مكافحة السموم في بحيرة القرعون: التلوث مستمر

لوسي بارسخيان – المدن

المنصات الـ11 لا يمكن أن تكون كافية لتنقية مياه البحيرة كلياً من الطحالب (لوسي بارسخيان)
أطلقت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني مشروع المنصات العائمة في بحيرة القرعون. هي 11 منصة “تكافح السموم في مياه البحيرة، لكنها لا تعالج مشكلة تلوثه”. ثبتت في شرق بحيرة القرعون، من أجل الحد من نمو “الطحالب” المضرة بنوعية المياه، من خلال اصدار موجات ما فوق الصوتية.

نفذ المشروع بهبة هولندية قيمتها 400 الف دولار، بعدما تسبب نمو الطحالب السريع في الاعوام الماضية، بحجب أشعة الشمس عن مياه البحيرة، وأدى بالتالي إلى استنزاف الأوكسيجين وانبعاث الروائح الكريهة المترافقة مع افرازات مواد سامة تتسبب بها السيانوبكتيريا.

بعد تشغيل المنصات، تشمل مهمة الفريق التقني الهولندي المتابعة الدورية لحالة المنصات ونوعية المياه من حولها لمدة ثلاث سنوات، مع ترقب ظهور أي نوع جديد من الطحالب التي يسهل برمجة أجهزة الاستشعار ومحركات المنصات لمكافحتها أيضاً، على أن تقوم المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بتأمين الصيانة الشهرية لهذه العوامات، خصوصاً عبر تنظيفها من الاوساخ التي قد تؤثر على دقة أدائها.

في جولة نظمتها مصلحة الليطاني إلى البحيرة للتعريف بالمشروع، بدا الفريق التقني مرتاحاً للنتائج المحققة خلال شهرين فقط من اكتمال تجهيز الموقع بالمنصات، وإن اعتبر أن عددها الآن لا يتعدى نصف كمية المنصات التي تحتاج إليها البحيرة لتأمين نقائها التام من الطحالب، متجنباً تحديد فترة زمنية لذلك، قبل الانطلاق بتنفيذ برنامج القانون الذي اقره مجلس النواب من أجل رفع التلوث كلياً عن روافد البحيرة.

وفي اشارة إلى التقدم في مستوى نقاء البحيرة، يشير أحد مسؤولي الفريق التقني لـ”المدن” إلى ما سجله صيادو الاسماك في البحيرة من اعتراض، كون اصطياد السمك كان أسهل بوجود الطحالب، لأن السمكة لم تكن قادرة على الافلات من السنارة بسهولة. عليه، كان لا بد من وصول إلى تفاهم مع الصيادين حول نوعية السمك الذي يقدم كغذاء للمواطنين واقناعهم بوجوب تقدمه على الكمية.

بدأ المشروع، كما يشرح رئيس مجلس ادارة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني الدكتور سامي علوية لـ”المدن” اثر دراسات ومقارنات دورية لنوعية المياه، اظهرت تدهورها البيئي منذ العام 2008، عندما تحول لون مياه البحيرة إلى أخضر قاتم مع انبعاث روائح كريهة. وقد ورد ذلك في تقرير أعده الدكتور كمال سليم باسم المجلس الوطني للبحوث العلمية.

ووفقاً للتقرير فإن “أنواعاً محددة من السيانوبكتيريا استوطنت في البحيرة، وتكاثرت بشكل غير طبيعي متسببة بفرز مواد مسمة. ما هدد الاحياء المائية بشكل جدي في البحيرة”.

الخطر الأكبر للسيانوبكتيريا، كما يشرح سليم لـ”المدن”، هو على التنوع البيولوجي الذي كانت تحتضنه البحيرة. إذ كانت تحضن، وفقاً لدراسة أُعدت في العام 1985، نحو 108 أنواع من الطحالب، بالإضافة إلى 8 أنواع من الاسماك والبلاكتون الحيواني. يضيف أن ضرر السيانوبكتيريا يتجاوز الحياة المائية إلى البيئة المحيطة بها، ويتعداه إلى صحة الانسان الذي قد يصاب نتيجة احتكاكه بسمومها بأنواع من الحساسية والامراض المعدية، فيما لا تزال الدراسات تجري للتأكد من تسببها بسرطان الكبد.

منذ شهر تموز 2018، بدأت تظهر النتائج التدريجية للمنصات. إذ وفقاً لتقرير سليم “انخفض اللون الاخضر في البحيرة، وفقدت السيانوبكتيريا امكانية الوجود في الطبقات العليا، وبسقوطها إلى الطبقات السفلى فقدت امكانية التغذية عن طريق التركيب الضوئي”. إلا أن ذلك لا يعني أنه يمكن الحديث عن نتائج نهائية للمشروع، خصوصاً أن “التقنية المستخدمة حديثة في مختلف بلدان العالم، وبالتالي لا تزال في طور التجربة. والاهم هو المتابعة العلمية التي يمكن من خلالها التأكد من النتائج ونسبة النجاح”، كما يقول سليم.

إلا أن المنصات الـ11 لا يمكن أن تكون كافية لتنقية مياه البحيرة كلياً من الطحالب. من هنا، يشرح البرت جان بيريير، من الفريق الهولندي، لـ”المدن”، اختيار المواقع المحددة من أجل تأمين فعاليتها القصوى، وكان القرار أن توضع المنصات في الطرف الشرقي من البحيرة، قريباً من روافدها من نهر الليطاني الذي هو المصدر الاول للتلوث، في محاولة لتأمين المعالجة من اقرب نقطة إلى المصدر. أما في الجهة الجنوبية فلم تثبت سوى منصة واحدة لمراقبة ما يجري بعد تنقية المياه وامكانية تكاثرها بعيداً عن مصادر التلوث.

ولكن، حتى مع النتائج الاولية المرضية التي اعطاها المشروع، لا يمكن “التعويل عليه في خلق بيئة مثالية في بحيرة القرعون”، كما يرى علوية، “بل ان فعاليته الاولية هي في التخفيف من نسبة السموم التي تنفسها السيانوبكتيريا في هذه البحيرة، بينما مياه البحيرة لا تزال ملوثة بالصرف الصحي”. وهذه تعتبر المشكلة الاخطر التي تستنزف قدرات المصلحة، وتتسبب بخسائر سنوية يقدرها علوية بنحو مئتي مليون دولار سنوياً بعدما كانت لا تتعدى 30 مليون دولار في العام 2008. ويكفي في هذا الاطار الاشارة إلى توقف استخدام القناة 900 المجهزة لري الاراضي الزراعية في شمال البحيرة منذ سنتين بسبب تصنيف مياه القرعون بغير الصالحة للري حالياً.

وفي رأي علوية فإن حل المشكلة الاساسية لتلوث البحيرة، لا يتم إلا عن طريق وقف مصادر التلوث نهائياً عن البحيرة، عبر تطبيق برنامج القانون الموضوع منذ سنوات، والذي يقول إنه بدأ يشهد خطوات عملية في اتجاه التنفيذ، ولكنه يحتاج إلى تسريع الوتيرة مع تحديد الاولويات.

إلا أن علوية ينفي أن يكون تركيب المنصات في ظل الواقع البيئي الحالي للبحيرة والنقص الحاصل في عدد المنصات “هدراً” للطاقات والأموال. ويشير إلى أن المشروع منفذ بهبة هولندية، وقد رفضت المصلحة قرضاً من البنك الدولي لإضافة 11 منصة مشابهة في البحيرة. لأن القروض، وفقه، يجب أن تذهب لمشاريع جذرية في معالجة التلوث.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!