من كمال جنبلاط إلى رئيس الجمهورية الأسبق سليمان فرنجية
القدامى من النواب والسياسيين والإعلاميين وكبار القضاة والموظفين والمسؤولين الأمنيين الذين تابعوا، وما يزالون يتابعون، مراحل الانتخابات الرئاسية في الربع الثالث من القرن العشرين، لا بد أنهم يتذكرون المعركة الرئاسية التي جرت في 17 آب 1970 بين المرشحين الراحلين: سليمان فرنجية والياس سركيس.
كان مجلس النواب في ذلك الزمن مؤلفاً من 99 نائباً. وقد فاز فرنجية على سركيس بفارق صوت واحد (50-49).
فمن كان صاحب ذلك الصوت الذي نقل الحظ بالرئاسة من الياس سركيس إلى سليمان فرنجية؟
بعد مضي 46 سنة على ذلك الإنتخاب الذي نقل لبنان من حال إلى حال مختلفة ما يزال الجواب عن السؤال غير ثابت بين النائبين الغائبين: كمال جنبلاط، وفؤاد غصن.
كان جنبلاط على صداقة متينة، وعلى ثقة وقدر كبير من الاحترام المتساوي بينه وبين الرئيس السابق الجنرال فؤاد شهاب الذي كان وراء ترشيح سركيس للرئاسة، فيما كان جنبلاط على نفور من بعض ضباط “المكتب الثاني” المحسوبين على العهد الشهابي، ولذلك قيل أنه لم يمنح صوته لسركيس.
وكان فؤاد غصن محسوباً على “النهج الشهابي”، وهو كان نائباً عن دائرة “الكورة” غير البعيدة عن دائرة “زغرتا” في الشمال ونائبها سليمان فرنجية (الجد) والجار القريب. ولذلك قيل إن غصن حافظ على أصول الجيرة ومنح صوته لفرنجية الذي فاز بالرئاسة.
وقبل يومين من دخول الرئيس فرنجية القصر الجمهوري في بعبدا زار جنبلاط فؤاد شهاب في مقره الصيفي في عجلتون (كسروان). وبعد تلك الزيارة قرر جنبلاط متابعة مسيرة عهد فرنجية من موقع المراقب والناقد وفي منتصف السنة الثانية من الولاية أعد وثيقة نقد وتوجيه ودعا إلى مؤتمر صحفي عقده في مركز الحزب التقدمي الإشتراكي يوم 8 شباط 1972، وتلا خلاله الوثيقة التي تضمنت مجموعة مبادئ، لعل نشرها مفيد في هذه المرحلة من مسيرة العهد:
– رئيس الجمهورية هو القاضي الأول للجمهورية. وبصفته هذه يسهر على عدم المساس بالحكم القائم على القوانين والأنظمة المرعية، ويشرف على القضاء بشكل عام كسلطة مستقلة مهمتها تطبيق القانون (مع الإشارة إلى أن بعض الدساتير تربط القضاء مباشرة بهيمنة رئيس الجمهورية المعنوية).
– رئيس الجمهورية يسهم في حماية الدستور من كل عبث في ممارسة عملية الحكم. وهذا هو معنى القسم الدستوري الذي يؤديه الرئيس أمام مجلس النواب. فالرئيس يتعهد إحترام الممارسة الدستورية والتقاليد التي تختص بالنظام الديموقراطي البرلماني، وهي تقاليد متماثلة وموحدة في جميع الدول الديموقراطية، وهي التي تجعل من الرئيس حكماً بين الأحزاب، وبين فئات المواطنين، إذ ليس القصد من القسم الدستوري المحافظة على الدستور كورقة – وثيقة تحفظ في خزنة من حديد. كما ان القسم الدستوري يعني إحترام توزيع السلطات، وإحترام مبدأ حكم شعب مستقل منبثق من سلطة مجلس نواب منتخب على قاعدة قانون إنتخابي يضمن التعبير عن إرادة الشعب.
– رئيس الجمهورية يلي الأحكام، ولا يحكم. يلتزم الدستور، ويثبت الأعراف والتقاليد والحقوق التي ترقى إلى مستوى قوة الدستور.
– رئيس الجمهورية سلطة غير مسؤولة سياسياً أمام مجلس النواب وأمام البلاد. إنما التبعة السياسية تقع على عاتق الحكومة، وعلى كل وزير منها.
– ينجم عن هذا المبدأ – الأساس (مبدأ لا مسؤولية رئيس الدولة) انه لا يحق لرئيس الجمهورية أن يبدي رأيه علناً في أي مسألة، أو ان يدلي بأي تصريح، أو بيان، أو خطبة، إنما الأعراف البرلمانية، والتقاليد الديموقراطية، تسمح له بأن يتوجه إلى مجلس النواب برسالة، على أن يكون رئيس الحكومة قد إطلع عليها ووافق على نصها ومحتواها.
– مبدأ اللامسؤولية يقضي بأن لا يستقبل رئيس الجمهورية أي سفير، إلا في حضور وزير الخارجية.
– صلاحية الرئيس بإقالة أي وزير حق مبدئي، لكنه لم يستعمل في لبنان، كما لا يستعمل في جميع الدول البرلمانية الديموقراطية الراقية. إنما قصد المشترع منه إستعماله في حالات شاذة، (كمحاولة وزير، أو أمر من وزير القيام بانقلاب عسكري).
– رئيس الجمهورية يستطيع، فقط بمفرده، أن يوقع معاملتين:
- معاملة تعيين رئيس الحكومة.
- معاملة إستقالته (شخصياً) من رئاسة الجمهورية.
عزت صافي – الانباء