إنتفاضة جنبلاط.. الرواية الكاملة
“ليبانون ديبايت”
يمكنُ وصف ليلة الأحد ٣ شباط ٢٠١٩ أنها بداية “إنتفاضة” وليد جنبلاط على “العهد”؛ الرجل يعتقدُ أنه بات مستهدفاً والهدف من وراء ذلك هو كسر شوكته، لذلك يرى أن المواجهة باتت مفروضة عليه، وعليه جهّز “بك المختارة” نفسه وبدأ يعد العدّة.
اعلان
المتابع لأحوال الزعامة الدرزية يُدرك أن “الوليد” له أتباع كثر وهؤلاء دائماً ما يتمنون خوض النزالات إلى جانبه وهو الذي امتهنَ المعارك لمدة طويلة من الزمن، لكن معارك الوقت الرّاهن مختلفة عمّا سبق، لذلك تتحضر الألسنة والجيوش الإلكترونية إلى جولات متتالية من حروب المنصات الإفتراضية والبيانات، ولعل الأدسم منها هو “حرب الكراسي” المتوقع نشوبها في مجلس الوزراء بعد إتمام “دخلة” الوزراء.
ليل السبت أصدر جنبلاط ما يشبهُ “أمر العمليات”، قضى بإنزال طابع التأهب على جميع أفراد كتلة “اللّقاء الديمقراطي”، الذين استنفروا ليل الأحد من أجل وضع خارطة المواجهة مع كل من الحريري وباسيل وفريقهما -إن جاز التعبير-، في داخلِ مجلس الوزراء وخارجه.
إلى جانبِ ذلك، زيّت جنبلاط أحصنته الرابحة في النزالات وجهّزها، ثم أحال مهمّة قيادة طَبور المعركة إلى “المشاكس” الوزير وائل أبو فاعور داخل مجلس الوزراء يعاونه أكرم شهيّب، وفي البرلمان أوكلت المهمة إلى “سريّة تيمور”.
ليل الأحد كال جنبلاط سلسلة إتهامات طال بها رئيس الحُكومة سعد الحريري ووزير خارجيته جبران باسيل، اتهامات أتت على صدى الخناجر وطعنات الأقربين ونكهة الخسائر ذات الطعم المر التي ذيقت على مذبح الوزارة، ما كان له أن اعلى شأنها.
الحريري تكفل بشيء من الرد، ما كان كفيل لفتح جراح الماضي الطويل وأعاد إلى الأذهان فترات العلاقة المتأرجحة بين جنبلاط والحريري الأب.
لجنبلاط هذه المرة أسباب يراها منطقيّة. هو يعتقد أن سيناريو إستهدافه يطرق باب الجبل، واقع الحال هذا لم يطال فقط السّياسية بل طال كل شيء، التمثيل والإتفاقات والتفاهمات، لذا يصبحُ من واجبه وضع يده على الزناد ثم انتظار اللّحظة المواتية لإطلاق النار.
يتهمُ وليد جنبلاط الحريري صراحة باللعب في التوازنات التي أرسيت داخلياً بعد الطائف؛ بالنسبة لزعيم المختارة هذا الأمر يعد من الكبائر لما يمس طائفته واستطراداً زعامته.
القصة بدأت حين لاحظ جنبلاط دخول تبدلات طبعت سياق المفاوضات الطويل الذي دار بين وبين رئيس الجمهورية وتالياً مع رئيس الحكومة وما نتج عنها، ولاحظ أن التفاهمات التي أرسيت منذ ما بعد الإنتخابات النيابية جرى النكث بها وتجاوزها، وقد تكوّنت لديه فكرة حول وجود “بروتوكولات تفاهم سرّية” بين العهد ورئاسة الحكومة.
أكثرُ من ذلك، يأخذ جنبلاط على الرئيس ميشال عون عدم الإلتزام بالنص الكامل للإتفاق الشفهي الذي توصّل إليه معه حول المقعد الدرزي الثالث الذي قضى بموجبه فك العقدة الدرزية التي طبعت سياق التأليف.
