محاولة اغتيال الجبل

القطوع الخطير الذي مرّت به منطقة الجبل أمس، يعكس الأزمة الداخلية بأبشع صورها والمدى الذي بلغه التفسخ والتباين والتواطؤ في العبث بأمن لبنانواستقراره، وهو الذي يقف أصلاً على حافة الخطر سياسياً واقتصادياً وسياحياً ومالياً، وفوق ذلك يطرح أسئلة ضرورية على الأطراف المشاركة والمتسببة والمتفرجة والمراهنة عن الغاية من دفع البلد نحو الفتنة والمجهول؟

حادثة قبر شمون، أمس، التي راح ضحيتها قتيلان وجريحان أعادت إلى الأذهان ذكريات بغيضة، وصوراً ومحطات جهد اللبنانيون، وأهل الجبل تحديداً، لنسيانها ومحو آثارها، ووضعت مصالحة الجبل، ومعها الاستقرار الهشّ والتسويات المهشّمة أمام مفترق خطير. وإذا كان من الضروري انتظار نتائج التحقيقات لكشف ملابسات ما جرى، فإن الصحيح أيضاً أن الدم أريق في الجبل لكن الخوف والقلق والتوترعمّ لبنان، وليس أدلّ على دقة الموقف أمس من مسارعة كبار المراجع الروحيين لدى طائفة الموحدين الدروز إلى الدخول على خط التهدئة لإدراكهم حراجة وخطورة ما جرى ولمنع انزلاق الأمور إلى الأسوا.

من الضروري انعقاد المجلس الأعلى للدفاع اليوم، لكن المشكلة ليست أمنية فحسب، ومن التبسيط بمكان اعتبار ما جرى نتاج ردة فعل على زيارة الوزير جبران باسيل لمنطقة الجبل، وهو الذي يثير إشكالات وتباينات حول مواقفه كيفما راح أو اتجه، لكن هذه المرة كان الثمن قتلى وضحايا! المطلوب بحث في الخلفيات السياسية والأهم وعياً بخطورة استسهال اللعب بالاستقرار تحت مسميات التحجيم.

هنا تتجه الأنظار إلى موقف لرئيس الجمهورية ميشال عون من الاشتباكات السياسية، ومن تهشيم صورة العهد من خلال الاستقتال والاستعجال لوراثته، ولو على حساب الاستئثار بالسلطة والمسّ بالتوازنات الوطنية وإثارة النعرات الطائفية واعتماد الخطاب الشعبوي المستفزّ. موقف الرئيس عون بات ضرورياً لتخفيف الاحتقان وترميم التسويات.

ثم إنه ليس سراً القول بأن وليد جنبلاط يشعر بالاستهداف السياسي ومحاولات التحجيم والمحاصرة، ذلك أن زعيم المختارة يرى أن الأزمة في لبنان، بما هي انعكاس لأزمة أكبر، ولا تنحصر بطموح رئاسي قد يكون مشروعاً عند هذا أو ذاك. وما ينقل أو يسرّب عنه، يَشي بأن الرجل متخوف من صفقة أكبر يجري العمل عليها وقد يترتب عليها إعادة خلط للأوراق في لبنان والمنطقة، من منطقة الخليج واليمن إلى العراق فسوريا ولبنان والأراضي المحتلة. وفوق ذلك يستشعر جنبلاط أن الموفدين الدوليين، الأوروبيين والأميركيين، يقاربون القضايا بالكثير الكثير من الكلام والتحليلات التي تأتي الوقائع لتدحضها، والأمثلة على ذلك كثيرة. هنا يفهم الاعتراض الذي أبداه مناصرو “الحزب الاشتراكي” على زيارة باسيل ورأوا فيها استفزازاً واستخفافاً لا يليق بزعامة جنبلاط.

فوق ذلك، إن خطاب نبش المآسي، وفتح الجروح، والإغراق في الشعبويات والعنصريات، لا يبني وطناً ولا يؤسّس لمصالحات أو يعزز الاستقرار، حتى ولو جلب منافع آنية لدى الجماهير الخائفة أو التي يجري تخويفها من بعضها البعض، فإذا ما أضيف لكل ذلك استنفار مؤسسات الدولة، عبر مرافقة مئات العسكريين لجولات سياسية غالباً ما تسبب الازعاج، كانت النتيجة فتنة متجولة وبناء مشروع سياسي قائم على تغذية الخلافات والانقسامات بين المناطق وداخل الطوائف نفسها، وهذا ما يستلزم ضرورة التنبه له لأنه مشروع تدميري ليس لأصحابه فحسب، بل للوطن كله.

بالتوازي، إن استخدام وسائل التواصل لتغذية الفتن، والتحريض الطائفي، وشحن النفوس، ونشر الحملات المشبوهة من غير رادع أو مسؤولية، ومن دون ضوابط يخرج بمستخدميها عن إطار ممارسة الحريات إلى كونه جرماً يستحق العقاب.

حادثة قبر شمون ليست معزولة عن مشكلة أكبر، وهي حملت أكثر من رسالة، وأرسلت أكثر من إشارة وعلى مسؤولي البلد وعي مسؤولياتهم أو الإسهام، ولو من حيث لا يشعرون، باغتيال لبنان من خلال محاولة اغتيال الجبل

احمد الزعبي – لبنان 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى