برّي: ألو واشنطن؟ حلّوها!
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
هناك إشارة يجري تداولها بكثرة مصدرها لسان رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، أبلغها إلى أحد الموفدين الأميركيين الذين حضروا إلى لبنان قبل فترة، فحولها: “لا تجبرونا على اتخاذ قرارات لا نريد اتخاذها، لا تدفعونا نحو المواجهة من جراء السياسات التي تتخذونها”.
اعلان
الكلام الذي وردَ على لسان رئيس المجلس لا يمكن المرور عليه مرورَ الكرام، بل يجب التوقّف عنده لأنه عبارة عن طبعة جديدة في الكلام مع الأميركي لم تكن معتمدة من ذي قبل، ما يؤشر إلى امتعاض يتكون عند برّي، يمكن أن تزيد حمولته مع توالي الأيّام.
ولم يَكن كلام رئيس حركة أمل ليصدر عنه بمثلِ هذه القوّة لو أنه لم يُدرك مدى تأثير السياسات الاميركية السلبيّة بحق لبنان وخاصة العقوبات، وهو حين تحضر طبائع المواجهة يختار الاصطفاف مع كتلة المقموعين.
واصلاً برّي يشتهر عند الأميركيين بشراسته السياسية ما دامت القضية تمس الفريق الذي يُعد مكوناً اساسياً فيه، ثمّ أنه، وعلى الرغمِ من ذلك، يحظى بإذن صاغية في واشنطن، تقف عندَ خاطره، ليس لأن العاصمة الأميركية تجد فيه حليفاً، بل لأن ثمة مصالح متبادلة تحكم العلاقة بينهما، علاقة الند إلى الند.
ثمة جملة حوادث حصلت مؤخراً تدل على مدى اهتمام واشنطن بالكلام النابع عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي، يذكر مرجع سياسي إحداها في جلسة عشاء قروية خاصة أقامها في منزله.
يروي المرجع كيف أن الاميركيين يحرصون على الوقوف دوماً عند خاطر برّي السياسي، بل هناك تعميم واضح موزع على سائر أصناف الموفدين الأميركيين إلى بيروت، من سياسيين وغيرهم، حول الوقوف على خاطر بري والتأكيد على زيارته وحسن الاستماع إلى مواقفه، ولو كانت في كثيرٍ منها ليست على موجة السياسات الاميركية، بل يجب عليهم سماعها منه شخصيًّا. ويكاد يخلو سجل زيارات الموفدين من مقاطعة عين التينة.
واصلاً بري، على ذمة المرجع وغيره، ليس من النوع الذي يُلاطف زواره الاميركيين بتمرير مضامين مواقف ترتقي إلى مستوى سياساتهم، وهو يتجنب معتزلتهم، ويحرص دوماً على تمرير وجهة نظره الصاخبة من دون الأخذ بعين الاعتبار مدى قسوتها السياسية، أو رضا ضيفه بها من عدمه، هو متصالح مع نفسه من هذا الجانب، كما ينقل المرجع.
ويذكر أمام الحضور، أن واشنطن تقف عند خاطره خاصة بما له علاقة بملف ترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل. وتُنقَل معلومات حول أن واشنطن ترفض في الأصل استبدال بري بمفاوض رسمي لبناني آخر كلياً، حتى ولو كان من حلفائها.
ويضيف أن أحد السفراء الأوروبيين أبلغه أثناء زيارة قام به الأخير اليه، معلومات حول وجود “لوبي” يريد إزاحة برّي من مقاليد كرسي التفاوض في ملف الترسيم لصالح عنصر رئاسي آخر. ومن بين المتحمسين للخطوة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، لكن هناك من أسدى نصيحة إليهم من أن استبدال برّي لا يمكن تصنيفه عاملاً صالحاً أو مساعداً للملف أو للمفاوضات، بل قد يؤدي ذلك إلى تخريب الملف برمته وإدخال عليه شوائب، ليس لأن بري سيحاول الانتقام عبر توفير حقن سامة، بل لأنه يحظى بأوراق وقدرات قد لا تتوفر في أي مفاوض آخر!
وعلى ذمة المرجع، أن من بين تلك الأوراق حسن الإدارة الميدانية للملف، عبر وقوفه عاملاً مؤثراً على رأي حزب الله، أي أنه يشكل عامل تأثير على موقف الحزب، ثم أنه يحظى بطريقة معالجة موزونة في حال حدوث أي تطور “عدواني” ما يتعلق بالحقول النفطية والحقوق اللبنانية في البحر، وهو يميل صوب الحلول على مبدأ “أكل العنب” لا استدعاء المشاكل وفق منطلق “قتل الناطور”.
ويعيد المرجع سرد حادثة حصلت قبل فترة زمنية قصيرة لها علاقة بحدوث تعدٍ إسرائيلي على أحد حقول النفط الواقعة عند الحدود المتنازع عليها وتعد حقاً لبنانياً صافياً.
يومذاك، أطلع بري على معلومات من مصادر أمنية حول حدوث خرق، وبعد أن جوجلَ المعطيات، حمل هاتفه واتصل بأحد المسؤولين الأميركيين المعنيين بالملف في واشنطن، ثم شرحَ له ما أقدم الإسرائيليون على فعله، طالباً من الشخص حل الموضوع “معهم” (أي الاسرائيليين) فوراً. وهكذا كان، وبعد وقت قصير ازيل الخرق!
هذه القصة هي واحدة من سلسلة قصص كانت تحصل دائماً ويتحرك برّي على إثرها فوراً بعد إحاطته بكامل المعلومات المتعلقة بها.
أما دوافع الأميركيين لتلبية تحركات بري سريعاً، فيضعها المرجع في خانة الضرورات، وارتباطها مع رزمة شروط يريدون تحقيقها، فعدم اثارة بّري مثلاً الموضوع، لا دولياً ولا على الصعيد الأممي، والمحافظة على هدوء حزب الله حيال هذا الملف، لكي لا يتحول إلى أداة نزاع جديدة تفقده المكتسبات التي حققها في ضوء الهدوء الحاصل في الجنوب، أي أن رئيس المجلس يساوم الهدوء ومستقبل المباحثات حول الترسيم مقابل الحصول على خدمات أمنية أميركية صريحة في الملف تدر الإسرائيليين إلى نحورهم.
في المقابل، ثمة أمر آخر مهم يأخذه الاميركيون، له علاقة بموقع بري في التركيبة السياسية اللبنانية، ليس كرئيس لمجلس النواب، بل كشخص مقرّر داخل السلطة ويعد من آبائها المؤسسين، وهو رئيس لتيار شيعي ثاني يقاسم حزب الله الحضور على الساحة الشيعية، ثم أنه حليف موثوق بالنسبة إلى الحزب ويستطيع متى أراد الحصول على تفويض مفتوح منه في أي ملف.