قابلت أربع مرشحين نيابيين للمجتمع المدني في لبنان، وإيه في أمل

 

 

رمزي أبو اسماعيل – vice

ينشغل اللبنانيون هذه الأيام بالحديث عن الإنتخابات النيابية المقبلة والمقررة في 6 مايو، وهي الانتخابات الأولى في لبنان منذ العام 2009. طبعاً، كما هو متوقع، بدأت الأحزاب اللبنانية التقليدية بدعاياتها الانتخابية وبدأ المرشحون ببثّ إعلاناتهم والحديث عن برامجهم واختيار منصاتهم للظهور الإعلامي. والأهم طبعاً، كان اختيار الشعارات التي تنوعت بين “نحمي ونبني” لحزب الله، و”صار بدا” للقوات اللبنانية وفيما ادعى حزب الكتائب أن “عنا الحل” ولكن شعار تيار المستقبل “نحنا الخرزا الزرقا” فاجأ الجميع بتقليدته وأصبح حديث وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة الماضية.

الكثير من اللبنانيين قد حسموا خياراتهم بناء على الاصطفافات السياسية والمذهبية المعروفة، ولكن هناك من لا يزال يؤمن بأنه حان وقت التغيير -انو بكفي- وأن الطريق الوحيد لذلك هو باعطاء المجتمع المدني الفرصة لتأسيس نفسه على الأرض وخاصة بعد الأحداث التي عصفت بالبلاد على مر الأعوام من أزمة النفايات الى الأزمات البيئية المتكررة ساهمت في إنتاج حراك مدني يبدو انه نضج في الآونة الأخيرة وقرر خوض المعركة الإنتخابية على الرغم من الاختلاف الحاصل في بعض صفوفه. وقد عزز الرغبة بالترشح لكل المستقليين إمكانية الخرق الذي سمح بها القانون النسبي الجديد على الرغم من الملاحظات الكثيرة التي وردت عليه من كل الأطراف (فالقانون يلزم المرشحين بالإنضواء في لوائح مقفلة ما يخفض من إمكانية تحقيق خرق في لوائح الأحزاب وإيصال عدد من مرشحيه إلى مجلس النواب).

كحال كل الشباب اللبناني أتمنى أن أشهد تغيير حقيقي خلال هذه الانتخابات التي كنا بإنتظارها من تسع سنوات. أنا بكل بساطة أرى أن الأحزاب التقليدية فَشِلت على مر كل هذه الأعوام في بناء دولة مدنية يتساوى فيها المواطنون أمام القانون بغض النظر عن انتمائهم المناطقي والسياسي والطائفي. مجرد التفكير أن هناك خيار جديد آخر أشعرني بحماسة شديدة وقررت أن أبحث في أسماء المرشحين الجدد ساعياً لمقابلة بعضهم وأتعرف على برامجهم التي ستصنع فرقاً “محتملاً” للشعب اللبناني. تم تحديد الـ targets، قررتُ مقابلة أربع مرشحين من المجتمع المدني في دوائر متعددة وهم كما عرّفوا عن أنفسهم: الثائرة مايا ترو (31)، المرشحة عن المقعد السني في الشوف، الإنسانة الرافضة للظلم جومانا حداد (47)، المرشحة عن مقعد الأقليات في بيروت الأولى، الباحث في الذات المتقبل للآخر إبراهيم منيمنة (42)، المرشح عن المقعد السني في بيروت الثانية، الناشط السياسي والبيئي مارك ضو (39)، المرشح عن المقعد الدرزي في عاليه. لا أخفي على أحد حالة التوتر الإيجابية المصحوبة بالأمل التي رافقتني خلال ترتيب المقابلات مع هؤلاء المرشحين. مارك إكتفى بالرد على طلبي بعبارة OK أي أنه وافق على إجراء المقابلة في الزمان والمكان المحددين، فيما جومانا كانت كثيرة الحماسة لإجراء المقابلة، أما إبراهيم شديد اللباقة فأصر أن أتعرف عليه في منزله، وختاماً مايا كثيرة الحركة أتعبتُها عندما اضطررت الى تغيير موعدنا مرتين قبل أن نلتقي في النهاية.

كانت المقابلة الأولى مع مايا، والتي فازت ببرنامج الزعيم سابقاً على شاشة الجديد في مكتب حملتها الإنتخابية في الحمرا، والتي تترشح اليوم للانتخابات لأنها تعتبر أن الواقع السياسي الحالي لا يتوافق مع قناعاتها وإيماناً منها بأن التغيير لا بد أن يبدأ من الذات وأن المبادرة إلى التغيير أفضل من التأفف حول واقعنا. مايا التي كانت تخطط لأن تصبح طبيبة، تعمل حالياً في مجال الخدمة الاجتماعية حيث أسست جمعية تقدم الطعام للمحتاجين مجاناً لا تؤمن لها سوى الحد الأدنى من المدخول. “أود أن أرى نائباً يستخدم المواصلات العامة حتى يشعر بمعاناة الناس” تقول مايا. 

مايا، أصغر مرشحة عن المجتمع المدني في لبنان، تتميز بأنها سلكت الخيار المستقل في السياسة كخيار أول فهي لم تنتمي يوماً إلى أحد وهو ما يجعلها قادرة على مقاربة الجميع والتعاطي مع مشاكل الشباب بموضوعية بسبب قربها منهم. وعن ذلك تقول: ” أنا لم أرى نفسي يوماً جزء من المشهد السياسي الحالي وبرنامجي الانتخابي يرتكز على موضوعين أهتم بهما وهما تطوير المواصلات العامة وتأمين مجانية التعليم.”

بالنسبة لـ إبراهيم كان قراره بالترشح مرتبط بشعوره بفشل السلطة في إدارة البلاد. إبراهيم له تجربة سياسية سابقة حيث شارك في حملة بيروت مدينتي التي شاركت في الانتخابات البلدية قبل عامين والتي تضم عدداً من الشخصيات المستقلة وجاءت رداً على أزمة القمامة في لبنان. وفي حين أعلنت الحركة أنها “لن تشارك باسمها في الانتخابات المقبلة، لا بتشكيل لائحة ولا بالانضمام إلى تحالف” إلا أنها سمحت لأعضاء الحركة بالترشح كمستقليين. إبراهيم يرى أن “خبرته في الإدارة وبناء الجسور بين الأطراف المتنازعة يجعل منه مرشحاً متميزاً عن الآخرين.” وعن الهدف من ترشحه يقول إبراهيم المهندس المعماري وأحد المدراء السابقين في كل من شركة دار الهندسة وشركة خطيب وعلمي يقول: “عملي في الهندسة والإدارة وشخصيتي الهادئة يجعلوني مؤهلاً لمقاربة المشهد من زوايا مختلفة ما يُسهل عَلي تقبل الآخر والعمل معه خدمة للمصلحة العامة.” ويتابع: “دخولي المعترك السياسي كان سببه غياب من يمثلني تمثيل حقيقي، فأنا ابن بيروت وأطمح أن أراها مدينة رائدة ومتميزة تعكس الصورة الحضارية لأهلها بعيداً عن الزبائنية السياسية،” يقول إبراهيم مشيراً الى أنه يأمل أن يتم إعادة تصويب دور النائب ليكون “ضمير الناس وناقل لهواجسهم بشكل يتناغم مع أمزجة الأجيال الجديدة.”

أما جومانا، الكاتبة والصحفية والناشطة في مجال حقوق المرأة والأستاذة في الجامعة اللبنانية الأميركية، والتي تم اختيارها على مدى أربع سنوات كواحدة من أقوى 100 إمرأة عربية واحتلت عام 2017 المرتبة الـ 34 في هذا الترتيب، فترى أن الوقت حان لتنقل نضالها من الكلمة إلى العمل التشريعي والرقابي والذي تطمح من خلاله إلى تشكيل كتلة في حال الفوز تشكل ضغطاً على باقي الكتل النيابية والسلطة التنفيذية في محاربة الفساد. “عندما كنت أتحدث مع الناس عن كتبي أدركت أنني قادرة على التواصل بالكلام والتعبير الجسدي مع الناس كقدرتي على الكتابة وأدركت حينها أن الآوان قد حان لنقل أفكاري من الكتب الى خدمة الناس “لأنو حَلّنا،” تقول جومانا بالإشارة إلى شعارها الانتخابي بمعنى “حان الوقت.” جومانا تؤكد أيضاً على ضرورة تمثيل المرأة في الحياة السياسية: “نحن لا نريد أن نكون خلف الرجل ولا أمامه وإنما إلى جانبه في موقعنا الطبيعي.” أما بخصوص البرنامج الانتخابي، فتؤمن جومانا بضرورة تشريع قوانين تضمن المناصفة بين النساء والرجال في جميع الميادين هذا بالإضافة الى مشاريع في التعليم وحقوق الإنسان تعزز مفاهيم المواطنة لدى اللبنانيين.

