الموحدون الدروز: هوية عربية وإسلامية لا تحتاج حماية من أحد ..بقلم عامر صياغة

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم /
.
شهدت السنوات الأخيرة تحولات كبيرة في المشهد السوري، وكان للدروز دور محوري في مواجهة هذه التحديات. وكثيرا ما طُرحت تساؤلات حول موقعهم في ظل الأوضاع المتقلبة، وما إذا كانوا بحاجة إلى حماية خارجية. إلا أن العودة إلى التاريخ تكشف حقيقة مختلفة تماما: لم يكن الدروز يوما بحاجة إلى حماية من أحد، لأنهم جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية، وحمايتهم تكمن في جذورهم العميقة في هذه الأرض وانتمائهم الراسخ لهويتها.
الدروز، كطائفة إسلامية توحيدية، نشأوا في سياق الحضارة الإسلامية وكانوا دوما جزءا من النسيج العربي. لم يكونوا منعزلين، بل لعبوا أدوارا بارزة في الدفاع عن أوطانهم، ومواجهة المستعمرين والطامعين.
منذ العصر الأيوبي والمملوكي، كان للدروز وجود قوي في بلاد الشام، حيث دافعوا عن استقلالهم وحريتهم. وعندما جاء الاستعمار العثماني ثم الفرنسي، كانوا في مقدمة من قاوموا، وأثبتوا أن الانتماء للأرض والتاريخ أهم من أي تحالفات ظرفية أو مؤقتة مع قوى خارجية.
قاد سلطان باشا الأطرش الثورة السورية الكبرى عام 1925 في مقاومة الاستعمار الفرنسي ، التي لم تكن ثورة درزية فقط، بل كانت ثورة وطنية شملت السوريين من مختلف الطوائف والمناطق. رفع آنذاك شعار الوحدة العربية ورفض الوصاية الأجنبية، مؤكدا أن السوريين قادرون على حماية أنفسهم بأنفسهم.
لم يكن سلطان باشا الأطرش يبحث عن حماية خارجية، بل استمد قوته من شعبه ومن انتمائه للأمة العربية والإسلامية. وردد حينها المقولة الشهيرة:
“الدين لله والوطن للجميع” في إشارة إلى أن معركة التحرر ليست طائفية، بل وطنية جامعة. كما قال ” نحن لا نطلب الحماية من أحد، نحن نحمي أنفسنا بتاريخنا ومواقفنا.”
أما شكيب أرسلان، فكان المفكر والسياسي الذي دافع عن القضايا العربية في المحافل الدولية. لم يطالب بحماية الدروز بقدر ما نادى بحماية الأمة العربية من الاستعمار. كان يرى أن الخلاص لا يأتي من القوى الخارجية، بل من التمسك بالهوية العربية والإسلامية والاعتماد على الذات.
كتب في مقالاته أن ما يحمي العرب، ومنهم الدروز، هو تمسكهم بوحدتهم وهويتهم، وليس طلب العون من قوى أجنبية. وكان من أشد المدافعين عن وحدة العرب في مواجهة الاستعمار.
أما كمال جنبلاط فلم يكن زعيماً درزيا فحسب، بل كان قائدا عربيا وموحداً مسلماً منفتحاً يدافع عن قضايا التحرر والعدالة الاجتماعية. رفض الإنعزال الطائفي، ودعا إلى الانخراط في النضال الوطني والقومي، مؤكداً أن الدروز هم جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية. اغتيل كمال جنبلاط بسبب مواقفه الجريئة، لكنه ترك إرثا فكريا وسياسيا يعكس رؤية الدروز كجزء من النضال العربي الأوسع.
اليوم، وبعد الأحداث التي شهدتها سوريا والمنطقة، يبرز سؤال مهم: ما الذي يحمي الدروز؟
الجواب يأتي من التاريخ، فلنقرأه جيدا:
• لا تحميهم التحالفات المؤقتة، بل يحميهم عمقهم العربي والإسلامي.
• لا تحميهم التدخلات الخارجية، بل يحميهم إرثهم المقاوم وموقعهم في قلب الأمة.
• لا يحميهم انعزالهم، بل يحميهم اندماجهم في مجتمعاتهم الوطنية، كما فعلوا على مدى التاريخ.
الدروز في السويداء ،وجرمانا، وحضر وغيرها.. ليسوا بحاجة إلى حماية لأنهم لم يكونوا يوما أقلية معزولة أو منعزلة، بل كانوا دوما جزءا من نسيج المنطقة، وأبطالا في ميادين النضال؛ من جبل العرب إلى لبنان وفلسطين، فكانوا دوما في طليعة المدافعين عن العروبة، وشركاء في معارك التحرر.
إذن لا يمكننا قراءة تاريخ الدروز بمعزل عن تاريخ العرب والمسلمين، فقد كانوا دوما في قلب الأحداث، ليس كطائفة تبحث عن حماية، بل كسائر المكونات المجتمعية شكلوا نسيجا متمايزا في الأمة ذات هوية راسخة متميزة تغني هذا التنوع ضمن الوحدة.
ما يحمي الدروز ليس السلاح بقدر ما هو التمسك بجذورهم العميقة في العروبة والإسلام. ما عدا ذلك ضلال وتضليل لا يعكس ماهية الموحدين الدروز ولا خياراتهم الحكيمة العقلانية التي لطالما ميزتهم وميزت قياداتهم عبر الأزمنة.
عامر صياغه – عضو المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز ٢/٣/٢٠٢٥
