محمية «جزر النخيل».. شاطئ نظيف وسلاحف ونباتات وطيور نادرة…
مواصفات عديدة ومتميزة أدت إلى جعل «جزر النخل» الواقعة قبالة شاطئ طرابلس محمية طبيعية، وذلك لما تشكله من أهمية إيكولوجية وبيئية فريدة من نوعها ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة والعالم، فالجزر الثلاث التي تمّ تصنيفها كمحمية بموجب إتفاقية برشلونة، تم الإعلان عنها في لبنان على أنها محمية طبيعية في آذار من العام 1992 بموجب القانون رقم 121 والصادر عن مجلس النواب.
سُميت «جزر النخل» بهذا الإسم نظراً لوجود نخلة كبيرة على أراضيها، وقد تمّ استنبات 700 غرسة من تلك النخلة ما بين أعوام 2015 – 1997. كانت تُعرف قديماً باسم «جزيرة الأرانب» لأن أعداد كبيرة من الأرانب كانت تعيش فيها، وذلك خلال فترة الانتداب الفرنسي في لبنان، بعدها بدأ القيمون على الجزر بالتخلص من تلك الأرانب بغية الحفاظ على النباتات المهددة والنادرة فيها.
تبعد محمية جزر النخيل (أو النخل)، مسافة 5,5 كم عن شاطئ طرابلس وتقع في الشمال الغربي من بحر المدينة. تتكون المحمية من ثلاث جزر صخرية كلسية مسطحة، تشكل مع المياه المحيطة بها «محمية جزر النخل» الطبيعية.
هذه الجزر هي:
– جزيرة النخل وهي أكبر الجزر الثلاث وتبلغ مساحتها 20 هكتاراً. تتميز طبيعتها بأنها مسطحة من دون تضاريس تذكر حيث ترتفع أعلى نقطة فيها عن سطح البحر حوالى 6 أمتار.
– جزيرة سنني وتقع جنوب شرق جزيرة النخل وتبلغ مساحتها 4 هكتارات. تتميز طبيعتها بالصخرية مع شاطئ رملي صغير يشبه في طبيعته الشاطئ الرملي لجزيرة النخل.
– جزيرة رامكين وهي أصغر الجزر الثلاث، تبلغ مساحتها 1،6 هكتار وتقع شمال غرب جزيرة النخل. طبيعتها صخرية بمعظمها ويبلغ أقصى ارتفاع فيها عن سطح البحر حوالى 12 متراً.
عن أهمية المحمية وتميزها عن باقي محميات لبنان تحدث لـ «الأمن» أمين سر لجنة محمية «جزر النخيل» الطبيعية عامر حداد فقال «من مميزات هذه الجزر أنها تعتبر محمية بحرية منفردة، تبرز أهميتها بما تحتويه من تنوع بيولوجي وما تضمه من أنواع نباتات وحيوانات وأنظمة بيئية». وأشار إلى أن أهميتها تكمن بأنها تشكّل محطة راحة للطيور المهاجرة النادرة، وتلك المعرضة عالمياً للإنقراض، كذلك يعتبر شاطئُها الرملي من المواقع القليلة المتبقية لتفريخ أنواع السلاحف البحرية.
تُعتبر «جزر النخيل» غير المأهولة بالسكان من المناطق البيئية والطبيعية المهمة ليس على مستوى شرق البحر المتوسط فقط بل والعالم، فهي تعتبر من أبرز الأماكن الرطبة في لبنان ويعود ذلك إلى وفرة المياه والينابيع والمستنقعات التي تنتشر فيها.
المحمية خالية من الأبنية وتقتصر المنشآت فيها على خيم مشيدة من سعف النخيل، باستثناء جزيرة الرمكين التي كان يوجد فيها مبنى قديم كانت تسكنه عائلة لإدارة عمل المنارة الموجودة على الجزيرة لإرشاد السفن الآتية إلى مرفأ طرابلس. وأشار حداد إلى أن «هناك بعض الكافتيريات الصغيرة التي تقدم المشروبات للسياح الذين يأتون للسباحة والغطس على شاطئ المحمية الذي يعتبر من أنظف الشواطئ في لبنان». وقال حداد إن هناك مشروعاً لإقامة نادي للغطس ومعرضاً للصور تحت الماء.
المحمية مصنفة عالمياً كمحمية بحرية وهي موضوعة تحت الجرد وفق إتفاقية «رامسار»، وفي هذا الإطار يقول حداد «تم وضع «جزر النخيل» الثلاث تحت حماية القانون، وتم إعلانها محمية طبيعية بتاريخ 9 آذار 1992 وفق قانون صدر عن مجلس النواب وحمل الرقم 121. تتبع المحمية وزارة البيئة، وتديرها لجنة مؤلفة من سبعة أشخاص متطوعين ولمدة ثلاث سنوات، وذلك بقرار من وزير البيئة لتقوم بإدارة شؤون المحمية وأعمال الحماية والوقاية. وأشار حداد إلى أن إدارة المحمية تبادر إلى وضع حراس في المحمية طوال أشهر الصيف لتنظيم حركة السياح والمحافظة على النظافة والممتلكات الموجودة على الجزر، أما في الشتاء فتكون المحمية تحت عهدة الجيش اللبناني.
