الفساد يُكلّف لبنان 10 مليار دولار سنوياً
يُعرّف الفساد بإساءة إستعمال السلطة لأغراض الإثراء الشخصي ويُعرفّه روبرت كليتغارت بالمُعادلة التالية: الفساد = إحتكار + سلطة – شفافية. وتكمن أسبابه بالأمور التالية:
اولا- غياب الإدارة الرشيدة والتي تحوي الإطار التشريعي غير الملائم، النظام قضائي غير الفعال، عدم الشفافية.
ثانيا – غياب سياسات محاربة الفساد.
ثالثا – الضعف المؤسساتي لمؤسسات الدولة و/أو المؤسسات الخاصة.
رابعا – الأجور المنخفضة لبعض المراكز الحساسة.
خامسا – الثقافة المحلية.
بحسب النظرية الاجتماعية يظهر الفساد كلما تلاشت الحدود بين منطق المصلحة العامة ومنطق المصلحة الخاصة. ويطال الفساد أصحاب النفوذ على كل المستويات، حتى الموظف البسيط في دائرة رسمية أصبح رهينة الفساد (بداعي الحاجة في أغلب الأحيان). ويحق للمرء أن يسأل عن كيفية حصول سجين على أجهزة خليوية ومن أمّن له الإتصال مع الخارج (مثال أعطاه الباحث الفرنسي إيف ميني).
أما تضارُب المصالح فيظهر عند الأشخاص أو المؤسسات في حال تواجدت لديهم أكثر من مصلحة مما يُؤثر لمصلحة إحدى المصالح على حساب المصالح الأخرى.
ولا يُمكن الحديث عن تضارب المصالح إلا ضمن منصب رسمي حيث تتضارب مصالح الشخص مع المصالح العامة في إطار المهام التي أوكلت إليه. من أجل تخطّي مشكلة تضارُب المصالح في فرنسا مثلاً، قام المسؤولون في وضع قانون يمنع على كل من يتعاطى الشأن العام التعاطي بالشأن الخاص مما يُعطي للشخص الحرية في تقييم الوضع بكل موضوعية.
وفي القطاع الخاص، تمّ وضع ما يُسمى بـ «سور الصين» وهذا التعبير يُستخدم في الشركات المالية لفصل مصلحة الزبائن عن مصلحة الشركة. في البلدان المُتطورة إقتصادياً، نرى القليل من الشركات الكبيرة والمتوسطة الحجم مرؤوسة من قبل أصحابها.
الثنائي القاتل في لبنان
بالنظر إلى هذا الثنائي القاتل للإقتصاد، نرى أن وجود أحد مكوناته يُسهّل وجود العنصر الأخر. وهذا الأمر يؤدي إلى صعوبة تحديد أي عامل هو الأساس، لذا يختصر الشخص هذا الثنائي بكلمة الفساد.
الفساد يطال كل شيء في لبنان ولكن لا يجب مزجه مع مخالفة القوانين (حملة السلامة الغذائية التي تقوم بها وزارة الصحة حالياً)، فمخالفة القوانين تُصبح فساداً عندما يُقدِم المستفيد على رشوة صاحب القرار (فساد) أو أن المستفيد وصاحب القرار ينتميان إلى نفس الحزب أو الطائفة (تضارب مصالح).
وهنا يُمكننا القول أن حملة وزارة الصحة هي حملة لتطبيق القوانين وليست لمكافحة الفساد، فطالما لا يوجد محاسبة لأشخاص في الوزارة لم يقوموا بعملهم في تطبيق القوانين، لن يكون هناك أي محاربة للفساد. وما يقوم به وزير المال حالياً وإحالته لموظفين في وزارة المال إلى القضاء، يُشكل محاربة للفساد على نطاق الوزارة.
والفساد وتضارّب المصالح متفشيين في لبنان، ويطاولان كل القطاعات بما فيها القطاع الإقتصادي والقضائي والإجتماعي. يُغطّي الفساد وتضارّب المصالح العديد من العمليات التي تقوم بها مؤسسات الدولة ووزاراتها مما دفعTransparency International إلى تصنيف لبنان على لائحة الفساد في المرتبة 127 من أصل 178 دولة.
