٢٣ شباط،مايا بشير الجميل الملاك تعود لحضن السماوات.. بقلم ميشال جبور
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم /
مايا الشهيدة وأصغر شهداء القضية،إسمحي لي أن أذكّر الناس هذه السنة وفي هذا اليوم بالتحديد بمعدن أبيك الرئيس بشير الجميل في ذكرى استشهادك.
٢٣ شباط،وإذ بي أسمع دوي انفجار وأنا في ثكنة الأشرفية،بدأنا بالتحقق ظناً منا أنه ناتج كالعادة عن سيارة مفخخة أو قذيفة ولم يخطر ببالنا بأنك وقعت ضحية يد الغدر والحقد التي أرادت اغتيال الشيخ بشير فامتدت عليكِ،وإذ في الوقت نفسه يتصل بي الرئيس للإستفهام عن الإنفجار ويريد أن يعلم إذا ما طالنا أي خطر.
أيتها الصغيرة الغالية،يد الموت السوداء استهدفت السيارة التي كنت فيها،فكانت الفاجعة أمام وزارة الخارجية وكان ظافر الحسن آنذاك مدير عام الوزارة الذي سارع للإتصال ببشير ليسأله عن سبب دخول شباب الكتائب إلى الوزارة بعد الإنفجار،وبكلمات ظافر الحسن علم الشيخ بشير بأنك يا صغيرتي استشهدتي،”شيخ بشير،إبنتك شهيدتنا جميعاً فما ذنبنا؟”،وبصلابة منقطعة النظير قال له الشيخ بشير بأنه سيعالج الأمر،السيارة كانت قد تفحمت وكل من معك أضحى شهيداً،رحم الله الياس لحود ونعمة الله غانم وأنطوان واكيم،هؤلاء الأبطال يرقدون مع الأبرار والقديسين.
توجهت على الفور إلى مكان الفاجعة والتقيت بقادة كتائبيين وعلى رأسهم الرفيق بطرس خوند،فما كان منه إلا أن طلب مني أن أترك مسرح الجريمة النكراء وأتوجه إلى منزل الرئيس بشير الجميل كي أخبره بالحادثة الأليمة،وحتى هذا الوقت لم يكن أحد منا يعلم بأن الشيخ بشير قد عرف بما جرى بعد كلامه مع ظافر الحسن بالتليفون.
عندها،تقاطعت كل الأزمنة ببعضها بمشهد لا يفارق ذاكرتي وكأنه محفور في قلبي وعقلي كأثر جرح عميق على وجه مقاتل نجا من المعارك ولكن ترك الزمن العتيق في عينيه خدوشاً دامية ترفض أن تلتئم،أُخبر والدك بأنك استشهدت ووالدك الثابت في دماثته ينظر بوجهي برباطة جأش وكأنه إبتلع ألمه صمتاً وبدل أن يدمع،أمر دمعه بإطفاء حرقته من الداخل، أما أنا في هذه اللحظات السريالية وقفت أمام جبل لا يهتز،بشير الجميل،المتماسك والمتمالك والمسيطر وكأن الزمن قد توقف لبرهة،أقول له “العوض بسلامتك” فيجيبني “هل تأذى أحد من الشباب؟” وكأنه شعر بوطأة الإنفجار وأراد أن يتيقن إن كان ما يزال هنالك أحياء بينهم ولكن عندما أعلمته بأنهم استشهدوا جميعاً أضاف حازماً “سنقيم لهم مأتماً مهيباً ومأتم مايا سيقتصر على الأهل وهذا ما أريده”،كل ذلك وهو واقف أمامي كصنديد لا تجرؤ الرياح العاصفة حتى أن ترف له شعرة،كل ذلك وهو الحريص على الشباب وإكرامهم بدفنهم والمتواضع الصامت والمكابر على وجعه بفقدانك والبليغ الممتنع عن العراضات حتى في أقسى آلامه،فقدان إبنته الصغيرة التي خطت خطواتها الأولى بين رجاله وبين ذراعي.
مايا،أنت اليوم في الجنة مع والدك الذي لا يُقهر،وأردت أن أخبرك وأخبر العالم أجمع عن هذا البشير الصلب الذي كنا نرى به حلم لبنان وكنا مستعدين للموت من أجل لبنان الذي قطعنا وعداً له مع قائد وفخامة رئيس لن يتكرر،الأب والشيخ والقائد بشير الجميل.
إبتسمي لنا يا مايا من صدر السماء وأوصلي السلام لكل الشهداء،وللياس لحود ونعمة الله غانم وأنطوان واكيم وأخبري أباك بأننا نحترق شوقاً إليه،يا عزيزة الشهداء،مايا بشير الجميل.
ميشال جبور