّئ روع الشارع المنتفض، لذلك لجأت السلطة إلى استعمال الترغيب عبر خطابات متتالية لرئيس الجمهورية ميشال عون ودعوته الثوّار إلى الحوار معه، وهذا الأمر لم يُجدِ نفعاً أيضاً. وأمام تمسّك الثوار بموقفهم إنتقل الحكّام إلى إطلاق الشائعات عبر القول إنهم يتلقّون تمويلاً من السفارات وأن أحزاباً سياسية وراءهم، وبأن بعضهم يُقيم حواجز ويفرض خوّات.
وبعد تطورات الأيام الأخيرة، يدرس الثوّار الخيارات المتاحة أمامهم، فكل وسائل الضغط مباح إستعمالها ضدّ السلطة، حسب رأيهم، وقد تتدرّج الثورة على مراحل، فالثورة اللبنانية الحالية لا تزال تُعتبر من الثورات الناعمة التي تحافظ على سلميّتها.
وبعكس ما يعتقد البعض، فإن منسوب الضغط من قبل الثوار سيرتفع لكن هذه المرة بشكل علمي ومدروس أكثر، وتتضمّن الخطة “ب” الحفاظ على المشهد الجماهيري في الساحة وخصوصاً في ساحات النور ورياض الصلح والشهداء والجنوب، من ثمّ الإنتقال إلى الأمور العلمية المدروسة أي درس ملفات الفساد وأين تكمن مزاريب الهدر والسرقات وفضح كل شيء أمام الشعب اللبناني، وهذا الأمر لم يصل إليه حراك 2015. وإذا كانت وسيلة الضغط هي عبر تجميع الملفات وإظهارها للرأي العام، إلا أن السلطة التي لا تفهم إلا بالقوة سترى نفسها أمام تحركات جديدة، مثل التظاهر أمام المقرّات الرسميّة والمؤسسات التي تهدر مال الشعب، كما سيتمّ الضغط على القضاء لمحاكمة الفاسدين، وقد تصل الأمور إلى التظاهر أمام منازل من يثبت فساده، وهنا لا يُقصد فقط رجال السياسة، بل وصولاً إلى رجال الإدارة.
ويحاول البعض في الثورة تسمية الأشياء بأسمائها وعدم الدخول في الغوغائيّة أو حرف الثورة عن مسارها تلبية لرغبات السلطة وأمنياتها، وبالتالي فإن ما قد ذكرناه هو جزء من خطة التحرّك، لكن يبقى هناك الجزء الأهم والمخفيّ والغامض والذي لن نكشف عنه حالياً لأنه سيفاجئ من يقبض على السلطة، لذلك يُعتبر عنصر المفاجأة من أهم الأسلحة بيد الثوّار، وسط تأكيدهم أن المعركة لم تنته بعد بل إنها في بداياتها.
ألان سركيس / “نداء الوطن”