فخار راشيا.. حرفة لا تندثر!
كانت راشيا الفخار حينها قبلة لأبناء المنطقة ممن يبحث عن عمل، من جمع الطين وعجنه وتحضيره لصناعة الفخار أو جمع الحطب ليستخدم وقودا في الأفران التي يوضع بها الفخار بعد تصنيعه، ومن ثم تلوينه وتزيينه برسوم مميزة ليصبح جاهزا للإستخدام المنزلي أو للزينة.
المختار السابق جريس حفيظ خليل الذي جاوز الـ 80 من العمر، وهو تقاعد من صناعة الفخار قانعاً ومرغماً في آن، يحن اليوم إلى الماضي القريب عندما تم في العام 1967، تأسيس الفاخورة الأولى (وهو مكان يتجمع فيه كافة صانعي الفخار في البلدة) في البلدة بالتعاون مع مؤسسة الإنعاش الإجتماعي وهي اليوم مهجورة وشبه مدمرة بسبب الإعتداءات الإسرائيلية منذ العام 1970. يقول المختار: «راشيا كانت قبل 30 سنة قرية صناعية نسبة للقرى المجاورة وتحتاج إلى يد عاملة كبيرة، أما اليوم، ليس لأن الجرة ما عاد تفوت بالبراد بل بسبب التهجير (بحيث يعيش اليوم في البلدة 200 نسمة من أصل 2000 نسمة)، والإهمال وغياب الدولة لتنمية الريف وتشجيع الحرف الخزفية خاصة وأنها من التراث اللبناني، إضافة إلى الصناعات البلاستيكية والزجاجية».
وكذلك الغزو والمزاحمة الخارجية، لا سيما من الصين، للفخار اللبناني عموماً والـ«ريشاني» خصوصاً، أي راشيا الفخار، لما يتميز به عن غيره من الفخار كونه رقيقاً وملوناً ويعطي برودة، وكحرفة في صناعته أو المواد الطبيعية والمستخرجة من أرض البلدة بدءاً من الطين وصولاً إلى الألوان المستخدمة في تلوين الفخار، حسبما يشير جهاد إسبر، أحد المعلمين الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وتجاوزوا الخمسين من العمر، وهم ما زالوا مصرين على العمل لإحياء هذه الحرفة أقله كي تبقى بلدتهم إسماً على مسمى.
ويسجل إسبر عتبه على منظمي المهرجانات التراثية والحرفية في الكثير من البلدات اللبنانية لاستقدامهم معلمي حرفة فخار سوريين وفلسطينيين تحت مسمى حرفيين لبنانيين، وفخار من صناعة غير لبنانية، متسائلاً، أليست هذه المهرجانات هي إحياء للحرف والصناعات التراثية اللبنانية؟ آملاً من الجهات المعنية دعم ما تبقّى من حرف لبنانية وحرفيين مصرّين الحفاظ على ما ورثوه عن الأجداد.
إبن راشيا الفخار الذي كان يولد فاخورياً، اليوم هو قلق على هذه الحرفة التي لا يعرف تاريخ دخولها إلى البلدة، لذلك تضافرت الجهود من أجل إنشاء تعاونية حرفية لصناعة الفخار، وهذا ما حصل منذ أربعة أعوام إذ تم انشاء مركز «التعاونية الحرفية لإنتاج وتسويق الفخار»، بتمويل من بعض المؤسسات المانحة واليونيفيل والـ UNDP والبلدية، ويرأسها وسيم خليل، وهو أحد من تبقّى من معلمي الفخار. ويؤكد أنه «من خلال هذه التعاونية يمكن القول أننا أعدنا تسليط الضوء على أهمية فخار راشيا، وبات أبناؤنا يطّلعون على هذه الصناعة أقله كحرفة، لما تحتاجه من ذوق وفن في تحويل الطين إلى أوان وتحف منزلية. وكذلك استطعنا، بفضل جهود المجلس البلدي وفعاليات البلدة، استقطاب الزوار من مختلف المناطق اللبنانية ورؤية ما تنتجه البلدة من فخار مميز»، مشيراً إلى «أننا ما زلنا نعمل جاهدين كي تبقى صناعة الفخار تنبض بالحياة»، آملاً «من الوزارات المعنية الإلتفات إلى بلدتنا وصناعة الفخار فيها، وحمايته من المنتج الأجنبي، لأن فخّارنا هو الأجود وفخر للبنان وتراثه».
رئيس البلدية سليم يوسف يلفت إلى أنه «حفاظاً على تراث بلدتنا التي امتزج اسمها باسم صناعة الفخار، وشعور منّا بأهميتها وعدم انقراضها سعينا كبلدية ومع كل أبناء البلدة والجهات المهتمة ومن تبقّى من معلمي هذه الحرفة من أبناء البلدة كي يبقى اسم البلدة مقروناً بهذه الحرفة قولاً وفعلاً».
يجمع أبناء البلدة بأنه لا أحد يعرف تاريخ دخول هذه الحرفة إلى بلدتهم، إلا أنهم يخافون من تذكّر تاريخ إنقراضها منها، لذلك فهم يناشدون كل من يهتم وتعنيه هذه الحرفة، من قطاعات رسمية وخاصة، أن يسعى إلى تقديم الدعم المادي والمعنوي لمن بقي يعمل في هذه الحرفة وخصوصاً لـ«التعاونية الحرفية لإنتاج وتسويق الفخار» في البلدة.