من جهته، يرى مارك أن هناك مسؤولية على عاتق المجتمع المدني لتشكيل خيار سياسي جديد يرتقي لطموح الناس، وهو يشير الى أن ما يميزه عن باقي المرشحين المدنيين واقع أنه كرس سنواته العشرين الأخيرة للعمل والمتابعة السياسية على أمل أن يأتي اليوم الذي يصل فيه إلى موقع القرار. مارك المحاضر الجامعي بدأ نشاطه السياسي عام 1997 أثناء دراسته للعلوم الإجتماعية في الجامعة الأمريكية في بيروت حيث انتسب الى مجموعة طلابية سياسية مستقلة علمانية تدعى “بلا حدود” وساهم في عدة تجمعات وحملات ساهمت في تأسيس حركة اليسار الديمقراطي والتي إستمر في صفوفها حتى عام 2010 ليعد من بعدها الى صفوف النشاط السياسي المستقل حيث نظم مع آخرين حملة “حدا منا” عام 2012 والتي تبنت ترشيحه منذ ذاك الوقت. ساهم مارك أيضاً في إطلاق حملات مطلبية بيئية عديدة مثل حملة إقفال مطمر الناعمة ومعمل الإسمنت في عين داره. ويقول مارك: “إهتمامي بالواقع البيئي ليس Trend ولا رفاهية، فالأزمة البيئية تطال صحتنا ومائنا وطعامنا وأي خطة إقتصادية لا تشمل حلول بيئية ستكون مكلفة جداً على الإقتصاد المحلي من خلال زيادة الإنفاق في الطبابة وتأمين المأكل غير الملوث والمسكن اللائق،” ويضيف “نريد أن نبقى في بلدنا وأن نعمل لإنشاء بيئة تليق بأولادنا.”

بعيداً عن السياسة يجتمع المرشحون الأربعة على حبهم للمسلسلات الغربية مثل Game of Thrones و House of Cards و In Treatment. وفيما يجتمع جومانا وإبراهيم ومارك على حُبهم القراءة والمطالعة العامة للكتب والمقالات، تفضل مايا القصص المجسدة في الأفلام فهي ليست بمُحبة للقراءة بشكل عام. مارك لا يزال يعشق السباحة هوايته المفضلة والتي احترفها في سنوات شبابه الأولى وشارك ممثلاً لبنان في مناسبات عالمية. أما جومانا فهي قارئة يومية للصحف الالكترونية ولديها حب للموسيقى الشعبية التي تعكس ثقافة المجتمعات، فيما تمسّك إبراهيم، الذي لديه شغف بالغزف على الجيتار، بحبه للموسيقى الشرقية الجديدة غير المستهلكة فعبر عن حبه لفرقة مشروع ليلى.

ما الخطة في حال فوزهم في الإنتخابات؟ يقول مارك: “اليوم الأول بعد إعلان النتائج سيمثل تغييراً نوعياً في حياتي سأنطلق معه الى العمل مع مجموعة “حدا منا” نحو إنشاء خيار سياسي جديد يمثل تطلعات الجمهور.” وتوافقه جومانا التي تريد منذ اليوم الأول البحث عن المرشحين المستقلين الآخرين الفائزين بهدف بناء تحالف وطني يحاكي تطلعاتهم وتقول: “إنتهت المعركة وبدء العمل، ويدي ستكون مفتوحة لكل الذين يشاركون معي هم بناء دولة مدنية عادلة.” بالنسبة لإبراهيم اليوم الأول في حال الفوز سيمثل بداية العد العكسي في السنوات الأربعة التي على أساسها يريد من الناس أن تحاسبه: “الوقت قصير والعمل كثير ولن نقبل أن نحاسب إلا على حجم إنجازاتنا.” أما مايا فتريد أن تبقى قريبة من الناس لتحاول معهم معالجة همومهم. “لن أقبل أن يكون لدي مرافقة أو موكب أو حتى زجاج داكن على سيارتي، هذة الأمور تبني حواجز بيني وبين الناس الذين لولاهم لما وصلت الى البرلمان،” تقول مايا وتضيف: “أتمنى في حال الفوز أن أبقى قادرة على استخدام الباص للتنقل فاستمع للناس وأسمع منهم مشاكلهم اليومية لتبقى الحلول المطروحة في المستقبل تحاكي الواقع.”

الجميل في هؤلاء المرشحين بالنسبة لي هو اختلافهم، بين مايا التي كانت تخطط لأن تصبح طبيبة وجومانا التي كانت دائماً تريد أن تعبّرعن ذاتها بالكتابة، وإبراهيم الذي كان يود أن يصبح رجل إطفاء ومارك الذي لطالما أراد ان يكون سياسياً نرى أن التحرر من القيود المحيطة والغوص في الذات كان قاسمهم المشترك في السير في مسارات حياتهم والتي رسمت فرادتهم، فرأيتهم جميعاً أفراداً يعبّرون عن حقيقة ذاتهم بكل ما يفعلون ويقولون. قابلت أربع مرشحين نيابيين للمجتمع المدني في لبنان وأدركت أنه كما تقول فيروز “ايه في أمل.”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى