موسم التزلج يبدأ والثلوج لامست الثلاثة أمتار
الذهب الأبيض
لم تكد العاصفة “نورما” تنحسر، حتى أتت العاصفة تريسي وكست كلّ المناطق الجبلية بـ”الذهب الأبيض”، كما يحلو لأهالي بلدة اللقلوق الجبيلية تسميته. في إشارة الى الدخل المادي التي تؤمّنه حلبات التزلّج من وظائف الموسميّة لمئات العائلات. واللافت أنّ نسبة الثلوج المتراكمة قد لامست هذا العام، المترين ونصف المتر تقريباً، في سابقة من نوعها، بالمقارنة مع الأعوام المنصرمة.
جولة لـ”المدن”
بدت عطلة نهاية الأسبوع المنصرم مثاليّة لارتياد المناطق الجبليّة، والتمتّع بمناظر الثلوج الخلّابة والاستمتاع بنشاطات التزلّج على تلالها وتقاذف الكرات البيضاء، تحت أشعة الشمس الدافئة. فاغتنمت “المدن” الفرصة لاستطلاع الأجواء، وجالت على الطريق الممتدّ من اتوستراد جبيل – عنّايا، مروراً بالبريج وكفربعال وإهمج وصولا إلى اللقلوق، التي ترتفع بين 1700 و1950 متر عن سطح البحر. هناك حيث تخطف طبيعة لبنان الساحرة، في فصل الشتاء، الأنظار والقلوب. فبياض الثلوج الناصع الذي يغطي التلال والأشجار والمنحدرات الجبلية، يمنحها مظهراً خلّاباً يجعل الزائر يشعر بالهدوء والاسترخاء والسكينة.
يستغلّ الكثير من الأهالي الموسم لبيع القهوة والمشروبات الساخنة والمناقيش البلدية على طول الطريق، فضلا عن بيع وتأجير ملابس وألواح ومستلزمات التزلّج. فيما ينهمك كثيرون بجرف الثلوج من أمام منازلهم، مرحّبين بنا لاحتساء القهوة.
المتزلجون
على الطريق المؤدّية إلى حلبة اللقلوق، ركنت عائلاتٌ سيّاراتها جانباً وخرجت وأطفالها لتمضية بعض الوقت المسلّي في رحاب الطبيعة البيضاء، واللّهو و”التزحيط” على الثلج والتراشق بكراته وصناعة “رجل الثلج”، مستعيضين بذلك عن التزلّج في المنتجعات. وفي الحلبة، حركةٌ لا تهدأ. متزلّجون يتقاطرون ومن ثم يتجمهرون أمام المقاعد المتحرّكة، وينتظرون وصولها لتنقلهم من أسفل الجبل إلى أعلى القمّة، حيث تبدأ رحلة التزلّج.
رياضة فريدة
يزور الطفل مروان أ.، البالغ من العمر سبع سنوات، حلبة التزلّج للمرّة الأولى، واصفاً الموسم بـ”الرائع”. وهو اليوم في اللقلوق برفقة والديه لكي يعيش هذه التجربة المميّزة، ويقول والده “إنها رياضة نادرة وفريدة من نوعها في الشرق الأوسط”. بدورها، تصطحب السيدة ريتا م. بناتها الثلاثة إلى اللقلوق بشكل دائم. وتقول: “صحيح أننا لا نمارس رياضة التزلّج، إلّا أنّنا لا نوفّر فرصة للمجيء إلى هنا وتمضية نهار ممتع”. من جهته، يشدّد السائح الأردني أحمد غ. على أنّه لا يفوّت أبداً فرصة المجيء إلى لبنان في فصل الشتاء، “فأستمتع مع عائلتي برياضة التزلج التي تعلمتها منذ صغري، والأجواء أفضل من فصل الصيف بالنسبة إلينا، لذلك أنصح الجميع بالقدوم إلى لبنان في هذه الفترة من العام، لأنّ منصّات التزلج ومنتجعات جبال لبنان تضاهي جبال الألب”.
