الجيش جنوب اللّيطاني: المهمة انتهت!
صدى وادي التيم – أمن وقضاء /
في مثل هذا اليوم تماماً, قبل خمسة أشهر, وُقّع على اتّفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل, برعاية أميركية, بعد أكثر من عام ونصف عام من بدء حرب إسناد غزّة. كانت هذه المدّة كافية لحسم ثلاث مسائل أساسيّة:
– انتهاك إسرائيليّ صارخ لكامل بنود الاتّفاق, أبقى لبنان حرفيّاً تحت الاحتلال.
– التزام لبنان, من خلال إعلان رئاسيّ ثلاثيّ متكرّر, مندرجات الاتّفاق, وهو ما فتح الباب أمام “مشروع” حوار ثنائي بين “الحزب” ورئيس الجمهورية, بعد “تعاون” أبداه “الحزب” في التخلّي عن جزء من ترسانته العسكرية.
– تنفيذ الجيش لجزء من مهمّة تاريخية, لا سابق لها في سجلّه منذ نهاية الحرب الأهليّة, بجعل منطقة جنوب الليطاني خالية تقريباً من السلاح, وتنفيذ خطّة انتشار واسعة وبسط سيطرته على جزء كبير من مواقع عسكرية ومخازن أسلحة كانت تابعة لـ”الحزب”, من دون ضربة كفّ واحدة, لكن في ظلّ إبقاء العدوّ الإسرائيلي احتلاله لخمسة مواقع حدودية, وهو ما جعل الانتشار ناقصاً.
على مدار الأشهر الخمسة الماضية, “صبّت” تقريباً جميع وفود العالم في لبنان. جزء من هذه الزيارات معلن, وآخر ارتدى الطابع العسكري أو الدبلوماسي, وحتّى السياسي, البعيد عن الرصد الإعلامي. في خلاصة هذه الزيارات يمكن الاستنتاج أنّ الجميع, دون استثناء, يبدو كمَن يُنفّذ مُهمّة استطلاع ما آلت إليه الـ mission الموكلة إلى القيادة السياسية في لبنان, والذراع التنفيذية الجيش, لـ “نزع” سلاح “الحزب”, واستكشاف مدى قدرة لبنان على تقديم إشارات في شأن تقارب مع إسرائيل يقود إلى “سلام” محتمل أو تطبيع, وتقديم عروض مغرية لمساعدة الجيش في تنفيذ مهمّته الكبرى, بما في ذلك “عرض ملغوم” للعمل على الاستغناء عن خدمات “اليونيفيل”.
تحت الرّصد
لم يَسبق للجيش في الجنوب أن كان تحت الاستقطاب الدولي كما حصل منذ بدء تنفيذ الاتّفاق حتّى الآن, إذ “سَالت” مئات التقارير الدبلوماسية والعسكرية في شأن “تقويم الحالة” التي تصبّ في سفارات الدول الكبرى في لبنان, وعواصم العالم. ففي هذه البقعة الجغرافيّة الجنوبية تحديداً, حَسم الـ agreement انسحاب إسرائيل من المواقع المحتلّة, وانتشار الجيش وتسليم السلاح, مع خلاف لا يزال يُظلّل “التكمِلة”: هل اكتفى الاتّفاق بالحديث فقط عن جنوب الليطاني, أو إنجاز المهمّة “بدءاً من جنوب الليطاني”, وهو ما يعني شمول كلّ لبنان؟
في المعطيات, سَمِعت الوفود الدولية, خصوصاً تلك المعنيّة دولها مباشرة بتنفيذ الاتّفاق, ما يعكس خُلاصات التجربة العسكرية “السيادية”, على الأرض, لمهمّة استكمال الانتشار في جنوب الليطاني وتسلّم سلاح المقاومة.
في عناوينها الأساسيّة أنّ الجيش يُنفّذ قرار السلطة السياسية التزام كلّ القرارات الدولية, وأنّ “الحزب” نفسه وافق على قرار وقف إطلاق النار وآليّته التنفيذية, وملتزم لهما, وأبناء “البيئة”, “متعاونون ومتفهّمون”, لكنّ “الإسرائيلي فقط هو من يقف ضدّ الاتّفاق ويخرقه على مدار الساعة”.
ربّما الخلاصة “الذهبية”, التي يُكرّرها الجيش على مسامع كبار الوفود وأصغرها, لمسار عمل ضبّاط وعناصر المؤسّسة العسكرية خلال تنفيذهم الـ mission, أنّ “الجيش ينتشر, ويعطي الأوامر, ويُنسّق مع أعضاء لجنة المراقبة, ويسحب السلاح, ويفجّر أسلحة مُصادَرة, ويُسيّر دوريّاته… كلّ ذلك, بخلفيّة وطنية تعكس عقيدته القتالية, التي يستحيل أن تتسرّب إليها الحسابات السياسية لأيّ طرف خارجي أو داخلي”.
سقف عون وبرّي وهيكل
في الوقائع, أيضاً, أراح رئيس الجمهورية جوزف عون بـ “سقفه السياسي” العالي, وقائد الجيش العماد رودولف هيكل, عبر مداخلته الأولى من نوعها في مجلس الوزراء, ضبّاط الجيش العاملين في الجنوب كثيراً.
