لبنانيون في مواجهة شبح الحرب.. استعدادات محدودة وأعباء ثقيلة
صدى وادي التيم-لبنانيات/
تزداد مخاوف اللبنانيين من توسع رقعة الصراع بين حزب الله وإسرائيل على الرغم من محاولات واشنطن التوصل لحل دبلوماسي يبعد المنطقة عن شبح حرب شاملة.
وخلال اجتماع مع مسؤولين إسرائيليين بالعاصمة واشنطن، شدد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الخميس، على أهمية تجنب المزيد من التصعيد في لبنان والتوصل إلى حل دبلوماسي يسمح للعائلات الإسرائيلية واللبنانية بالعودة إلى ديارها.
وجاءت هذه التصريحات بعد زيارة للمبعوث الأميركي الخاص، عاموس هوكستين، لإسرائيل ولبنان، خلال وقت سابق من هذا الأسبوع، في محاولة لتجنب اندلاع “حرب أكبر” بين الطرفين.
ومع ذلك، فإن إصرار حزب الله، الجماعة المسلحة القوية المدعومة من إيران، على ربط جبهة لبنان بغزة، جعل من اللبنانيين يعيشون حالة من الترقب والقلق، ويستعدون للأسوأ في ظل ظروف اقتصادية خانقة تعيق قدرتهم على تحمل أعباء أي حرب جديدة قد تفرض على بلدهم.
ويتوقع اللبنانيون صيفا ساخنا بعد إعلان الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، “المصادقة” على خطط عملياتية لهجوم في لبنان بعد “تقييم مشترك للوضع في القيادة الشمالية”.
وقبيل هذا الإعلان، كان وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، توعد بالقضاء على حزب الله في حال اندلاع “حرب شاملة” بين الجانبين.
وتزامنا، حذر هوكستين، وهو كبير مستشاري الإدارة الأميركية لأمن الطاقة العالمي من خطورة الوضع على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل، مشيرا إلى أن المنطقة تمر بأوقات صعبة وأن إنهاء النزاع بين حزب الله وإسرائيل بطريقة دبلوماسية وبسرعة هو أمر “ملح”.
وتتبادل إسرائيل إطلاق النار مع حزب الله بشكل شبه يومي منذ هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، وكثف حزب الله هجماته ضد إسرائيل خلال الفترة الأخيرة، في وقت تسعى إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لمنع نشوب حرب بين الطرفين، في إطار جهودها لمنع تحوّل القتال في غزة إلى صراع إقليمي أوسع.
تأهب واستعداد
في ظل التوترات المتزايدة في المنطقة، تعيش هدى حالة من القلق من احتمال اندلاع حرب واسعة، وهي تتابع التطورات على مدار الساعة عبر مجموعات الواتساب.
وفي حديث مع موقع “الحرة”، تقول هدى: “أتذكر أهوال الحرب الأهلية التي عشتها وحرب يوليو 2006، وكيف أثرت على حياتي وحياة أفراد أسرتي وجيراني. لذلك، كلما سمعت عن ارتفاع احتمالات توسّع الحرب، يتجدد في قلبي شعور الخوف من تكرار مرارة التجربة”.
تشعر هدى بالخوف من أن يعاني أبناؤها كما عانت هي في صغرها، وتفكر في كيفية تأمين احتياجاتهم الأساسية وحمايتهم من الأخطار. تتساءل كيف ستتمكن من توفير الغذاء والماء والأدوية لهم إذا اندلعت الحرب، قائلة: “مع كل تصعيد عسكري أو تهديد، أغرق في بحر من القلق والتساؤلات التي لا تنتهي”.
وتواصل ابنة بيروت حديثها بالقول: “سمعنا تهديد مسؤولين إسرائيليين بأن العاصمة اللبنانية ليست بمنأى عن الضربات فيما لو توسعت الحرب، وكأنه لا يكفينا كل الأزمات التي نمر بها، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية. ليضاف إلينا همّ جديد بالتفكير فيما إذا كنا سنلقى مصيرا مشابها لغزة، من موت ودمار وجوع”.
ومن الاستعدادات التي قامت بها هدى لأي حرب محتملة، شراء المعلبات الغذائية والأرز والمعكرونة والبرغل “لأنها لا تحتاج إلى براد في حالة اندلعت الحرب وانقطعت الكهرباء”.
ورغم كل المخاوف، تؤكد الوالدة لثلاثة أبناء أنها لن تنزح من منزلها وإن كانت فكرة الهجرة من لبنان تراودها لتأمين مستقبل أفضل لأولادها بعيدا عن وطن يحيط به شبح الحرب ويلاحق مواطنيه في كل خطوة.
وتقول: “هو قرار ليس سهلا، لكنه أفضل من العيش على صفيح ساخن، وبكل الأحوال أتمنى أن يتجاوز لبنان هذه المخاطر بسلام، وأن يجد القادة السياسيون حلا يحفظ الأمن والاستقرار، ويسمح للبنانيين العيش بسلام”.
