ثقافة (البرستيج) تترك اللبناني أسير المظاهر الخادعة ولو.. تحت رحمة الديون!
بداية وقبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من التذكير بأن العمالة الأجنبية هي قطعا ليست أوروبية او أمريكية، بل عربية محصورة في جنسيتين او ثلاث على الأكثر، اما ما عداها من جنسيات فهي شبه متركزة في أعمال النظافة والخدمة المنزلية (إثيوبيا وبنغلادش والهند). ولا تندرج خدمات المساعدة المنزلية ضمن سوق العمل في لبنان، وعليه يمكن استبعاد آلاف الأشخاص من خانة المنافسة.
الموضوع يرسو اذن على اليد العاملة العربية في المهن التي يستطيع المواطن اللبناني ان يجعلها مصدر دخله. فغالبا ما نسمع شكاوى من أن أبناء جنسية عربية ما لم يتركوا للبناني فرصة للعمل. (أكلوا البلد)، هكذا يقال. لكن عند التمعن في واقع الحال يظهر ان الصورة ليست مكتملة التفاصيل، ومجتزأة، وفيها من الاجحاف الكثير.
إذ اولا، يمكن للدولة اللبنانية ان تعد خطة محكمة للاستفادة من العمالة الأجنبية من دون الاضرار بالعامل اللبناني، لكن يبقى هذا الامر كما غيره من ملفات البلد الكثيرة قيد الانتظار الطويل. وهذا كما سواه يؤدي إلى تضخم اي مشكلة وتزايد اكلافها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
لكن علاوة على المسؤولية الرسمية، ثمة ثقافة ندفع ثمنها وتجلعنا نكابر على تقبل الحقيقة، وهي ان اللبنانيين، في معظمهم، كي نكون منصفين، ليس لديهم الأهلية والاستعداد النفسيين لمزاولة المهن التي يشغلها اليوم غيره من سوريين ومصريين وسودانيين.
انها ثقافة (البرستيج) التي تكبل البعض وتتركهم أسرى المظاهر الفارغة والخادعة ولو استلزم ذلك العيش تحت رحمة الديون. علما ان أجدادنا كانوا في علاقة تقبل ورضا تام عن درجاتهم الاجتماعية، حيث عملوا وكونوا أسرهم بناء على ما لديهم وما تسمح به فرصهم في الحياة التي غالبا ما كانت متواضعة. فهم فلاحون ومزارعون وبناؤون وعمال نظافة وحراس.
اما اليوم فيظهر ان عدوى المظاهر لم تترك لضحاياها اي فرصة ليعوا قدراتهم فيعيشوا ويعملوا بمقتضى ما تتيحه لهم من سبل العيش.
يمكن لقارىء هذه المقالة ان يسأل نفسه، اي هم عمال النظافة والبناؤون وعمال الورش والفلاحين اللبنانيين اليوم؟
من من بعض اللبنانيين مستعدا للعمل داخل محطة وقود؟ او عامل في ورشة بناء او نظافة؟ هذا البعض (من أصحاب التحصيل العلمي البسيط وأحيانا المعدوم) يفضل ان يبقى عاطلا من العمل على أن يحصل قوت يومه من عمل بسيط.
الفراغ الناشىء من فشل البعض في التصالح مع وضعهم الاجتماعي ومستواهم العلمي المحدود، يجعل فرص العمل اليدوي والبسيط سهلا أمام اي عمالة وافدة، من دون أن ننسى ان لدى بعض الشعوب القدرة على تقبل انقلاب احوالها. إذ ان اغلب ورش البناء في لبنان، على سبيل المثال، تضم عمالا عرب يحملون شهادات جامعية ودراسات عليا.
التصالح مع مقوماتنا الذاتية والعلمية والاجتماعية هي ملاذنا الوحيد لنعمل ونعيش ونكف عن استخدام “الغريب” شماعة لمشاكلنا.