تفكيك “شيفرة” إغتيال محمد جرار في شبعا

 

 

‎لا يمكن الجزم بهويّة الجهة التي تقف خلف إغتيال مسؤول الجماعة الإسلاميّة في منطقة شبعا، الشيخ محمد جرار، لكن توفّر عدّة شُبهات ومؤشّرات ذات قيمة، لها أن تميل كفّة الإتهام صوب جهة محدّدة، يتبيّنُ من الخلاصات الأوليّة للتحقيقات، أنّها ليست كما يظن البعض!

‎في أعقابِ حصول عمليّة الإغتيال، روج البعض لفرضية قيام عناصر من حزب الله بإرتكاب الجريمة، وكان هذا الإتهام قد اعتاشَ على رواياتٍ سابقة غير مثبّته جرى تناقلها من دون تأكيدات رسميّة وواضحة من قبل الشخص المعني، حول تهديدات كان يتلقاها “الشّيخ” من عناصر في الحزب أو مقرّبين منه، بسبب نشاطه الدّاعم والمساند للنازحين السوريين في شبعا.
‎وقد ارتكزَ اصحاب هذه النظريّة إلى عمليّات مراقبة للنازحين القادمين من “بيت جن” كان يجريها الحزب دوريّاً وبشكلٍ هادئ، لمعرفة احتمال وجود روابط صلة أو إتصال بين هؤلاء وجهات مسلّحة كانت تُقيم داخل البلدة التي جرت تسوية أوضاعها لاحقاً. وعلى ذمّة الراوي، ما كان يثير انتباه الحزب، وجود طرف مسلح في “بيت جن” كان يُقيم اتصالات علنيّة مع أجهزة مخابرات إسرائيليّة التي نجحت في مرحلة ما من تأسيس أرضيّة داخل البلدة مستغلةً النزاع المسلح.

‎لكن مقولة “تورط حزب الله” لا تصلح للإعتماد من قِبَل الجماعة الإسلاميّة “وليُّ الدّم”، التي ما زالت عند موقفها تحميل ثقل الجريمة إلى من أطلقت عليهم في بيانها الأوّل “أيادي الغدر والخيانة والعمالة”، ثم أنها ترفض إطلاقاً لصق الجريمة بأي طرف محلي داخلي في ظلِ غياب الأدلة الدّامغة التي لها أن تؤكّد تورطه وترجح أي إتهام ضده.

‎وما لهُ أن يزيد اقتناعها بغياب العامل الدّاخلي، سعي البعض إلى رمي الإتهام بكل ثقله وبطريقة تثير الشكوك، على جهةٍ مذهبيّة محلّية محدّدة، في مسعى تعتبره الجماعة “دافع جرمي لطمس الحقيقة والتأسيس إلى فتنة”.

‎واصلاً، من يقرأ في بواطن نفوس “الجماعة”، يجزمُ وبشكلٍ لا يقبل الشك، أنها ومنذ السّاعة الأولى عرفت كيف تصوب الإتهام بإتجاه من، وكانت دقيقة في توجيهه ورمت من ورائه إلى الإضاءةِ عن طرف أساسي لا يمكن إبعاد الشكوك عنه، وربما يجهل أكثر من طرفِ دوره المفترض، بحيث أن إشارتها إلى “الغدرِ والخيانة والعمالة”، لا يمكن إعفاء العملاء الإسرائيليين المفترضين منه!

‎وعلى ما يقول متابعون، أن دقة “الجماعة” في تصويب الإتهام بهذا الإتجاه، قد ينم عن معلومات سابقة في حوزتها تقودُ إلى وقوف جهة مرتبطة بالعدو الإسرائيلي خلف التّهديدات التي كانت توجّه إلى الجرار ونجله بشكلٍ متكرّر، أو بالحد الأدنى، لديها “حدس” يذهبُ في هذا الإتجاه.

‎ولم يعد خافياً، أن محققو “فرع المعلومات” في قوى الأمن الدّاخلي، انطلقوا من جُملة أمور خلال بحثهم عن الشخص أو الجهة المتورطة بالعمل، كانت عبارة عن إحتمالات أمنيّة ذات صلة بالجريمة، ولعل أدقها إحتمال وقوف عناصر عميلة تتبع لـ “إسرائيل” خلف ما جرى.

‎أكثرُ ما رفع من درجات هذا الإحتمال وجعله على درجة عالية من الأهمية، قرب مسرح العمليّة، أي شبعا، مع الأراضي المحتلة، هذا فضلاً عن وجود عدد كبير من النازحين السوريين في البلدة، ينحدرون من قرية “بيت جن” القريبة، التي أكّد أكثر من معطى أمني وجود “نشاط مريح” للمخابرات الإسرائيليّة فيها، خلال فترة السّخونة العسكريّة.

‎”الحَدِس الأمني”، تعاظم مع إجتياز التحقيقات وفي فترة قصيرة شوطاً كبيراً رسم صورة حول الجهة صاحب الأسهم المرتفعة التي تميل الإتهامات نحوها، مما ادّى إلى توفّر معطيات ومعلومات أسّست إلى نمو شبهات أمنيّة جادة، اتجهت جميعها صوب رفع إحتمالات التّورط الخارجي لا الدّاخلي، أي ضلوع مجموعة “غير لبنانية” في عملية الإغتيال.

‎وبنتيجة المعلومات التي توفرت ، توجهت فرقة من “القوة الضاربة” في فرع المعلومات، إلى بلدة شبعا ليل الأحد الواقع في ١٦ من الجاري، وبدأت عمليّات دهم استهدفت مخيّمات وأماكن سكنية يقطنها نازحون سوريون من بلدة “بيت جن”، وعملت على توقيفِ عدد منهم وسوقهم إلى التحقيق.

‎وبعد سلسلة تحقيقات أُجريت معهم تحت إشراف القضاء المختص، أُخليَ سبيل معظمهم وأبقيَ على ٤ أشخاص هم ع.ا.ع (مواليد ١٩٨٣) و ع.ع.ال (مواليد ١٩٨٢) م.أ.ح (مواليد ١٩٩٢) و ع.ش.ع (مواليد ١٩٧٣)، من أجل التوسّع في التحقيقات، إنطلاقاً من الشبهات التي تحوم حولهم.

‎وبينما أبقيت تفاصيل التحقيقات بعيدةً عن التسريب نظراً إلى حساسيتها وسعياً خلف تحديد الجهة بدقة ثم الغاية والخلفيات، يعتقد أن الموقوفين الأربعة ضالعون بشكل أو بآخر في عملية الإغتيال، لوجستيّاً أو من خلال تولي أمر التنفيذ بشكل مباشر.

‎عمليّة التوقيف، أرخت بثقلها على مستوياتٍ أمنيّة تتابع القضيّة المدرجة تحت خانة “الدقيقة” لكون عملية من هذا النوع تحدث للمرّة الأولى ضمن نطاق المنطقة المحرّرة. وفي إعتقاد هذه المستويات، أن التحقيقات وصلت إلى مكان حسّاس قد يفصح عن الجهة الحقيقيّة المتورّطة بجريمة الإغتيال، وذلك في ظلِ المعطيات المتمخضة عن نتائج التحقيقات التي يقومُ بها فرع المعلومات.

‎وليس سرّاً، أن التحقيقات تأتي مصحوبةً بإشارات لا يمكن إغفالها، لناحية إحتمال أن يكون الموقوفين الأربعة قد نشطوا أو اندمجوا سابقاً في إحدى المجموعات المسلحة التي نشطت في البلدة خلال سيطرة المعارضة عليها، والتي حامت حولها إتهامات بالتنسيق المباشر مع الجيش الإسرائيلي المرابض على حدودها، علماً أن قائد تلك المجموعة قد جرى إغتياله بطريقة مشابهة لطريقة إغتيال جرار، وذلك قبل فترة قصيرة من إنهيار مجموعات المعارضة المسلحة في البلدة ودخول الجيش السوري إليها.

ليبانون ديبايت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!