برّي: ما حدا يمزح معنا!
توتّر بين بعبدا وعين التينة…
عنوان التوتّر في البلد هذه الأيام هو القمة التنموية الاقتصادية العربية، وقطباه رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب. دعوة ليبيا إلى القمّة كانت الفتيل الذي أشعل المواجهة، وفتحت المجال لبيانات الردّ بين بعبدا وعين التينة، واستدعت اجتماعاً طارئاً للمجلس الإسلامي الشيعي تأييداً للرئيس نبيه برّي
لم تعد مُشاركة سوريا من عدمها، في القمّة التنموية الاقتصادية العربية، هي الواجهة للتوتّر الداخلي. فقد تحوّلت دعوة ليبيا إلى القمّة، ومُشاركتها عبر وفدٍ برئاسة رئيس حكومة الوفاق فايز السرّاج، هي الحدث الأساسي. أمس، بلغ التوتّر الداخلي أوجه، مع البيانين المُتبادلين بين اللجنة المُنظمة للقمة الاقتصادية (يرأسها المدير العام للقصر الجمهوري أنطوان شقير)، والمكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي اعتبر أنّ معلوماتٍ واردة في البيان الصادر من القصر الجمهوري «مختلقة وعارية من الصحة تماماً». ليس برّي «وحيداً» في معركته لمنع الوفد الليبي من الوصول إلى البلد، طالما أنّ قضية الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين لم تُحلّ. فقد حصل رئيس المجلس أمس على غطاء لموقفه من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الذي أسّسه الإمام المُغيّب. المجلس عقد اجتماعاً طارئاً برئاسة الشيخ عبد الأمير قبلان، وأصدر بياناً أعلن فيه رفض«دعوة السلطات الليبية للمشاركة في مؤتمر القمة الاقتصادية، فيما كان المطلوب من الدولة اللبنانية أن تُسخّر كلّ إمكاناتها للضغط على السلطات الليبية لكشف مصير الإمام وأخويه». اللقاء حضره كلّ نواب حزب الله، في إشارة أخرى إلى تأييد موقف برّي ودعمه.
وأوضح برّي أمس أنّ الشعب الليبي «ليس المستهدف، فالمواطنون الليبيون موجودون بكثرة في البلد ولم يتعرّض أحد منهم للأذى»، مُشيراً إلى أنّ «موقفنا نابع من كون قضية الإمام موسى الصدر ورفيقيه مبدئية. الإمام لم يقم بزيارة ليبيا بهدف السياسة، بل كان موجوداً هناك من أجل حماية لبنان». وقال برّي، أمام زواره، إنّ «النظام الليبي الحالي لا يتعاون للكشف عن مصير الإمام الصدر»، مستغرباً «موقف بعض القوى السياسية من هذا الملف». وتضمن كلام برّي تصعيداً، مع تأكيده أنّ «الموضوع مش مزحة. ما حدا يمزح معنا، وإذا كان البعض قد أشار الى أننا سنقوم بـ 6 شباط سياسي، فنحن نقول إننا سنقوم بـ 6 شباط سياسي وغير سياسي». وردّاً على الربط بين موقفه من دعوة دمشق إلى القمّة الاقتصادية، وكسب ودّ الدولة السورية، قال إنّ «علاقتي مع السوريين لم تتغير منذ خمسين عاماً. طرأ عليها الكثير من التباينات في الساحة اللبنانية، لكن موقفنا الاستراتيجي في الوقوف إلى جانبها لم يتغير، والدليل أنّنا كنا نستحضرها في كل خطاباتنا».