التدريب على التزلج
يقصد حلبة اللقلوق للتزلّج المحترفون والهُواة، وأيضاً المبتدئون، الذين يؤمّن لهم مكتب مخصّص للمدرّبين، مدرّباً لتعليمهم رياضة الـ ski والـ Snowboard.
“التزلّج هو ذكاء القدمين”: عبارة كُتبت على حائط المكتب، وهي من توقيع بطل التزلّج الفرنسي روجيه دوكريه، الذي يزور موسميّاً المركز، للإشراف على ورش العمل والدورات تدريبيّة للمدرّبين.
في هذا السياق، يلفت جورج حرب، وهو مدرب التزلّج وصاحب مدرسة لتعليم التزلج، إلى “وجود أكثر من 34 مدرّباً موزّعين على ساحات التزلّج”، مشيرا إلى أنّ “الثلوج في السّاحات مرصوصة بشكل جيّد منعاً لحصول حوادث مؤذية”.
وإذ يلفت حرب أنّ “نسبة الزوّار اللبنانيين إلى اللقلوق تصل إلى 95 في المئة من مجمل الزوّار، وبأن النسبة المتبقيّة هي للغربيين والعرب، بأغلبية أردنية، يرى أنّ “أسعار بطاقات الدخول إلى مراكز التزلج ارتفعت بشكل بسيط عن السنوات الماضية بسبب تدهور المواسم بشكل عام. أما كلفة استئجار المستلزمات، فلا تزال على حالها، علماً أنّها باهظة الثمن نسبةً إلى الوضع المعيشي في البلاد”.
رياضة للميسورين
التزلج رياضة لا يستطيع ممارستها سوى الميسورين، بحسب ما يؤكده شربل، وهو أب لولدين، قائلاً: “عائلتي تحبّ كثيراً هذه الرياضة، فهي مفيدة جداً ومسلّية، ولكنني أعترف أنني غير قادرعلى تكبّد أعبائها أكثر من مرة واحدة في السنة”. ويلفت إلى أنّ “التزلّج قد تحوّل في السنوات الأخيرة، إلى رياضة أرستقراطيّة للأثرياء فقط”. وتابع: “لقد تكبّدتُ ما يوازي الـ250 ألف ليرة لبنانية للدخول إلى الحلبة: 70 ألف ليرة للكبار و40 ألفا للصغار.هذا فضلا عن الإستعانة بمدرّب لمدة ساعتين، بتكلفة ناهزت الـ135 الف ليرة. بالإضافة الى استئجار أربع مزالج بقيمة 40 ألف ليرة، أي ما مجموعه 395 ألف ليرة لبنانية”.
وتؤكد السيدة ريما بدورها، أنها صرفت حوالى الـ600 ألف ليرة مقابل بطاقات دخول المركز واستئجار الملابس ومعدّات التزلج، لها ولأولادها الثلاثة، موضحةً أنّ أسعار استئجار الملابس والمعدات للأطفال والكبار تبلغ 50 ألف مقابل السترة والسروال، و35 ألف مقابل المعدات والحذاء.
أمّا روميو، وهو مغترب يزور لبنان موسميّاً، فقد أمضى وعائلته عطلة نهاية الأسبوع في فندق قريب من المنتجع، كاشفاً عن أنّ “أسعار الغرفة تبدأ بـ150 ألف ليرة. غرفة للأهل وأخرى للأولاد مع تكاليف التزلج خلال يومين. وبالتالي يكون المجموع مليون و90 ألف ليرة، من دون احتساب تكاليف وجبات الطعام”.
كلفة مرتفعة
رياضة التزلّج مرغوبة ومحبوبة من قبل عدد كبير من اللبنانيين، إلّا أنّ تكلفتها المرتفعة، تحول دون ممارستها بكثرة، خصوصاً بعد انخفاض القدرة الشّرائية للمواطن في الآونة الأخيرة. ويبقى التعويل على قدوم السياح الأجانب والعرب، وأيضا المغتربين، إلى لبنان، لإنعاش هذا القطاع المميّز في الشرق، وتحريك العجلة الاقتصادية والسياحية.