ما يأخذُ جنبلاط أكثر أنه بادر إلى التوجه صوب عون معلناً تفويضه الكامل عن نفسه ايجاد “مخرج عادل” على قاعدة “وهبنا الحل إلى كبارنا” وكان يأملُ أن يرد الجميل له.
يومذاك، وهب جنبلاط الحل إلى عون وفق منطق اختيار إسم من بين ٥ أسماء “وسطية” قُدمت إليه عبر ورقة بعدما خاض الزعيم الإشتراكي معركة عدم سلبه الوزير الثالث، ليتبين بعد نحو ٣ أشهر أن الشخص الذي جيء به لم يكن وسطياً بعد أعلن الولاء إلى دارة خلدة وبان أنه ارسلانياً بعد ٥ دقائق على التأليف، بل “سورياً صرفاً” وفق أدبيات جنبلاط، ففوجئ برد الجميل السّلبي له ونكث كل العهود، فأين التزام عون بالإتفاق وأين مروءة الكبار، تسأل مصادر قريبة من المختارة؟
ما زاد الطين بلة، هو إعتقاد جنبلاط أن البرتقاليين يتسللون إلى البيت الدرزي الداخلي ومد اليد على ما هو “حقٌ للدروز”، أو الدخول إلى ما ارتبطَ تاريخياً بهم، أي وزارة المهجرين ذات الحساسية المفرطة بالنسبة إلى الدروز، التي أحيل شغولها إلى وزير عوني كاثوليكي “راسب في الانتخابات” كان قد واجه الإشتراكيين في الشوف على متن خطوط اللائحة الأخرى رغم أنه كان “ضابط إرتباط” بينهم وبين الإشتراكيين، فـ “كيف يجري وضع شخص إستفزازي بحقيبة تصالحية؟
لكن القشة التي قصمت ظهر البعير وجعلت من جنبلاط ينتفض بوجه الحريري ثم باسيل، لم تكن فقط مسألة تساهل الحريري في تقديم دور باسيل على ما عداه، بل يكمن مصدر للارتياب في إدخال الطرف الدرزي الثاني شريكاً مضارباً وتكريسه حالة ثنائية مشاركاتيه من باب لجنة صوغ البيان الوزراي، التي حضر فيها وزير درزي من خارج عباءة جنبلاط للمرة الأولى منذ إقرار اتفاق الطائف.
هذه الحالة لوحدها تمثل هلعاً لدى جنبلاط، ليس بالضرورة على زعامته، بل من إرساء قاعدة يعتقد هو أنها “غير واقعية” ويعطيها ابعاداً تتخطى الحدود وتصل إلى محاولات الاغتيال المعنوي التي تخاض ضد العائلة بعد عمليات الاغتيال الجسدي.
وعلى سبيل ذلك، كال جنبلاط الإتهامات إلى الحريري و”بشكل جارف” خلال جلساته الخاصة التي وقفت على أبواب تشكيل الحكومة.
ويتردّد أن البعض نقل إلى الحريري مضامين كلام جنبلاط ضده، و انه “يراعي باسيل على ظهرنا، لكن الأخير فضل عدم الخوض بها.
السلم الذي تسلق عليه “طبائع الإشتباك” بين جنبلاط والحريري، ختم دخول المصلحين على الخط، الذي حاولوا على مدى السّاعاتِ الماضية إيجاد مساحات مشتركة للتلاقي تضع حداً للازمة الناشبة المتوقع أن تنتقل انعكاساتها السلبية “بكل ما تحمل من إحتقان” إلى جلسات الحكومة، ولاجل ذلك وضع هؤلاء علاقة الحريري وجنبلاط “موضع مراقبة” حتى يتبين لهم السبيل الأفضل إلى دخول أعماقها والتمهيد إلى حلها..
عموماً، جنبلاط ماضٍ في المواجهة ما دام الحريري “يجنح كثيراً صوب باسيل” ولا نقاش معه قبل “تسوية بعض الأمور”.