في الممارسة العسكرية على الأرض, يعمل الجميع تحت هذا السقف, وخلاصته الأساسيّة أنّ “الجيش ملتزم الاتّفاق والإسرائيلي يقف ضدّه”. وأوقح الاعتداءات الإسرائيلية تدميره لـ 20 مركزاً للجيش اللبناني على الخطّ الأزرق, واستمرار احتلاله لتسعة مراكز.
في حديثه إلى موقع “أساس” عكس الرئيس نبيه برّي جزءاً من هذه المقاربة عبر التأكيد أن “لا تسليم للسلاح قبل تنفيذ الشروط المطلوبة من العدوّ, وبعدما نفّذ لبنان المطلوب منه. هذه مسؤولية الأميركيين حتماً. وهذا يعني أن لا نسلّم كلّ أوراقنا ونضعها على الطاولة”.
بقعة مقفلة
وفق معطيات “أساس”, بعد خمسة أشهر من تطبيق الاتّفاق الذي تطبّقه إسرائيل بآلتها الحربية, وهو ما أدّى إلى نسفه من أساسه, حوَّل الجيش, من خلال مهامّه اليومية, قطاع جنوب الليطاني إلى بقعة “مقفلة” بالكامل, فلم يعد بالإمكان, بسبب طبيعة الانتشار والحواجز العسكرية وعمليّات الرصد, دخول أيّ نوع من السلاح, وهذا ما قاله صراحة العماد هيكل في جلسة مجلس الوزراء.
يشمل ذلك تسجيل توقيف عدد من السوريين الذين يُشتبه أمنيّاً في أسباب دخولهم منطقة جنوب الليطاني, بالتعاون مع مديرية مخابرات الجيش التي سجّلت إنجاز كشف هويّة مطلقي الصواريخ باتّجاه الأراضي المحتلّة.
بالوقائع, كلّ ما يُرصد من العناصر العسكرية, أو يُنسّق في شأنه مع لجنة المراقبة, يَضع الجيش, بمواكبة من فرق الهندسة وبحضور اليونيفيل, اليد عليه من دون حصول أيّ احتكاك مع “الحزب” الذي يترجِم, بالأداء, موافقته على الاتّفاق جنوب الليطاني.
وفق مصادر متابعة للوضع جنوباً, فإنّ منع دخول السلاح يُشكّل 50% من مضمون الاتّفاق, وهي مُهمّة أُنجزت بالفعل. تتوزّع عمليّات الجيش حاليّاً على أكثر من جبهة, إن لناحية استكمال جمع السلاح ومصادرته, وتفجير الجزء “التالف أو المضروب منه” في أمكنة بعيدة عن البلدات, وصولاً إلى إجراء استطلاع في مناطق على حدود النهر كما حصل قبل أيام في منطقة الدبش جنوب شرق بلدة يحمر -الشقيف, مع وفد أميركي.
عبّر الوفد الأميركي, ضمن جولات سابقة له أيضاً جنوب الليطاني, وفق معلومات “أساس”, عن ارتياحه لحجم الأعمال التي ينفّذها الجيش والنتائج على الأرض. وهي زيارات تندرج أيضاً تحت عنوان الوقوف على حاجات الجيش في هذه المرحلة.
إلى ذلك يتصدّى الجيش لمحاولات العدوّ الإسرائيلي توسيع بيكار احتلاله لبعض النقاط. وقد نجح في ذلك فعلاً, في تواريخ مختلفة, من خلال تصدّيه لبناء سواتر ترابية وفتح الطرقات في كفركلا ورأس الناقورة واللبونة والخيام ومركبا, وإزالة أشرطة شائكة وإشارات تحذير وضعها العدوّ, وأحياناً كثيرة وضع سواتر ترابية لقطع طرقات شقّها العدوّ, كما حصل أخيراً في اللبونة. كلّ ذلك بمواكبة من قوات “اليونيفيل” التي لم تتعرّض طوال فترة تنفيذ الاتّفاق جنوباً لأيّ مضايقات أو اعتراض من جانب “الأهالي”.
“جبهة إسناد” جنوبيّة
تتوسّع مهامّ الجيش إلى ما لم يشمله الاتّفاق حرفيّاً. يتمّ ذلك من خلال “جبهة إسناد” الجنوبيين للوصول إلى منازلهم, والتعرّف على مواقعها, واستكمال مواكبة الأهالي لانتشال جثث الشهداء من تحت الركام, والعمّال الموفدين من وزارة الاتّصالات والطاقة لإتمام عمليّات “التوصيل” الضرورية ووضع العواميد لإعادة جزء من الحياة إلى المناطق المنكوبة, ومواكبة تشييد البيوت الجاهزة التي يواظب العدوّ على استهدافها, وصولاً إلى مواكبة نقل “قفران النحل” التي تتعرّض أيضاً للاستهداف الإسرائيلي, والتصدّي لقطع شجر الزيتون وجرف الأراضي.
ملاك عقيل-اساس