سلاحف ونباتات وطيور نادرة
تتميز «جزر النخيل» بتنوع بيولوجي بري وبحري ونباتي فريد من نوعه، فالنظام البيئي البحري للجزر يعتبر ذو أهمية على المستوى العالمي، إذ إنّه يشكل واحداً من مواطن التفريخ القليلة المتبقية لنوعين من السلاحف المهددة بالإنقراض وهما: السلحفاة البحرية الخضراء وهي سلحفاة تقضي الشتاء في مياه جزر النخل، وتتغذى على الطحالب والأعشاب البحرية. والسلحفاة ضخمة الرأس وهي سلحفاة تعيش في مياه الإفريز القاري، وتضع بيضها في الشواطئ الرملية ما بين أواخر شهري أيار وآب. كما تستقبل المحمية في مغاور صخورها فقمة البحر المتوسط التي تعتبر الحيوان الثديي السادس على لائحة الأنواع المهددة بخطر الانقراض عالمياً.
عن أبرز النباتات التي تضمها المحمية يقول حداد «تتميز المحمية بغناها بالحياة النباتية الساحلية، ووفرة النباتات الطبية، ومنها النخل – خشخاش (papaver syriacum ) – شنداب بحري – الشمرة البحرية وهي نبتة معمرة ومهددة، غنية جداً بمادة اليود. الماميثا البحري وهي نبتة سنوية مميزة ومهددة، زهورها صفراء وورقها فضي مخضر، يمكن العثور عليها بالقرب من البحر، يُستخرج منها العصير ويستخدم كعلاج لأمراض الجفون على شكل قطرة عين، وتستخدم ككحل للعيون. الزنبق الرملي أو النرجس البحري هي نبتة صيفية زهورها بيضاء وكبيرة.
تعتبر محمية «جزر النخيل» موئلاً مهماً للطيور وبالطبع يوجد أنواع نادرة منها وتشكل استراحةً لما يقارب 156 نوعاً من الطيور المهاجرة منها: النورس أسود الرأس – ترغل – أبو مجرف canard souchet – الزقزاق المطوق grand gravelot – طير البلشون الرمادي أو مالك الحزين، العقاب بيضاء الذيل وطائر السلوى بالإضافة إلى خمسٍ وعشرين طيراً مشتياً في جزر النخل، ويمكن رؤيتها تقف على الصخور. ومن الطيور أيضاً طير الذعرة البيضاء النادر وهو طير يتوالد صيفاً ويهاجر شتاءً للمحمية، ويمكن العثور عليه في أماكن بالقرب من الماء. الخفاش الأكثر شيوعاً في لبنان والذي يظهر ليلاً ويمكنه أكل 3 آلاف حشرة في ليلة واحدة، أي بمعدل مليون حشرة سنوياً. ويعيش ذكره خمسة أعوام كحدٍ أدنى، وقد تعيش أنثاه مدة 16 عاماً. وينجب في حزيران أو تموز، ويتغذى من حليب أمه حتّى يتمكن المولود من التحليق، وذلك بعد ثلاثة أشهر من الولادة. يوجد أيضاً فراشة الحرفش التي تهاجر لمسافاتٍ بعيدة.
سياحة وأنشطة
تضم جزيرة النخل آثاراً لكنيسة صليبية بُنيت في القرن الثالث عشر وبقايا ملاحات تقليدية وبئر مياه عذبة، أما جزيرة الرمكين فتحتوي على فنار (يعمل حالياً على الطاقة الشمسية النظيفة) وخنادق ومواقع مدفعية قديمة تعود إلى فترة الانتداب الفرنسي. لذلك تشكل الجزر وجهة جاذبة للسياح سواء كان للتعرف عليها أم بقصد السباحة أو الغطس، فالذي يزور عاصمة الشمال ولم يزر جزر النخل فزيارته تبقى ناقصة. وفي هذا الإطار يقول حداد أن عدد الزوار السنوي الذين يقصدون المحمية يتراوح بين 7000 و9000 زائر وهم من مختلف الجنسيات وخصوصاً المغتربين اللبنانيين. وأوضح حداد أن زيارة المحمية متاحة خلال ثلاثة أشهر وضمن الموسم الصيفي المحدد، أما الأشهر المتبقية فتكون الزيارات مقتصرة على الأبحاث والدراسات العلمية من خلال أذونات مسبقة.
تساهم المحمية في التنمية المحلية من خلال مشاريع وندوات ودورات يشارك فيها المجتمع المدني. عن أبرز الأنشطة التي تنظمها لجنة المحمية يقول حداد إن إدارة المحمية تقوم بالتخطيط وإعداد الدراسات المستقبلية ووضع الخطط الإدارية الهادفة إلى المحافظة على الموارد الطبيعية في المحمية واستدامتها. أضاف: «هناك مخاطر تهدد المحمية نعمل على تجنب آثارها منها ما ينتج عن التغيُّر المناخي الذي يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه في الجزر.
الطريق إلى جزر النخيل انطلاقاً من العاصمة بيروت ثمّ التوجه شمالاً على بعد 80 كيلومتراً، وصولاً إلى طرابلس ثمّ المتابعة باتجاه الغرب نحو مدينة الميناء ومنها إلى مرفأ الصيادين، ثمّ يستقل الزوار مركباً حتّى جزر النخيل.