الحكومة تبطل الملاحقات الأمنية دون إذن قضائي
صدى وادي التيم – أمن وقضاء /
وضعت الحكومة اللبنانية حداً لما يُعرف بمذكرات «الاتصال والإخضاع» التي تصدرها الأجهزة الأمنية بحق أشخاص بشبهات أمنية وتعممها على المرافئ الحدودية، من دون إذن القضاء، علماً بأن ذلك إجراء موروث منذ أيام الهيمنة السورية على أجهزة الأمن اللبنانية. ويُنظر إلى هذا الإجراء على أنه «خطوة في مسار الإصلاح»، كون هذه المذكرات «تقيّد حريّة مواطنين، وتؤدي إلى توقيفهم بشكلٍ تعسّفي، وتشكل تجاوزاً للقضاء وسلطة القانون»، حسبما قال رئيس الحكومة نواف سلام في قراره.
وتصدر «وثائق الاتصال»، عن الأجهزة الأمنية، وليس عن القضاء اللبناني، وتتضمن أسماء أشخاص مطلوبين أو موضع مراقبة، لأسباب أمنية أو سياسية أو جنائية، وتتيح للأجهزة الأمنية توقيف المدرجة أسماؤهم بشكل مؤقت عند المعابر أو الحواجز الأمنية، والتحقيق معهم. وتُطبق آلية «وثائق الاتصال» في لبنان منذ حقبة الوجود السوري، واستخدمت بشكل واسع بعد أحداث نهر البارد، في شمال لبنان، عام 2007، في ضوء رصد نفوذ لجماعات متطرفة تنتقل بين لبنان وسوريا.
أما «لوائح الإخضاع»، فهي إجراءات تُتخذ ضد بعض الأفراد الذين يُعدون خطرين أو يشتبه فيهم، وتتضمن إخضاعهم للمراقبة أو للاستدعاءات المتكررة أو فرض قيود على حركتهم. وتشمل الإجراءات، في هذا الإطار، المراجعة الدورية من قبل أحد الأجهزة الأمنية، والإبلاغ عن تحركات معينة، ومنع السفر أو دخول مناطق معينة، كما يتم إخضاع الأفراد لهذه اللوائح من دون حكم قضائي، بل بقرار أمني، حسبما أفادت وكالة «أخبار اليوم».
تعميم رئاسة الحكومة
وأصدر رئيس الحكومة نواف سلام، الخميس، مذكرة إلى الأجهزة الأمنية، دعاها فيها إلى «إلغاء جميع وثائق الاتصال التي تصدرها بحقّ أشخاص، وتجريدها من أي مفاعيل قانونية ومراجعة القضاء المختص». وانطوت مذكرة رئيس الحكومة على لهجة حاسمة لجهة التقيّد بمضمونها، خصوصاً أنه سبق لحكومة الرئيس تمام سلام (2014 – 2016) أن اتخذت قراراً بإلغاء هذه الوثائق، غير أن الأجهزة لم تلتزم بها وبقيت سارية المفعول. وشدّد مصدر حكومي على أن «مذكرة رئيس الحكومة (نواف سلام) صدرت لتنفّذ، وفي حال عدم تنفيذها لكل حادثٍ حديث».
وخاطب سلام كلاً من «المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي»، و«المديرية العامة للأمن العام»، و«المجلس الأعلى للجمارك»، و«المديرية العامة للجمارك»، قائلاً: «عملاً بأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية، وبعد أن سبق لمجلس الوزراء أن أقرّ في 24 تموز (يوليو) 2014 إلغاء وثائق الاتصال ولوائح الإخضاع، الصادرة عن الأجهزة الأمنية والعسكرية، وعطفاً على تعميم النائب العام التمييزي الذي ألغى في عام 2014 جميع بلاغات البحث والتحري الصادرة بحق الأشخاص استناداً إلى وثائق الاتصال ولوائح الإخضاع الصادرة عن الأجهزة العسكرية والأمنية».
ورأى رئيس الحكومة أنه تبين أن بعض وثائق الاتصال والإخضاع ما زالت موجودة وهي تصدر عن الأجهزة الأمنية دون أي نص قانوني يجيزها، وهذا «من شأنه المسّ بالحرية الشخصية للإنسان وحقوقه، في حين يمكن لقضاة النيابة العامة إصدار بلاغات بحث وتحرّ سنداً لأحكام القانون». وشدّد سلام على أنه «بعدما تبين أن جهات ما زالت تصدر وثائق اتصال، إضافة إلى الوثائق القديمة التي ما زالت سارية المفعول، وبناء عليه واحتراماً للقوانين المرعية واحتراماً للحريات الشخصية، وحفاظاً على كرامة الإنسان، وضماناً لعدم المس بحقوقه وحمايته من أي توقيفات اعتباطية أو تعسفية، يُطلب العمل الفوري على إلغاء جميع وثائق الاتصال، وتجريدها من أي مفاعيل قانونية، ومراجعة القضاء المختص عند الاقتضاء».
وسبق للحكومة السابقة برئاسة نجيب ميقاتي أن طلبت إعداد دراسة قانونية تمهيداً لإلغاء هذه الوثائق، إلّا أن الدراسة لم تُنجز بفعل الحرب الإسرائيلية على لبنان. وأكد مصدر حكومي أن «هذه الوثائق تخالف القانون بشكل فاضح، وتقيّد حرية الأشخاص الذين تتناولهم هذه الوثائق»، مشيراً إلى أن «مذكرة رئيس الحكومة صدرت لتنفّذ، وسيكون الأمر تحت المراقبة». ولفت إلى أن «جهاز الأمن العام المعني الأول بتنفيذ هذه الوثائق التي تعترض أصحابها عند السفر، هو من أطلع رئيس الحكومة على فحواها، وطلب معالجتها».
موروث من الحقبة السورية
وغالباً ما تتميز وثائق الاتصال بالكيدية والتشفّي، وتستند إلى معايير غير موثوقة اعتمدها النظام الأمني اللبناني – السوري في ذروة سيطرة النظام السوري السابق على لبنان، وفق تعبير الخبير الأمني والعسكري العميد المتقاعد يعرب صخر، الذي أكد أن «غالبية هذه الوثائق تستند إلى غايات شخصيّة». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «كثيراً من هذه الوثائق استند إلى وشاية أو إخبار من مرجع غير موثوق، وللأسف يسارع بعض (مسؤولي) الضابطة العدلية إلى اعتمادها».
وعمّا إذا كان بالإمكان وضع حدّ لهذه الوثائق لمرّة أخيرة ونهائية، في حين تجاهلت الأجهزة الأمنية في السابق قرار الحكومة، أوضح صخر أن «سطوة الميليشيات في السابق كانت طاغية على قرارات الدولة، أما الآن فهناك فرصة حقيقية، حيث إن السلطة التنفيذية (الحكومة) تأخذ إجراءات حاسمة لتصحيح الخلل الذي كان قائماً في مسار الدولة، وهي توازن ما بين مقتضيات العدالة وحقوق الإنسان». وختم صخر بالقول: «وثيقة الاتصال تغيّب حقوق الإنسان، ولا تراعي مقتضيات العدالة».