حكومة المئة وزير!
كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: من اليوم يبدأ الانتظار الممل، لانجاز تشكيل الحكومة الجديدة التي يبدو من عنوان إستشارات رئيسها المكلف أنها ستكون في علم الغيب.
إستمع الرئيس سعد الحريري في إستشاراته غير الملزمة الى الكتل النيابية، وخرج بتصور كامل عن مطالبها وطموحاتها التي ربما تحتاج الى حكومة من مئة وزير، وربما الى وزيرين في بعض الوزارات السيادية والخدماتية، ليتمكن من تشكيل حكومته وإرضاء جميع الأطراف.
بات واضحا أن سهولة التكليف، لن تنسحب سهولة في التأليف، في ظل ما ظهر من صراعات سياسية، ومحاولات حصار الى حدود الالغاء، وتسابق على الحصص الوزارية كماً ونوعاً، وعلى الوزارات السيادية، حيث كشفت الاستشارات أن ثمة عراقيل جديدة لم تكن في الحسبان، في مقدمها طموح رئيس تيار “لبنان القوي” جبران باسيل بأن يحصل تياره على وزارة المالية أو وزارة الداخلية، المحروم منهما منذ العام 2005، في ظل إصرار الرئيس نبيه بري على أن تكون وزارة المالية من حصته، فضلا عن بدعة إعطاء الوزارات السيادية الى الطوائف الصغرى، وهو أمر مستجد سيضاعف من الصعوبات التي بدأت ترخي بظلالها على الرئيس المكلف الذي بدا عليه الارهاق وعدم الارتياح لدى إنتهاء الاستشارات.
يبدو واضحا أن أحدا لن يستطيع أن يخفف من وطأة صراع الثنائي المسيحي، بداية على منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ومن ثم على الحصص والحقائب، في ظل تشديد جبران باسيل على ضرورة أن تتناسب حصة “تيار لبنان القوي” الوزارية مع حجمه التمثيلي النيابي، ومطالبة القوات اللبنانية المدعومة سعوديا بلسان النائب جورج عدوان بحصّة مماثلة لحصّة التيار، قبل أن يرمي الكرة في ملعب رئيس الجمهورية باعتبار القوات من حصّته، حيث بدا أن عدوان يكمل ما بدأه الدكتور سمير جعجع الذي كان زار قصر بعبدا من دون موعد مسبق وعقد إجتماعا مع الرئيس ميشال عون لدفعه الى تبني مطالب القوات إلتزاما بتفاهم معراب الذي ساهم بانتخابه رئيسا للجمهورية.
أما حزب الله، فقد أبلغت كتلة الوفاء للمقاومة الرئيس المكلف بالفم الملآن بأنها تريد حصتها في الحكومة، مع إصرارها على إنشاء وزارة جديدة للتخطيط، من دون أن تقيم أي وزن للعقوبات الأميركية والخليجية عليه، ما يطرح سلسلة تساؤلات حول كيفية تعاطي الرئيس الحريري مع هذا الأمر، خصوصا بعد زيارته المرتقبة الى السعودية.
في غضون ذلك تتجه العقدة الدرزية نحو مزيد من التأزم، في ظل إصرار كتلة اللقاء الديمقراطي على حصر الحصّة الوزارية المؤلفة من ثلاثة وزراء بها، في مقابل إصرار النائب طلال أرسلان على تمثيل كتلته بوزير درزي ربما يكون من حصة رئيس الجمهورية، ما يعني حصول خلل في التوازن الطائفي بزيادة حصة الدروز الى أربعة وزراء في الحكومة، أو أن يحل أرسلان مكان وزير مسيحي من حصة الرئيس.
على الصعيد السني، ربما أدرك الحريري أن التنوع السني الذي أقرزته الانتخابات سيؤدي الى تقليص حصته في الحكومة، خصوصا في ظل الطلب الواضح والصريح من كتلة “الوسط المستقل” برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي بتمثيلها بحقيبة وزارية من دون تحديدها، وفي ذلك رسالة إيجابية جديدة من ميقاتي تجاه الحريري بعدم ممارسة مزيد من الضغط عليه، ما يضع الكرة في ملعب الرئيس المكلف، فإما أن يبادل إيجابية ميقاتي بايجابية مماثلة والاستفادة من كسر الجليد، لا سيما بعد إعترافه بأن ميقاتي خير من يمثل طرابلس والشمال، أو أن يمعن في شق الصف السني ودفع نصف نواب طرابلس الى معارضة شرسة.
يضاف الى ذلك طلب “التكتل اللبناني المستقل” باعطائه وزير مسيحي وآخر سني، وكذلك النواب السنة المستقلين الذين يحق لهم أن يتمثلوا بوزير، ما يعني أن حصة الحريري قد تقتصر على وزيرين فقط، ما سيجعله أمام إحراج كبير لجهة الوعود الكثيرة التي أعطاها لشخصيات سنية بتوزيرها في الحكومة الجديدة.
على قاعدة “أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب”، طالبت كل الكتل النيابية بالاسراع بتشكيل الحكومة بسبب المناخ العام الضاغط، ولمواجهة التحديات الداخلية والاقليمية، لكنها أودعت الرئيس المكلف مطالب، من شأنها أن ترهق كاهله وأن تجعله عاجزا عن تشكيل الحكومة.
أمام هذا الواقع، يرى أحد القياديين المتابعين أن تشكيل الحكومات في الظروف العادية ليس أمرا سهلا، فكيف اليوم في ظل كل هذه الطلبات التي تنهال على الرئيس المكلف؟، لافتا الانتباه الى أن كل التيارات السياسية تريد حكومة سريعة لكن أحدا منها لا يقدم التسهيلات، محذرا من الدخول في متاهات التأليف والشروط والشروط المضادة، لأن ذلك لن يكون في مصلحة أحد.
(سفير الشمال)