ولكِ في الذّاكرة مكانّ جميلٌ يا كفرشوبا..بقلم ريمه علامة

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم /

مَلءُ النفسِ اعتزازًا عند رؤية الاهالي والأطفال يجتمعون حول طاولة إفطار جماعيٍّ امتدّت أمتارًا بين ركام المنازلٍ في بلدةٍ “عصيّة الدّمع، شيمتُها الصبرُ” ؛ في بلدة  كفرشوبا التي تليق بها الأفراح والزينات.

مَلءُ الحناجر “اللهُ أكبر” على إرادة الحياة وقوّة الايمان وعزيمة الصّمود.

ومَلءُ قلبي شجنًا فوق شجَني ، وأنا أبحثُ في الصورة، جانب المئذنة ،عن المدرسة القديمة التي بدأت فيها مسيرتي في التّعليم الرّسمي.

أبحثُ ولا أجد…أفتّش بين الردمِ عن حيطانٍ ضمّت أصواتَنا لسنين وجمعتنا بباقةٍ من زملاءَ وطلابٍ وأهلٍ ما رأينا منهم إلّا الودّ والاستقبال الحَسَن …
سلامٌ عليهم وعلى شجاعتهم وقد شهدتُها مرارًا وتكرارًا في عيونِ صغارهم التي تكاد لا ترتجفُ رموشُها عند سماع أصواتِ مدفعيةٍ من القاعدة الإسرائيلية التي كانت على مرمى حجر من شبّاك الصف.

سنواتٌ مرّت سريعًا كأنها البارحة ،عندما إتّصل بي مدير الثانوية أنذاك (الاستاذ محمد نصوح القادري المحترم) وقال لي أعطوني بالوزارة رقمك كرمال تجي تعلمي عنّا بثانوية كفرشوبا. أجبته بعفوية وين بتصير كفرشوبا؟ أجاب ” بعد كفرحمام ” قلت ” وين بتصير ” كفرحمام” انا كنت برّات الحزام وما بعرف ضيع الجنوب!” فأخذ يشرح لي الطّريق والموقع ويشجّعني ويسمّي لي أساتذة ومعلمات من حاصبيا والجوار يمكنني أن أتواصل معهم وأذهب برفقتهم  (الزملاء أ.رانيا أبو دهن _ أسامة أبو فاعور _ جمال العيسمي _ عدنان أبو العز ثم انضمّت إلينا لاحقًأ الزميلات أ.  رويدا ورد _ ميادة ابو قنصول ..)

وهكذا صار و”ابتدأَ المشوار” إلى كفرشوبا في بداية شتاء ال ٢٠٠٤! ولم يمضِ وقتٌ قصير حتى ألِفنا هذه الطريق الغريبة فصارت جزءًا من صباحاتنا ،وحفظنا كل تضاريسها “كوع ،كوع “وصخرة ،صخرة” وحفظنا البيوت وعدد أحواض “البقلة” و”الجوري ” بدءًا من ابو قمحة صعودًا نحو كفرشوبا مرورا براشيا الفخار فإذا وصلنا راشيا الفخار نظرنا يسارًا إلى غرفة متواضعة للدفاع المدني تعطينا بعض الأمان.

ثمّ نجتاز جبلَ رملٍ وعُنفوان ، فنصلُ الى مفرق كفرحمام، نتوقفُ برهةً عند حاجز الجيش، فنأخذ جرعةً أخرى من الأمان.

ونُكملُ الطّريقَ صُعودًا وعيونُنا على” أجبابٍ غزيرةٍ من المشّة والهليون تشقُّ الحجارة لتلتقي ضوء النهار “نباتاتٌ تبدو في الظاهر هشّةً طريّة العود ، لكنها تثير العجب بقدرتها على العيش والصّمود مقاومةً للبردَ والريح على ارتفاع١٢٠٠ كلم، مثَلُها مَثَلُ سكّان هذه البلدة اللّطفاء، والأقوياء في آن.

وفي أيّام الصّحو تنتظرُنا الشّمسُ عند مدخلِ الضّيعة ضاحكةً كأنها في موعدٍ مع عزيز ؛ “توزّع علينا نظراتٍ من حريرٍ وتفلشُ خيوطَها الذّهبية شالَ دفءٍ علينا” .

وما إن نصل إلى السّاحة، فتشقُّ السيارةُ طريقًا لها” بين الدّجاحات الفرحة بصوت حجّةٍ تناديها لتنثرَ حبوبَ القمح لها “. وتلفحُنا رائحةُ مناقيشِ الصّاج ترافقنا حتى آخر الملعب.

وكنّا نركنُ السيّارة في ظلّ المسجد ونَدخل غرفة الاساتذة يستقبلنا ابريقُ شاي يُصَفّر وعيونٌ توزّعُ علينا كمشة “اهلا وسهلا” والكثيرَ من ” الحمد لله ربّ العالمين”.

 

ريمه علامة
سابقًا أستاذة اللغة الفرنسية في ثانوية كفرشوبا الرسمية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!