المصالحة الوطنية.. بقلم وهبي ابو فاعور

في نهاية ثمانينيات القرن المنصرم وضعت الحرب الأهلية أوزارها وتعدّدت الجهات والدول الراعية لوضع أسس المصالحات والتسويات الوطنية، وكانت في جنيف ولوزان واحدة من هذه المحاولات، وتعدد الوسطاء وكلٌ يغني على ليلاه ويريد مربطاً لخيله في لبنان.

ويكاد يجمع اللبنانيون اليوم من مختلف الطوائف والعقائد والاتجاهات والمناطق بأن المصالحة التي جرت في الجبل عام 2001 تأخرت ما يزيد عن عشر سنوات، إذ كان يجب أن تحصل بعد اتفاق الطائف 1989 وإلا فبعد إنهاء التمرّد عام 1990 !!

شيء من هذه الأهداف لم يحصل، ويتقاذف اللبنانيون بذكائهم المعهود وتفسيراتهم الذاتية مسؤولية التأخير، وكلٌّ ينسبها إلى الفريق الآخر. من الممكن ذلك إلا لأنصار الحق الوطني في العدل من أجل الحصول على مبادئ العدل والمساواة في الحقوق والواجبات الوطنية. وهذا كان الشعار الذي رفعته الأكثرية الوطنية بكثافتها الإسلامية. فالرد على تهمة التقسيم لا يكون إلا بالوحدة، وإلغاء الحواجز المادية والمعنوية لا طريق إليه إلا بالمصالحة الشاملة على صيغة الحكم الجديد للبلد.
ولكن كان في أعماق الناس أن مسؤولية التأخير يتحملها إثنان أولهما الفريق اللبناني القابض على رأس وتفاصيل الحكم ولا يرغب بمشاركته من أي أحد بعناوين المشاركة، ويختبئ وراء مقولات فارغة بأنّ الفريق الآخر لا يؤتمن على خصوصية البلد الذي ولد له دون سواه والآخرون رعايا، وبذلك يكون يطلب علامة جيدة على بدء الحرب وتدرّجها السيئ، نافضاً يديه ممّا ارتكبت من آثام بحق الشركاء والمخالفين في بيئته، هذا الفريق كانت تحكمه وجهتا نظر: واحدة يمثلها أهرام السياسة الذين لم يرغبوا بتسجيل أي تنازل أمام تاريخهم الخاص، والثانية يمثلها فريق مغامر يتحين الفرص الدولية ويلعب على التناقضات ليبقى حاكماً وحيداً بما يمثل للبلد.

أمّا الفريق الثاني فهو الوصاية السورية المتقلبة المواقف والمتبدلة منذ بداية الحرب الأهلية. فمن دعم الفلسطينيين والحركة الوطنية إلى دعم الجبهة اللبنانية وإسقاط الجبل مع مسببي الحرب الأهلية. وإن خرجت أي قوة عن هذا التوجه فمصيرها معروف وتهم الخيانة والعمالة جاهزة لإلباسها للمتمردين على التوصيات. وهذا ما حصل وبشكل مخفق مع مبادرة القائد الشيوعي الشهيد جورج حاوي في ما عرف بلقاء إنطلياس فدفع ثمناً باهظاً من العزلة والشطب من الحياة السياسية.
وممّا يذكر في مجال المصالحات الأولية ما حصل مع النحّالين اللبنانيين من تقريب في وجهات النظر وتعاون في إطار تطوير التربية، وهذا ما حصل في أوائل التسعينيات حيث تربية النحل ناشطة مع مجموعة من المحترفين ممن يعرفون بشيوخ الكار وفي طليعتهم إثنان رحمهما الله هما الشيخ إبراهيم القضماني من راشيا الوادي والسيد عجاج الحلبي من فالوغا وكلاهما يرأس تعاونية أهلية لتربية النحل تضم مجموعة من الهواة والعاملين الجدّيين. وفي بحثهما عن تنمية النشاط تبادلا العلاقة مع الأستاذ رشيد فرح الذي كان له نفس الاهتمام مع مجموعة من النخبة البيئية، أذكر منهم رالف نوفل وفادي أبوسليمان وصعب وهبي وأمال وهيبة وآخرين. وكانت هذه المجموعة تؤسس جمعية APIS وتنشط في كسروان وجبيل.

وفي البحث عن سر عمل النحلة وتقوية إنتاجيتها بإيجاد المراعي لها ووقايتها من الأمراض الفطرية، تمّ تبادل الخبرات واتسعت دائرة النشاط لتشمل نحّالين من العديد من الجمعيات التعاونية على كامل الساحة اللبنانية بدءاً من بيت الفقس – ضيعة الشعر والعسل – كما تسمى مع حسين عواضة وأحمد شحاذة إلى عاليه والشيخ الوقور سالم أبوغانم ومعه رفيق أبوطرية وغيرهما وصولاً إلى الشوف مع الشيخ حاتم أبودرغم والسيد طلال فواز من شحيم وإلى الأخوة طارق ياسين ومحمد علي جواد وعبدالغني عبدالغني والشيخ محمد الزغير الجنوبيي الإقامة والنشاط، ولا تُنسى جهود الأستاذ سامي عبود من القرعون ويوسف البيطار من الكرك – زحلة وحمد جعفر من بعلبك.

كل هذه القامات العاملة والمنتجة تشاركت في إنشاء الجمعية المتحدة لتعاونيات النحل في لبنان وأنجزت مؤتمرين للنحلة في الجامعة اليسوعية سنتي 1995 و1998 بالتعاون مع اتحاد النحّالين العرب ومنظمة نحالين بلا حدود الأوروبية.
مع هذه المجموعة كانت مصالحة وطنية شعبية وإنتاجية قبل المصالحة السياسية. ولا يسعني هنا إلا أن أوجه التحية لمن قاموا بهذا العمل الجريء والوطني للأحياء منهم، والرحمة لمن قضى مشيداً بثلاثة كانوا من المشجعين في تلك المرحلة وهم:

1ـ معالي وزير الزراعة المغفور له شوقي الفاخوري الذي شجع اللقاء ومدّ يد المساعدة للتعاونيات في خطوة شجاعة كلف فيها التعاونيات أن تأخذ على عاتقها معالجة مرض الفاروا في كل لبنان، وكان النجاح محققاً باعتراف الجميع يومها.

2ـ الأستاذ أنطوان شمعون مدير التعاونيات يومها والذي واكب عملنا وحصل على استشارة قانونية بأنّ يرأس الجمعية المتحدة رئيس جمعية بيئية.

3ـ أما الثالث فهو الأستاذ خطار سماحة رئيس الاتحاد الوطني للتعاونيات في لبنان الذي قدّم لنا رأيه وخبرته ومكتبه لإدارة نشاطنا.

لكل أصدقاء وناشطي تلك المرحلة الدقيقة والصعبة تحية تقدير ووفاء ورحمة للغائبين الذين غمروا هذا القطاع بأريحيتهم وخبرتهم وحبهم لنهضة البلد وشد أزر مزارعيه يتامى اقتصاد هذه الأيام الضبابية.
                    
وهبي ابو فاعور – الانباء

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!