ويطاول الفساد بحسب المنظمة النواحي التالية:
– المناقصات العامة في الوزارات، المديريات، المجالس، المؤسسات المُستقلة.
– التخمين العقاري الذي من المفروض أن يؤمّن مداخيل للدولة.
– التخمين / التهريب على المرافئ العامة من مطار، مرافئ بحرية، وحدود.
– التعيينات الإدارية في القطاع العام و/أو القطاع الخاص.
– الهدر في الإنفاق العام والذي في غياب المراقبة يُخسّر الدولة الكثير من الأموال.
– المعاملات اليومية التي تطال حياة المواطن اللبناني في كل الوزارات الخدماتية ومنها النافعة والضمان والأحوال الشخصية والسجل العقاري والمرفأ…
– بعض القرارات القضائية التي تحرم المواطن من العدل في المجتمع.
من النتائج المباشرة للفساد على الإقتصاد اللبناني، يُمكن ذكر حرمان خزينة الدولة من الأموال، إضعاف شركات لحساب شركات أخرى، تأخير المعاملات الإقتصادية، الإحتكار، غياب الإصلاحات، غياب الخطط الاقتصادية… وتُقدّر هذه الخسارة مباشرة وغير مباشرة (غياب الفرص) بما يزيد عن عشرة مليارات دولار سنوياً.
دوافع الفساد
التوزيع الاجتماعي في لبنان هو توزيع طائفي، مذهبي، مناطقي…إلخ، تختلف أولوياته بحسب الأسباب التي تُظهر حدته ولكن مصلحة الأنا هي أولوية في كل الظروف (Rational Self Interest Theory). ومن المؤسف القول، أن هذا التوزيع تغلغل في المجتمع على كل الأصعدة : الجغرافية، التربوية، الإقتصادية، السياسية… وأصبحت أفعال الشخص ترجمة لمصالحه الشخصية كما ولمصالح المجموعة التي ينتمي اليها.
وإذا كان إنتماء شخص إلى مجموعة هو إنتماء صادق نابع من عاطفة وإدراك (نظرية بلاتون)، إلا أن هذا الإنتماء يُصبح أقل صدقاً عندما يكتشف هذا الشخص الكم من المصالح التي قد تأتيه جراء إنتمائه الى هذه المجموعة. أخذت الأمور منحى آخر مع أداء سياسي طائفي أدّى خلال السنين الماضية الى خلق دويلات طائفية داخل المجتمع اللبناني نتج عنه إنقسام حاد على جميع الأصعدة.
ودخلت المحسوبيات السياسية في صميم القطاع الخاص حيث نجد شركات محسوبة بالكامل على فرقاء سياسيين تخدم مصالحهم. وجعل دور الهيئات الإقتصادية في لبنان حيال الوضع الإقتصادي، أقل من المُستوى المطلوب. السبب يعود إلى تشابّك المصالح حيث، نجد أن معظم أصحاب النفوذ يمتلكون مصالحهم الخاصة ولا يتردّدون في إستعمال صلاحيات السلطة لدعم أعمالهم الخاصة والعكس بالعكس.
أدّى عجز الأحزاب السياسية عن تمويل نفقاتها من رسوم المنتسبين اليها، إلى تشريع الفساد أيام الحرب الأهلية مما دفع المواطن إلى القبول بالفساد لكي يُسهّل معاملته. وكذلك الحال بالنسبة للشركات التي، ولتسيير أعمالها، لا تتردد في «إطعام» أصحاب القرار.
في الختام، يُمكن القول أن محاربة الفساد وتضارّب المصالح لا يُمكن إلا أن تمّر عبر قضاء صارم وقانون يمنع على كل من يتعاطى الشأن العام بتعاطي الشأن الخاص. وفي غياب هذين الأمرين تبقى مكافحة الفساد شعارات لا تُصرف في الاقتصاد.