بين الترميم والتعديل… ما هو الخيار الحكومي الثالث؟
في أيّ أزمةٍ تعصف في البلاد، تجِد الرئيس سعد الحريري في وضعٍ لا يُحسَد عليه والجميع يصوِّب عليه ويحاول رمي كرة التعطيل في ملعبه، الصديق قبل الخصم، وهو يسعى ويستنجد محاولًا تدوير الزوايا ولكن من دون أيّ جدوى، حيث أنّ اللعبة اللبنانية تحتاج الى الكثير من الصبر والحنكة التي يحتاجها رئيس الحكومة وفريقه السياسي.
خرجَ فريق “القوات اللبنانية” من الحكومة، بقيَ “الاشتراكي” معلقًا على “حبال الشارع” ينتظر الى من ستميل الدفة ليميل معها، والحريري “يُكثِّف اتصالاته” سعيًا لاقناعِ الحلفاء الجُدد “التيار وحزب الله”، بضرورة تلبية نداء الشارع وضرورة الذهاب الى حكومة جديدة “تكنوقراط” تريحه أكثر من الحكومة الحالية والتي وُلِدَت في الاساسِ بثلاثين رأسًا، ولكن الفيتو على أيّ تعديل خرَجَ من الضاحية قبل بعبدا.
من المفارقات السياسيّة التي نتجت عن “17 تشرين الأول” تمسّك الحزب بحكومة الحريري رغم أنّ الاخير لم يعد يرغب بها، فحتى الأمس القريب كان الحزب اللاعب الاساس بإسقاط حكومات تيار المستقبل واحدى “البطولات” التي يردّدها الحزب في مجالسه وباتت “فخرًا” لقياداته التي تستعين بها عند الحاجة، هي عملية الانقلاب على الحريري واخراجه من لقاءِ الرئيس الاميركي باراك أوباما رئيسًا لحكومة مستقيلة أعلن “الوزراء الشيعة والتيار الوطني الحر” انسحابهم منها قبل سنوات.
اليوم، اختلفَ الوضع وبات حزب القوات اللبنانية المُدَافع الاول عن سعد الحريري وتيار المستقبل في “السراء والضراء” المحرّك الاساس في نظر العهد والحزب للشارع والمدافع الاول عن مطلب اسقاط الحكومة..
كلّ شيء تغيّر بالنسبة الى الحريري الذي يراه الشارع “مغلوبًا على أمره” فهو لا يستطيع ملاقاته عند منتصفِ الطريق لأن الفاتورة ستكون كبيرة طالما أنّ حزب الله يُصرّ على الحريري في هذا الظرف الذي يبدي فيه الخشية من تحولاتٍ كبيرةٍ في المنطقة بدأت معالمها في العراق وانسحبت اليوم الى الشارع اللبناني.
وعليه، فإنّ مصير الحكومة على المحكّ، ولعبة عضّ الاصابعِ بين السلطة والشعب خطيرة ولن تقفل على أيّ نهاية سعيدة، بل ستكون الفاتورة كبيرة وسيتقاسمها الجميع، حيث أنّ عمليّة الترميم التي تحدَّث عنها الوزير سليم جريصاتي والتي تقضي بتعيين أربعة وزراء مكان وزراء “القوات” صعبة في الاساس لأن السلطة تحاول “التذاكي “على الحراكِ من خلال “رشوة” البعض منهم بمناصبٍ وزارية، وبرأيها يكون ثمن هذا الشارع “أربع حقائب”، وهذا الأمر ولدَ ميتًا حين رفضت كل الساحات هذا الاقتراح، بل تمّ سحب “بساط الثورة” عن أيّ شخصٍ يفوِّض نفسه بإسم الحراك لأن ما يريده هؤلاء أكبر من حقائب.
أما عملية التعديل، وهي التي يكثف فريق رئيس الجمهورية اتصالاته لتسويقها واقناع المتظاهرين بها، هي الاخرى تشهد تباينًا كبيرًا بين الرؤساء الثلاثة والمكوّنات السياسيّة المشاركة في الحكومة، لأن أيّ تعديل وزاري يُشرك الشارع ينسحب أيضًا على الواقع الحكومي برمّته، اذ أنّ رئيس الجمهورية يرغب بالغاء وزراء الدولة وإجراء تعديل في الحقائب، في حين يصرّ الرئيس نبيه بري على إسم الوزير علي حسن خليل في الوزارة طالما أنّ الرئيس ميشال عون ومعه الحزب يصرّان على الوزير جبران باسيل في وزارة الخارجية.
وهنا، لا يجد الحريري منفذًا إلّا بحكومة “التكنوقراط” وهي الاقربُ الى الواقعِ الشعبي وتدعمها بكركي والمرجعيات الروحية الاخرى كما المجتمع الدولي الذي يسعى الى اخراجِ الحزب من الحكومة.
لكن الضاحية، تضع فيتو على هذا الطرح وتحسم بأنها لن تسير به، لأنه يعتبر فخًا دوليًّا يحاول بعض الدول نصبه للحزب لاستبعاده تدريجيًا عن القرار السياسي في البلاد، وهنا يحاول الحريري عرض اسماء تريح الحزب ويمكن أن تمسك بيدها حقائب أساسية، ومن خلالها يمكن للحزب أن يتحرَّك على أكثر من خط.
أما الوزير جبران باسيل، فالمسألة لديه باتت “شخصية” أكثر منها سياسية، إذ يعتقد الرجل أنّ ثمة من يريد اسقاطه والدليل الشتائم التي “كيلت بحقه” واستهدفت عائلته، ومن يعرف باسيل يدرك أنّ الرجل يُصرّ في مثل هذه الحالات على المواجهةِ ويصبح أكثر شراسة في الدفاع عن مطلبه بغض النظر اذا كان صائبًا أم لا، وهنا يمكن القول، أنّ الحريري هو أكثر الراغبين في الاستقالة شرط تأمين لائحة وزراء يتم الاتفاق عليها من قبل الاطراف كافة وتعطى صلاحيات السير بالملفات الحكومية من دون أي مطبات أو عراقيل.
وأمام هذا الواقع، أيّام حاسمة بإنتظارنا لأن البلد لم يعد يحتمل، ودورة الانتاج يجب أن تُقلع وإلّا فنحن أمام سيناريوهات مكلفة وخطيرة، فهل من فريقٍ يحمل لعبة الدم؟
“ليبانون ديبايت” – علاء الخوري