وكانت اللجنة المُنظمة للقمّة قد أصدرت بياناً، «هدفه توضيح بعض النقاط التي أُثيرت، وليس الدخول في سجال مع رئيس المجلس النيابي»، بحسب مصادر بعبدا. وورد في البيان أنّ «برّي أبلغ رئيس اللجنة العليا المنظمة للقمة الدكتور أنطوان شقير ورئيس اللجنة التنفيذية الدكتور نبيل شديد موافقته على دعوة ليبيا، على أن توجّه الدعوة عبر القنوات الدبلوماسية، فتمّ ذلك بواسطة مندوب ليبيا لدى جامعة الدول العربية. أما في ما يتعلق بدعوة سوريا، فقد أوضح عضوا اللجنة لدولة الرئيس بري أنّ هذه المسألة مرتبطة بقرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، وليس قراراً لبنانياً». وخُتم البيان بالإشارة إلى أنّه «خلال القمة العربية التي عُقدت في بيروت عام 2002، شاركت ليبيا في القمة بوفد رفيع المستوى (ترأسه أمين شؤون الاتحاد الأفريقي في اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي، علي عبد السلام التريكي)». وسرعان ما أتى الردّ من المكتب الإعلامي لبرّي، مُكذّباً ما ورد، كاشفاً أنّ «وزير المال زار فخامة الرئيس بناء على طلب الرئيس بري، مُحتجاَ على توجيه دعوات إلى الليبيين». وفي هذا الإطار، تقول مصادر مواكبة للملف إنّ «الظرف تبدّل بين الـ 2002 والـ 2019، وأهمه عدم التجاوب والتعاون في كشف مصير الإمام الصدر». وتؤكد أنّ الأمور مُتجهة إلى مزيد من التصعيد من قبل حركة أمل. الخطوة الأولى، ستكون الضغط لمنع حصول الوفد الليبي على تأشيرات الدخول. وإذا حاولت وزارة الخارجية منح الليبيين تأشيرات دخول، عبر السفير اللبناني لدى ليبيا أو البعثة في القاهرة (في حال قرّر الليبيون الدخول إلى لبنان عن طريق مصر)، «فمن المتوقع أن يتم توقيفهم في المطار وإعادتهم إلى بلادهم». مع استبعاد المصادر أن يُقدم السفير اللبناني في طرابلس الغرب، محمد سكينة، على هذه الخطوة، كونه مُقرّباً سياسياً من حركة أمل. أما إذا لم يتخذ الأمن العام موقفاً من الوفد الليبي، وشارك الأخير في القمة، فيجري التحضير لتحركات في الشارع.
ستضغط حركة أمل لمنع حصول الوفد الليبي على تأشيرات الدخول
من جهته، اتهم الوزير جبران باسيل رئيس المجلس النيابي، من دون أن يُسمّيه، قائلاً إنّه «لا يمكن أن تكون العلاقات مع سوريا موضع مزايدة داخلية يستخدمها طرف ما يريد أن يحسن علاقته الخاصة بها، فيُزايد على حساب لبنان». وأكد أنّه في «طليعة المطالبين بعودة سوريا إلى الجامعة العربية ولن نكون مجرد تابع لغيرنا نلحق به إلى سوريا عندما يقرر هو ذلك. نحن اعترضنا من الأساس على تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية وحافظنا على أفضل العلاقات معها، ومن الطبيعي أن نساعد اليوم على عودتها». وربط باسيل الموقف من سوريا، بإعادة الإعمار هناك، «فهل من المعقول أن نعاقب أنفسنا ولا نشارك لأن هناك دولة تمنعنا وتفرض عقوبات إذا شاركنا؟».
بعيداً عن الخلافات الداخلية حول القمة، يُستكمل التحضير لها، وقد وصل أمس إلى لبنان الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، الذي أكد أنّ «التجاذبات السياسية داخلية ولا تخص الجامعة العربية، فالجامعة معنية بانعقاد القمة ونحن هنا». وتقول مصادر قصر بعبدا، إنّه سيُعقد يوم الاثنين مؤتمر صحافي «لإطلاع الرأي العام على الترتيبات، والخطة الأمنية وخطة السير اللتين ستُعتمدان».