من جانبها، حزمت ريم حقائبها، وضعت فيها أوراق عائلتها الثبوتية وكل المستندات الرسمية والمصاغ، وبعضا من ملابسها وملابس زوجها وطفلها. ووسط زحمة الفوضى النفسية التي تعيشها، لم تنسَ المعلبات الغذائية.
اتصالات عدة تجريها ريم بحثا عن مأوى جديد، شقة في الضنية شمالي لبنان لشهر واحد أو منزل في العين البقاعية مسقط رأس زوجها. وفي حديثها لموقع “الحرة” تقول ريم: “لا أحب مغادرة منزلي في عين الرمانة، لكن هذه المنطقة قريبة من الضاحية الجنوبية، وأنا أريد أن أفعل كل ما في وسعي للحفاظ على حياتي وحياة أفراد عائلتي”.
تحديات المواجهة
ويعبّر علي وهو ابن بلدة عيترون الحدودية عن مخاوفه العميقة من تصاعد العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، مؤكدا أنه لا يرغب بتكرار مأساة عام 2006 عندما تهجّر هو وأهله من منطقتهم في الجنوب إلى الضاحية الجنوبية ومنها إلى سوريا.
ويقول: “منذ بدء المعارك في الثامن من أكتوبر في جنوب لبنان، نزح أهلي إلى منزلي في الضاحية الجنوبية، ليتم بعدها قصف منزلنا، والآن لا مأوى لنا سوى الشقة التي نسكنها في معقل حزب الله، ولا نعلم إلى أين سنذهب إذا اتخذت إسرائيل قرار قصف الضاحية”.
“الحل يجب أن يكون سياسيا” يردد علي، مشيرا في حديث مع موقع “الحرة” إلى ضرورة استعادة الاستقرار كما كان قبل التوترات الحالية.
ويضيف: “اللبنانيون لا يمكنهم تحمّل تكاليف حرب جديدة، خاصة كبار السن الذين يعيشون اليوم في ظروف صعبة بعيدا عن منازلهم”.
ويشرح قائلا: “أعرف عددا من كبار السن الذين آثروا العودة إلى منازلهم في مناطق القصف، مفضلين العيش تحت وطأة القذائف والصواريخ على الإقامة مع أبنائهم أو أقاربهم في مناطق أكثر أمنا. وذلك بسبب صعوبة تأقلمهم مع ظروف العيش الجديدة في تلك المناطق، كارتفاع درجات الحرارة بشكل غير معتاد وانقطاع الكهرباء المتكرر، وصعوبة التنقل، خاصة بالنسبة لمن يسكنون في الطوابق العليا، بالإضافة إلى ارتباطهم العميق بأرضهم ومزروعاتهم”.
ويشير علي أيضا إلى صعوبة استئجار منزل في هذه المرحلة بعيدا عن معاقل حزب الله، حيث يتزامن موسم الصيف مع ارتفاع الإيجارات وشروط الاستئجار الصارمة، كدفع ستة أشهر مقدّما، لذلك هو يؤجل أي قرار للنزوح وفقا للتطورات الميدانية ووصول طوفان النار إلى الضاحية الجنوبية.
وفي ذات السياق، يعيش رامي في حالة خوف دائم بسبب السلام المهدد، ويقول: “لم نعش في أمان وهدوء منذ ولادتنا في هذا البلد، دائما لدينا خوف من حدوث تفجير أو انفلات أمني. والآن نتخوف من مواجهة حرب مدمرة لم نعهدها من قبل”.
لا تقتصر معاناة رامي على الخوف وحده، بل تكبلّه قيود الأزمة الاقتصادية الخانقة. فراتبه البسيط كموظف تآكلت قيمته تحت وطأة انهيار الليرة اللبنانية، مما تركه عاجزا عن تأمين احتياجات طفليه الأساسية.
في حديثه لموقع “الحرة”، يقول رامي: “يصيبني الرعب من فكرة البقاء تحت رحمة ظروف خطرة قد تُفجّر بركانا من الفوضى والدمار”، ويتساءل بحرقة: “لماذا علينا أن نعيش هذا الكابوس المرعب؟ لماذا علينا أن نخشى من فقدان أحبائنا ومن التهجير من بيوتنا ودمار ممتلكاتنا؟ ما الذي سنجنيه من الحرب سوى الخراب والدمار؟”.
ويواصل رامي تساؤلاته التي لا تزال بلا أجوبة: “في أيام السلم بالكاد تستطيع مستشفيات لبنان تأمين العلاج لمرضاها، فكيف إذا اندلعت الحرب وسقط عدد كبير من القتلى والجرحى؟”.
تداعيات تفوق التحمّل
رغم التهديد والوعيد المتبادل بين حزب الله وإسرائيل، يرى المحلل السياسي، نضال السبع، أن “لا أحد يفضل الحرب وجميع الأطراف تسعى إلى التهدئة كما هو واضح. وبحسب المعلومات، حمل هوكستين تحذيرات إلى لبنان من توسع العمليات العسكرية وانفلات الأوضاع في جنوب لبنان. كما جاء من أجل الترويج لخطاب الرئيس بايدن الذي ألقاه في مايو الماضي، والذي يتضمن إطلاق الرهائن ووقفا دائما لإطلاق النار وصولا إلى إنهاء الحرب على غزة”.
ويشير السبع في حديث لموقع “الحرة” إلى أن “المبعوث الأميركي أبلغ رئيس مجلس النواب، نبيه بري، أنه في حال حصلت تهدئة في المنطقة، فإنها ستشمل قطاع غزة، مما سينعكس إيجابا على لبنان. رغم أنه في زيارته السابقة إلى بيروت لم يربط بين الجبهتين، حيث اعتبر حينها أنه ليس بالضرورة أن تشمل التهدئة في غزة جبهة لبنان”.
ويتوقع السبع أن تعمل الإدارة الأميركية التي تتحضر للانتخابات الرئاسية على 3 ملفات “أولها التهدئة في قطاع غزة، ثم اتخاذ إجراءات لاستتباب الأمن جنوب لبنان، لا سيما تطبيق القرار 1701، ومن بعدها العمل على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية. وعند تمكنها من إنجاز ذلك، سترتفع شعبية الرئيس بايدن في الداخل الأميركي مما سيصب في صالحه في الانتخابات”.
أما المتخصصة بالاقتصاد النقدي، ليال منصور، فتشدد على أن أي دولة تدخل في حرب يجب أن تكون لديها مدخرات من العملات الأجنبية وخطط واضحة لحماية شعبها، مشيرة إلى أن هذه الإمكانيات غير متوفرة لدى لبنان.
وتضيف منصور في حديث مع موقع “الحرة” أن لبنان ببنيته التحتية المتهالكة واقتصاده المتدهور، لن يكون قادرا على تحمل تداعيات حرب واسعة النطاق “فرغم أن خسائره الاقتصادية قد تكون أقل نسبيا من دول أخرى تدخل في حرب وذلك بسبب انهياره الحالي، فإنه غير مستعد لهذه التحديات، خصوصا في ظل ضعف تمثيله الرسمي، حيث لا يوجد رئيس جمهورية، والحكومة مستقيلة، ولا حاكم رسمي لمصرف لبنان”.
وتشير منصور إلى أهمية المساعدات الأجنبية التي تعتبر “شريان حياة يمد الاقتصاد اللبناني بالعملات الصعبة، مما يساهم في استقرار سعر الصرف، ودعم القوة الشرائية للمواطنين، وتوفير السلع الأساسية”، موضحة أن “لبنان يعد من أكثر الدول العربية اعتمادا على هذه المساعدات، التي تشكل 40 بالمئة من الناتج القومي، وفي حال اندلاع حرب سيتوقف تدفقها، مما سيكون له تأثير كارثي على اللبنانيين”.
وتشرح بقولها: “في حال اندلاع حرب، ستصاب القطاعات الحيوية بالشلل مثل المطار ومكاتب تحويل الأموال، بالتالي ستنقطع المساعدات الأجنبية، وفقدان هذا المصدر الحيوي للدخل سيجعل اللبنانيين يواجهون صعوبات هائلة في توفير احتياجاتهم الأساسية، وستعاني شرائح واسعة من المجتمع، خاصة ذوي الدخل المحدود من نقص في الغذاء والدواء والخدمات الأساسية، مما قد يهدد بحدوث أزمات إنسانية إضافة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة معدلات البطالة”.
وتشدد المتخصصة بالاقتصاد النقدي على أن الاعتقاد بأن الحرب قد تشكّل بديلا لجذب المساعدات والأموال هو “اعتقاد خاطئ”، مشيرة إلى أن هذا لا يصلح سوى في حال طالت الحرب وانتشرت الفوضى ومعها تجار السلاح والسوق السوداء. والحقيقة الأساسية هي أن الحرب تخلّف دمارا هائلا وتهدد حياة المدنيين، كما أنها تعيق عملية التنمية الاقتصادية”.
وتطرح مثالا بحرب يوليو 2006 “التي تمكّن لبنان من تجاوزها بفضل المساعدات الدولية التي تدفقت على البلاد، لكن الظروف اليوم مختلفة، إذ يعاني لبنان من أزمة اقتصادية خانقة، كما أن المجتمع الدولي أصبح أقل قدرة على تقديم المساعدات بسبب الأزمات المتعددة التي تواجهها دول العالم، إضافة إلى وقوف معظم الدول ضد حزب الله”.
وفي حالة توجهت الأمور إلى الأسوأ، لا يستطيع اللبنانيون، كما يشدد السبع، “تحمل تكاليف حرب واسعة، فالوضع الاقتصادي لا يسمح، كما أن الوضع الحالي ليس مريحا، خاصة بعد عمليات التدمير الكبيرة التي طالت الجنوب اللبناني.
لذلك جاء الموقف الرسمي اللبناني الذي عبر عنه الرئيسان نجيب ميقاتي وبري خلال لقائهما هوكستين، ليؤكد أن هناك تجاوبا لبنانيا مع المقترحات الأميركية للدفع نحو الحل السياسي وتجنيب لبنان حربا واسعة، وفقا للسبع الذي يشير إلى أن حزب الله يشترط وقف العمليات العسكرية في غزة أولا قبل أي شيء.
المصدر:الحرّة